الجمعة، 19 أبريل 2024

متلازمة ظهر البعير

 


كلنا يعيش لهدف، فهناك من يعيش ليأكل، وهنا من يأكل ليعيش، وهناك من يعيش ليحقق أهداف سامية نبيلة، وفق ما تشير له بوصلة القيم، التي تشدد عليها جميع الديانات، من أجل تعمير الأرض، وحتى يتم تفعيل هذه القيم على هذا الكوكب لابد من نواة صالحة تشع بالخير في جميع أرجاء المعمورة ألا وهي الأسرة، التي يجدر أن تحفها المودة والرحمة، ومع الأسف الشديد فقدت المودات والرحمات وتفككت الكثير من هذه الأسر وأقيم عليها مأتمًا وعويلا. فلنضرب الآن ناقوس الخطر دون حرج، حيث تشير الاحصائيات لنسب طلاق مرعبة تهدد الاستقرار الأسري والمجتمعي، بلغت هذه النسب في بعض الدول العربية إلى أكثر من 65%، خاصّة في السنة الأولى من الزواج، فكيف نوقف هذا الإعصار الهادر الزاحف لبيوتنا؟


قد تكون شرارة القداحة لأتون هذه المشاكل توافه بسيطة، لكنها تقوض بناء المجتمع وتفكك الأسر، هذه التوافه والأحداث الصغيرة هي شرارات متلاحقة تؤدي إلى حدوث الشرخ، فالظاهر للعيان أنّ جذر المشكلة نتوء حقير؛ إلا أنّ خلف هذا النتوء، جبل من جليد، يقع أسفل سطح المشكلة، وقد لا يظهر للعيان، نسمي هذا الجبل الخفي متلازمة ظهر البعير، فما هي هذه المتلازمة؟، ببساطة هي سلسلة الأزمات الصغيرة المتوالية، نقاط صغيرة من المشاكل المسكوت عنها تجتمع لتشكل وابلًا وشلالًا جارفًا، فما هو الحل؟، الحل هو أن نعتذر عن الخطأ الصغير قبل أن يستفحل، أن نفرغ الحمولة أولًا بأول، بمعنى المباشرة الفورية بالاعتذار عن الأخطاء فور الوقوع، وعدم الاستعلاء والتحرج، حتى لا ينكسر الصخر في الضربة المليون، كثيرًا ما نقول: (القشة)، التي قصمت ظهر البعير. هذه القشة رغم ضآلتها تضيف قيمةً ورقمًا يساوي رجحان كفة على أخرى، بعدها يخرّ عليهم السقف من فوقهم، علينا أن نصفح بيوتنا بصفائح الصفح المتين، حتى لا يصدق عليها نعت (بيت عنكبوت)، من شدة الضعف والوهن، فالبيوت المطمئنة هي التي تتخلص من هذه المتلازمة بتسريح الضغوط بصورة دؤوبة مستدامة، قبل أن يغلي قعر المرجل، فرب قشة قصمت ظهر البعير  إذا لم نتدارك!

السبت، 6 أبريل 2024

لا تيأسوا من رحمة الله

 


لماذا اليأس من رحمة الله؟، قد يطول الصّبر، إلا أنّ الله وعد بالفرج، فلماذا اليأس؟، ورد في الدّعاء: (كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ؟، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مابَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنان؟).


المؤمن بقدرة الله يتعلق قلبه بالأمل، وليس من طبعه اليأس، قال يعقوب لأبنائه حين ضربت الشّدة عليه تخومها، وخسر بعد يوسف أعز أبنائه (بنيامين): (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).


هل رأيت تمساحًا يريد ابتلاع غزالة؟، لو قلتُ لك: أنّ الأمل في نجاتها مأمول، هل كنت لتصدق؟، قد يصرف الله هذا التّمساح عن ابتلاع فريسته، حين يدرك أنّها أم حامل وفي أحشائها جنين، هذا ما وقع بالفعل، فليس الظّلام سيد الموقف، وهناك من الأعاجيب ما وقعت لك إن كنت تذكر، ولم يخامرك النّسيان، الأمل بالله لا ينقطع، فلماذا اليأس؟ 


أنت تعلم أنّ المعضلة القاسية، لها باب فرج، وتعلم أنّ مفتاحها وارد وليس بيدك، في طرفة عين تكون فتتحقق الأحلام، هذا ما قاله يعقوب بعد نجاحه في اختبار الصّبر: (فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

الاثنين، 1 أبريل 2024

الإسراء البري والمعراج الجوي


 

هناك من شكك في المعراج باعتبار أن الأمم السابقة تحدثوا عن المعراج في أساطيرهم وأقاصيصهم، منهم: عروج ملك ايتانا حاكم مدينة لكش على جناح نسر، وكذلك زرادشت، ومعراج أفروديت الأسطورة الإغريقية والتي امططت صهوة فرس مجنح له رأس إنسان مماثل لهيئة البراق، وسواها.


