الثلاثاء، 27 سبتمبر 2022

بدائع الشعراء

 


"بدائع الشعراء" للأديب آل زايد
من العلاقة الوجدانية إلى الإنتاج الصوتي

في حوار صحفي سابق أجرته الصحفية: منال الخويطر من منتدى آفاق العروبة مع الكاتب والروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد صرح بقوله: "لدي علاقة وجدانية مع المكفوفين"، وأسهب بقوله: "الله سبحانه وتعالى ابتلى ثلة من الناس بفقد البصر، ولا يعني ذلك فقد البصيرة والثقافة، فكم من رجل أعمى هو فريد عصره ونابغة دهره رغم الإعاقة؟"، فمن علاقته الوجدانية مع المكوفين والعميان ينطلق لتدشين باقة من كتبه الورقية لإنتاجات صوتية مسموعة ليقدم بضاعته لذوي الإعاقات البصرية ومحبي الثقافة السمعية، حيث أنتج مؤخرًا كتابه الصوتي (بدائع الشعراء)، بحناجر رقراقة تسحر الآذان والقلوب، عبر أربع رواة مهرة، هم المبدع: معتز صقر، والمبدع: مؤمن المدرك، والمبدع: عبدالرحمن عبيد، والمبدع: الفضل عثمان، يقع الكتاب في ٥ ساعات و٣٥ دقيقة، مسامرة مع (٧٥) شاعرًا، من عمالقة الأدباء، يحكي الكتاب سير هؤلاء الشعراء وقطفات من جميل ما أنتجوه، من بداية العصر الجاهلي حتى العصر الحديث، موسوعة مصغرة لسير أهم الشعراء الكبار في (٦) أبواب.

الكتاب الصوتي، من إنتاج شركة O2 Media الشركة المصرية الرائدة في مجال إنتاج الكتب الصوتية وتكنولوجيا المعلومات، والكتاب الورقي من إصدارات دار أروقة للدراسات والنشر، وهي دار نشر أردنية، تتخذ من عَمّان مقرًا لها، وقد تم نشر الكتاب الصوتي مؤخرًا ضمن منصة الراوي التي تتبنى شعار "خير أنيس"، حيث يعتبر تطبيق الراوي، واحد من التطبيقات الصوتية الرائدة، التي تعمل على الهواتف الذكية. 

رابط الكتاب الصوتي 
بدائع الشعراء | تطبيق الراوي:
‏https://alrawi.com/ar/book/62eabc15f8c72a3bf82396ed

بعضًا من اقتباسات الكتاب: 

( 1 )
عشقت الشعر وطربت لإلحانه منذ البواكير، وكنت أتمايل على إيقاعاته منذ الصغر، حتى حفظت بعضًا مما لامس الفؤاد، وسحر العيون والمقل، وعكفت على التلاحين دهرًا وترنمت بأعذب الأشعار.

( 2 )
وما يهمني أن أرتحل مطاي هذه الصفحات وأدوّن سطورًا تروق، من خلال حقبة زمنية رتلت فيها وحي الجنّ، فالشعر ليس ديوان العرب وحسب، بل هو ديوان الأرواح وما تختزنه العقول من حكم وتجارب وأحلام

( 3 )
في هذه الرقاق نحتلب بعض الروائع، التي تستحق الدراسة والتأمل والاقتفاء، لتلمس مكامن الإبداع فيها، وإنه لا بُدّ للشاعر من زادٍ يتزود به، وفي طيات هذه الصفحات قبسات من جميل ما كتب، وليس من السهل بلوغ ذرى القمة إلا بتعقب آثار الماضين والسابقين إلى المناجم، حتى لا يُبْتَدأ من القاع؛ وقد بلغ القوم القمة، ورقوا مراقٍ تستحق النظر.

( 4 )
إنّ هذا الكتاب لمحة خاطفة في زمن العجلة والإسراع، لعل شاعرًا من هؤلاء يقفز فوق الجماجم فيغري القراء، أو لعلّ بيتًا من الشعر ينبه القلوب بضرورة الإلمام، فتتحرك دوائر الاهتمام.


الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

التحيز للقطيع !!

 




تسير الأغنام في مسار واحد لا تحيد عنه، شعارها: (الشاردة لها الذئب)، تحذر الشاةُ صاحبتها بقولها: "إنما يأكل الذئب القاصية"، هذا ما عليه أغلب المجتمعات، الإصطفاف للتحيز التأكيدي، فالمؤمن لا يسمح لأذنيه إلا (أذكار الصباح، وآيات القرآن، وخطبة الجمعة)، بينما كان النبي يستمع ويشاور أصحابه، بل كان يستمع لمناوئيه، ولولا ذاك لما نزل قوله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)، فالصبر لا يأتي إلا بعد الاستماع للخصم، فهل لدينا مقدرة الصبر على الاستماع للآخر؟، لماذا لا ننزع القطن ونستمع للمخالف؟، قلبت صفحات الإنترنت وانتخبت الاستماع لمن يخالفني في التفكير، فاكتشفت كيف يفكر الآخر؟، علمت وجهة نظر الغير، واكتشفت بعض الأخطاء التي يسير عليها من يقبل ثقافة القطيع!!


