الأربعاء، 26 فبراير 2025
أرواحنا والأحجار الكريمة
الثلاثاء، 18 فبراير 2025
صياد بطريقة عجوز "أرنست همنغواي"
الأربعاء، 5 فبراير 2025
بين النحلة والذبابة!
الإنسان في رحلة الحياة نحلة أم ذبابة؟ إليك البيان بالتفصيل.
لقد خلق الله الكائنات، ومن ضمن ما خلق الحشرات، ومن أشهر الحشرات المعروفة والمألوفة النحلة والذبابة. ورغم أن لكلتا الحشرتين مزايا فريدة وتراكيب معقدة، فإن لهما معاني فارقة.. إحداهما ترفع المنعوت بها فوق السماء، والأخرى تحط بالموصوف بها في درك الحضيض!.
إياك أن تقول لأحدهم: "أنت ذبابة"؛ فهي شتيمة لاذعة في نظر الجميع، بينما سيسعد كثيرًا من تنعته بالنحلة، رغم أنهما حشرتان طائرتان متقاربتان في الحجم.. فما الفرق بينهما؟ ولماذا كان النعت بالأولى مسبة وشتيمة وبالثانية مديحًا وثناء؟
تسقط الذبابة على القاذورات عادة، وتسبب الأمراض، وهي من أخطر الحشرات نقلًا للأوبئة، ومن أبرز الأمراض التي تسببها الذبابة: (التيفوئيد، والكوليرا، والجمرة الخبيثة، والجذام، وداء الليشمانيات، والدوسنتاريا، وغيرها).. في بعض المصادر أن الذبابة تنقل 200 نوع من البكتيريا، البعض لا يحتمل مظهرها القبيح والمقزز، والبعض تأقلم مع وجودها وقد يهشّها أحيانًا برفق غير مكترث لوجودها من عدمه.
بيد أن بعض الباحثين ينبه على خطورتها، وأنها تتقيأ بصورة دائمة على طعامك، ثم إنها تستطيب الأماكن القذرة، فتهبط على العفن وكل مستقذر يأنفه الذوق السليم، البعض يتهاون مع الذباب، علمًا أن بعض العلماء يحذر منها، حيث يقول عالم الحشرات "رون هاريسون": لا يحتاج الذباب لنقل جراثيمه إلا للمسة بمقدار ثانية واحدة، لهذا يحذر من تناول الطعام الذي يبيعه الباعة المتجولون، فإذا شاهدت ذبابة تحوم فتوقع أنّ الجراثيم مهيأة للانتقال إلى معدتك. بعض الذباب لحوح لجوج، وكأنه يتعمد إيذاءك وإزعاجك، لا سيّما في فصلَي: الصيف والربيع.
أما النحلة فهي صانعة العسل، العسل الحلو طيب المذاق، بما يحمل من لذة وشفاء للناس، وقيمة غذائية متفق عليها.. النحلة طيبة لا تحط إلا على الورود والطيبات، تعمل بجد لجمع الرحيق، ولا تتوقف حتى تكتمل الخلية وتملأها بالشمع والعسل المصفى، ورغم وجود شوكتها الدفاعية فإنها تذكرنا بكل العناوين الخيرة، العمل والإخلاص، الورد والرحيق، العسل الشهي الذي يمدنا بالطاقة والحيوية والشفاء.
النحلة لها العديد من الفوائد، سواء على البيئة كدورها البارز في التلقيح النباتي، أو لما يتحصله الإنسان من منتجات غاية في الأهمية، ومما تنتجه النحلة للبشر الشمع، والعسل، والعكبر، وغذاء الملكات.
فلماذا الحديث عن هاتين الحشرتين؟. نستطيع قراءة كل حشرة قراءة مسطحة، ونحفظ المعلومات العلمية لكل صنف وكفى.. غير أن الأهم هو القراءة الأعمق، لبلوغ أغوار المعاني المستفادة من درس هاتين الحشرتين. فماذا نستفيد؟ على الواحد منا أن يتأمل حياته جيدًا، ويقيّم تصرفاته بموضوعية؛ أهو ضمن عالم الذباب اللعين، أم في كرنفال راقص برفقة الملكة المكرمة؟
أي نوع نحن في الحقيقة؟ أنقدم الفائدة لأنفسنا وللآخرين كما تصنع النحلة، أم نزاول الأذية بكل فنونها وأشكالها؟ البعض يضر نفسه باستخدام المواد الضارة كالتدخين والمخدرات وإنتاج عوادم السيارات والمصانع، وإلقاء النفايات في البحر والطرقات وغيرها، وهذا هو دور الذبابة.. فمتى سنوقف الوباء؟ بينما نجد آخرين دورهم دور النحلة، يعطرون الأجواء بزراعة الورود وتشجير الحدائق، ونشر الطاقة الإيجابية، في كل مكان.
نتعلم من درس النحلة والذبابة فن الابتعاد عن الخصال الذميمة، كالكذب والسرقة والاحتيال والتعامل الفظ الخشن، وإحلال كل محمود بالتعامل الطيب وإلقاء التحية ونشر الابتسامة.
إننا نتعلم من هذا الدرس بذل النشاط القوي في كل خير، وصرف المنفعة الجزلة لكل المحيطين، لأنفسنا وللبشر ولسائر المخلوقات والكائنات، ورفع الأذى وتحاشي الوقوع في بؤرة الشر.
لا نحتاج لتقييم الآخرين ولا داعي أن يصفنا أحدهم بالنحلة أو الذبابة؛ فالإنسان أبصر بطبيعته، والمهم هي الحقيقة التي تتشكل بها شخصيتنا، لا مجاملات الآخرين وشتائمهم.
البعض حقيقة هو نحلة بالفعل في كل فصول حياته، والبعض الآخر – مع شديد الأسف – لا يتقمص إلا قميص الذباب، فالإنسان حيث وضع نفسه، فلماذا لا نجعل هذا الكوكب يدوّي بفيالق النحل، ويترفع عن الانخراط ضمن جيوش الذباب الضار؟، ما أجمل أن يكون الواحد فينا نحلة بكل المقاييس التي تبعث على الفخار.
الثلاثاء، 21 يناير 2025
اصنع من الحصى بيتًا
الحكايات الخرافية قد تكون واقعًا، والأحلام المستحيلة قد تتحقق!. لمَ لا؟. فلنجرب قراءة هذا المقال، ولنتحقق: هل بالإمكان صناعة بيت من الحصى؟
وإليك هذه الحكاية.. حين عجز أحد القادة عن فتح مدينة محصنة منيعة شاهد نملة تصرّ على حمل شعيرة، فانقدح في رأسه الإصرار حتى نال مطلبه! إن شرارة ذلك الفتح الكبير نملة صغيرة مع برهة تأمل، فلماذا لا نتفكر قليلًا لنحقق المعجزات؟
أدهشتني قصة في كتاب، ولا تزال حكمتها تدوّي، وهي أن صائغًا لاحظ أن برادة الذهب تتساقط على الأرض، ثم يأتي عامل النظافة ويكنسها، ويلقي بها في القمامة، هنا صرخ هذا الصائغ في أعماقه حين لمعت في عقله فكرة طازجة، فتحرك من فوره وجلب فرشة خاصة، وأخذ يكنس البرادة نهاية كل يوم، ليصنع من نُثار البرادة ثروته.
السؤال الحقيقي الذي نود طرحه هو: أيهما أثمن وأهم؛ وقتك الضائع أم برادة الذهب؟ كثيرًا ما نشتكي من قلة الوقت، ونحن نبدد دقائق أعمارنا يمينًا ويسارًا، أحدهم أنهى قراءة عدة كتب في لحظات انتظار إشارة المرور المزعجة، فكم من الوقت أهدرنا في قاعات الانتظار؟
أعجبتني فكرة وضع كتب في صالون الحلاقة وغرف الانتظار، لكن المؤسف أن الأيدي لا تصل إلى هذه الكتب، بل إن لدى كل شخص ثروة ثمينة هي جهازه المحمول، فهل أحسنا إدارة الوقت المهدور؟ نقول: اصنع من الحصى بيتًا، ووقتك الضائع لو تم جمعه بطريقة جمع برادة الذهب، فإن دقائق الانتظار ستتحول إلى ساعات.