لماذا نتهاتر بطريقة الاتجاه المعاكس؟، الذي لا يسمع الواحد فيه لأخيه، هل غفل المتحاور أن نصف الانتصار في الاستماع؟، فلنستمع للمختلف لنصل إلى (كلمة سواء)، التحيز للقطيع هو شغلنا الشاغل، لون واحد وفقط، رغم مكانة النبي إلا أنه كان كثير الاستماع، حتى انتقده البعض واصفًا إياه بـ (الأذن)، كناية عن الاستماع، فرد القرآن بقوله: (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْر)، فالمرء له أذنان ولسان واحد، ومع ذلك نتكلم ضعف ما نسمع، أليس العكس هو الصحيح؟، لا ندعو فقط للسماع بل للاستماع لنغمات خارج السرب.


أغلب المجتمعات لسان حالها: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)، ماذا لو كانت المسيرة خاطئة؟، ينقلب إليك الجوابُ خاسئًا وهو حسير: "مستحيل أن تخطأ البوصلة"، نقول: استمع للمخالف لك، لتكتشف ما لم تكن قد اكتشفته من قبل، للأسف لا نملك سوى منهج إبليس ذو الأنا المتعملقة الذي يقول: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)، كثير منا لا يبدأ عزفَ سيمفونيته إلا بنغمة: (أنا، أنا، أنا)، الأنانية والإستعلاء، ذات المنهج الفرعوني: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، لا يأخذ من الشافعي إلا نصف الكوب: (رأيي صواب)، وإذا ازدادَ تحيزهُ لقطيعهِ سيصر: (وصوابي لا يحتمل الخطأ)، رمانا المتنبي بدائه (أنا الذي) ثم انسل، فيا ترى هل سنتوارى عن القطيع؟، أم نتشبث بقول: "أنا ومن بعدي الطوفان"!!

الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

لنتعلم من الغراب الحكمة

 



هناك الكثير من الناس يكرهون رؤية الغراب، يتشاءمون منه ويتطيرون به لا شعوريًّا، من منظره ونعيبه وحركاته المقززة، يراه البعض طائر النحس، وعلامة من علامات الحظ السيء، وقد يظل البعض طيلة النهار في بيته حينما يسمع نعيقه صباحًا، أو يراه ينقر زجاج نافذته، فيقول: "لماذا أرسل الله لي هذا الغراب؟"، قد تمتد به الهواجس والظنون فيقول: "أيّ مصيبة ستحل علينا، من قدوم هذا الطائر المشؤوم؟!"، وقد يفتح النافذة ويمسح الغرابَ ببصره، ليرى قذارة أكله وصياحه المزعج، وفوضويته القبيحة، ثم يراه في خلجات نفسه مبعوث الموت ورسوله، وناقل الأنباء السيئة والأخبار المشؤومة، فيعاضد هذا المعنى الذي حلّ به ما ينقله الناس عنه بكونه (غراب البين)، وقد يدعم هذا الاسترسال آيات الذكر المجيد فيما نقله من حكاية الغراب وجريمة أول قتل في التاريخ، حيث يقول تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ)، هناك من يتضايق من مظهره، وقد يرفضه لو قدّم له في قفص كعربون صداقة، بل قد يتهكم على المُهْدي ويتندر عليه، فيقول: "أيّ عاقل يُهْدي الناس صوت الغراب؟!"، فأغلب النفوس تشمئز من صوته وتنقبض من مرآه، حتى وصفه صاحب منطق الطير (فريد الدين العطّار)، بأنه من لئام الطير، وقد ثبت أنّ العرب تتشائم منه، حتى أنهم اشتقوا من اسمه مفردات في ذات السياق، منها: (الغربة، والإغتراب، والغريب)، يكفي في هذا الطائر قذارة وذمامة أنه يأكل الجيف والقمامات، فهل نزيد أم نكتفي؟، لنتحدث الآن عن الكفة الأخرى ليعتدل الميزان ونصل إلى الحكمة والغاية من هذا الحديث، فنقول: مع كل هذه المواصفات السيئة وغيرها، ما ذنب هذا الطائر المسكين؟، ما جرمه إن خلقه الله قبيحًا مزعجًا فوضويًا بلون حالك أسود كالليل؟، هل له ذنب أو اختيار؟، لو كان الأمر بيده، لكان طاووسًا يزهو بريشه، وبلبلًا يصدح بتغريده، ولاستخلص لنفسه، ما يستخلص كل ذي عقل، ولكنّ الأمر خارج عن إرادته ورغبته، فهل ظَلَمَه الله سبحانه وتعالى حينما خلقه بهذا الشكل البغيض؟، وبهذا الصوت المنكر النشاز؟، ماذا يفعل الغراب بنفسه ولا حيلة له ولا ذنب؟، لماذا يكرهه البشر؟، ويصبون عليه جام غضبهم؟، أليس الغراب مخلوق من مخلوقات الله؟، فهل في خلق الله عيب سبحانه وتعالى؟، ربما يكون حالك السواد، طويل المنقار، مقزز الأكل، عثر السير، مزعج النَبْر، فوضوي التحليق، ولكنه طائر خلقه الله بحكمته، وتبارك الله أحسن الخالقين، أفي خلق الله نقص؟، أم وراء خلق الغربان حكمة نجهلها ولا ندرك غايتها؟، فلا يعلم كل العلم إلا من خصّه الله بكرامته وحباه بفيوضاته، ورد في بعض المرويات عن الغراب خصال طيبة، منها: أنه حذر الطباع، بكور في طلب الرزق، غيور ستور عند التزاوج، فلماذا نتحامل على هذا المسكين؟، ألا نعثر له على بعض المحاسن؟، هل هو ذميم قبيح حتى المنتهى؟، أما نجد فيه بعض النقاط البيض التي تساهم في تقبلنا له، لو بحثنا لوجدنا، ولعل من أبرز تلك المحاسن:

-الفطنة والذكاء: لا يغرنا مظهر هذا الطائر وشكله، فلقد قيل أنه من أذكى أنواع الطيور، فلقد حباه الله بدماغ كبير بالمقارنة لجسمه.

-حل المشكلات: حتى وإن رأينا فيه صفات سيئة، فلديه مهارات وقدرات تواصل مدهشة، تجعله متميز في حل المشكلات.

-النباهة والفراسة: لنحذر من عيون الغراب، فلديه مقدرة عجيبة، في الحكم على البشر، وله مقدرة على قراءة الوجوه وتعبيراتها.

-الإخلاص الزوجي: يقتصر الغراب على زوجة واحدة طيلة حياته، ويتناوب معها في تغذية فراخه واحتضانهم.

-رعاية الأبناء: يخلص الغراب لأبنائه ويطعم كتاكيته، حتى بعد مغادرتهم العش، ويستمر في اطعامهم حتى يصلوا لسن البلوغ.

-القناعة في الأكل: لا يقتصر أكل الغربان على اللحوم فقط، بل تمتد القائمة بحيث نستطيع أن نخمن أنه يأكل أي شيء، وإن كان جيفة غير مستساغة.

-الحظ الحسن: ليس دائمًا الغراب مضرب الفأل السيء، ولا علاقة له به، بل هناك بعض الثقافات والشعوب يرون في الغراب رمز السعادة والحظ الجيدة.

ليس لنا هدف في تمجيد الغراب، بقدر ما أننا نرغب في اكتشاف الحكمة منه، فما هي الحكمة التي نتعلمها من هذا الطائر الغريب؟، نقول إن الله سبحانه وتعالى قد يرزق بعض الناس أبناءً معاقين أو مشوهين أو قبيحي المنظر أو ذوي عاهة، فهل نتقبلهم؟، أم نبغضهم؟، قد يبتلى بعض الناس بقريب مزعج أو ثقيل ظل أو سيئ الخلق أو ذميم، فكيف سنتقبل التعايش معه؟، كذلك نحن قد نتعرض لتشوه أو مرض أو ضعف أو بلية مستدامة، فهل سنسخط على الله ونكفر به؟، أم نتقبل الظرف الذي منحنا الله إياه ونتكيف معه؟، في الحقيقة قد لا نعرف وجه الحكمة الإلهية من وراء ذلك وقد نسخط، هنا نقول: لنتوقف عن السخط والضجر، ولنتعلم من هذا الغراب الحكمة، فلماذا خلق الله الغربان؟، قد يستقبح البعض هذا الطائر المسكين، ولكن لو بحثنا له عن محامد لعثرنا له على بعض الصفات، ومع الوقت قد نتقبل وجوده معنا، إذًا فلنتعلم من الغراب حكمة تقبل الأشياء المبغوضة التي لا نستطيع تغييرها، لنتأقلم معها ولنسلم لحكمة الله الغائبة عنا، من يدري ربما نفيق ذات يوم على سر وجود هذه الأشياء التي نظنها سيئة؟، فنقول متأخرين: الحمد لله.

عبدالعزيز آل زايد