أعجبتني عقلية جامع الخردة، يجمع ما لا يرغب به الناس، ليصنع من الركام ثروة.. كلنا يشاهد أن الشعوب المتقدمة تقرأ على متن القطار والطائرة، يقرؤون في أثناء أسفارهم وفي أوقات انتظارهم، أما بنو جلدتي فيتثاءبون بعيون دامعة كسلى، وهم يعيدون السؤال ذاته عدة مرات: متى سنصل؟. كلنا يمتلك 24 ساعة في اليوم، فهل استخدمناها بكفاءة؟ المدهش أنّ الأخ المتثائب يشتكي قلة الوقت!
إنّ أغلب الشعوب العربية لا تحسن إدارة وقتها، ولهذا تخلفنا وتقدم الآخرون، الوقت ساعة رملية، ومع انتهاء آخر ذرة تنتهي أعمارنا، لنقرأ كتاب “التأثير المركب”، للمتحدث التحفيزيّ الكاتب الأميركي دارين هاردي، وكتاب “العادات الذرية”، لخبير التنمية الذاتية الكاتب الأميركي جيمس كلير، لندرك ما تصنعه الدقيقة في حياتنا.
المقال الذي بين يديك ليس مهمًا إذا لم يحرك فيك ساكنًا، اشرب الشاي وشاهد ما يثلج الصدر، ودع ما كان على ما كان إذا أردت.. يعجبني من لا يكمل المقال لكونه فهم القصيدة من مطلعها، ففكرة المقال قائمة على أن الأجزاء تكوّن الهدف، والخطوات توصل للغايات، فأين هدفك؟ ولماذا لا تسعى؟
كلنا قرأ قصة الثعلب القاضي مع جبنة القردين المتخاصمين، بمكره أخذ يأكل من الجبنة حتى أتى عليها.. الثعلب المكار ذاته يغري غرابًا بالغناء، ليظفر بالجبنة التي في فمه، فلماذا لا نمارس حيلة الثعلب مع أوقاتنا الضائعة؟ مائة ريال إذا نقص منها ريال واحد لا تكون مائة، إنه تأثير الجزء الضئيل، القطرة المتوالية تشرخ الصخر، الحبل الضعيف يؤثر في حافة البئر، وقطرات القراءة التي تمارسها بين الحين والآخر، تشكل ثقافة في صندوق الجمجمة.
لقد أدهشني بائع كتب يدمن القراءة حينما تحدث، لم يضيِّع وقته في انتظار الزبون، بل جعل من دكانه مكتبة للقراءة، والأمر الطارئ محاسبة الزبائن، النتيجة أنه أصبح مكتبة صوتية متكاملة إن تكلم، ولا غرابة أن يكون كذلك ما دامت عادته مرافقة العلماء من خلال بساتين علومهم وكتبهم.. المؤسف أن لدينا كتبًا شهية وملونة، وذات قيمة ممتازة، ومع ذلك لا نحرك ساكنًا، نحتاج فقط إلى عملية الانضباط والإصرار على الهدف.
تذكر قصة إصرار النملة في حمل حبة الشعير إلى بيتها، واجعلها لك منهجَ حياة.. اقرأ كل يوم صفحة واحدة، أو ضع لك خمس دقائق لمطالعة كتاب، وستندهش من العبقرية التي حققتها، الثقافة كالثروة.. كن مدخرًا درهمًا كل يوم لتجني جرة الذهب في الختام، ومن يقرأ كل يوم فسيكون مكتبة متنقلة عما قريب، وسيدهش قُرّاءه ومستمعيه!
فقط داء واحد ينبغي عليك محاربته، هو الكسل.. فقط ثمرة واحدة نحتاجها بإلحاح، هي الالتزام على الخطة.. حينها سنصنع من الحصى بيتًا.