هناك منكرين للإسراء والمعراج، باعتبار أنها حادثة خرافية في نظرهم استلبت من حكايات الفرس ولعبت أصابع اليهود بها، كما لعبت في التوراة من قبل، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)، وهذا ما يصطلح عليه بتأثير "الإسرائيليات" في المرويات الإسلامية، نقول من أراد أن يبحر في هذا الجانب عليه طرح الدليل، فمجرد الاستحسانات والتصورات لا تكفي، لهذا نحتاج لمراجعة سورتي الإسراء والنجم التي يستشهد بها في إثبات وقوع معجزة الاسراء والمعراج، طبعًا قد ترد آيات أخرى لها صلة بالموضوع.  


في تصورنا القاصر إذا انطلقنا من آيات القرآن، سنقول: أنّ النبي لم يسرِ ولم يعرج بنفسه كالطائر السينمائي الخارق (سوبر مان)، بل أسري به وعُرج به عبر البراق، هناك من يرى أنّ للنبي قدرة أسطورية خارقة تمكنه من التحليق في الفضاء وبلوغ سدرة المنتهى دون واسطة، على الطريقة الغنوصية، وهذا يحتاج لإثبات لكون الآية تصرح ببشرية النبي (هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا)، والتحليق الغنوصي ينافي بشريته على الظاهر.


سورة النجم لا تتحدث عن الإسراء، فقط عن المعراج كما هو المشهور، بينما سورة الإسراء لا تتكلم عن المعراج وتلتزم بحادثة الإسراء فقط؟، فهل حدث الإسراء في ليلة واحدة؟، أم في ليالٍ متفاوتة؟، نحتاج لدليل للجزم والقطع، ثم أي الحدثين وقع أولًا هل الأسراء؟، أم المعراج؟، هذا السؤال يطرح باعتبار أن الترتيب القرآني ليس مقياسًا صحيحًا، ونحتاج إلى معرفة ترتيب السور وفق النزول، فسورة النجم وفق ترتيب النزول (٢٣)، بينما سورة الإسراء (٥٠)، وهذا يعني أنّ آيات المعراج نزلت قبل الإسراء حسب ترتيب النزول، أما الترتيب وفق ترتيب المصحف لا يعتد به. وإذا كان الإسراء وقع ثم المعراج، لماذا تأخر الحديث عن المعراج قرآنيًّا ولم يطرح إلا متأخرًا بعد نزول (٢٧) سورة على الأظهر؟


في اللغة مفردة (المعراج) على وزن مفعال وهو اسم آلة، أي أن المعادل الموضوعي للمعراج يساوق البراق، في الموروث الروائي، نقول في الموروث الروائي باعتبار أنّ القرآن لم يتحدث عن هذه الدابة السماويّة، التي يتساءل البعض لماذا لم يوثقها القرآن؟، النتيجة أنّ الإسراء فعل، بينما المعراج ليس فعلًا بل اسم آلة، وفي التفاسير المعراج يعني: الدرج أو السلم، غير أن النبي لم يستخدم درجًا ولا سلمًا بل استخدم (البراق)، كما في الموروث، لهذا قلنا أنّ المعراج هو البراق، باعتبار أن المعراج اسم آلة وليس فعلًا كالإسراء.


مرويات الإسراء والمعراج تصرح أن من قاد البراق للنبي هو جبريل، الذي رافق النبي في رحلته الإعجازية، ومن خلال مراجعة الآيات، نكتشف أن الملاك جبريل ليس كبقية الملائكة، بل له قوة خارقة بحيث يقطع ( ٥٠ ألف سنة قرآنية ) في ليلة واحدة، والمعادل الموضوعي  لـ ( ٥٠ ألف سنة قرآنية ) تساوي ( ألف سنة بشرية )، لأن الآيات تقول: (ألف سنة مما تعدون) في الآيات التي تحدثت عن عروج الملائكة، منه نستنتج أنّ السنة البشرية سريعة بالمقارنة بالسنة القرآنية والتي تساوي ٥٠ سنة قرآنية.


هل كانت رحلة الإسراء جوية بواسطة البراق، كما هو رأي المشهور؟، أم هي رحلة برية خلافًا لما يراه الكثير؟، السؤال طرح باعتبار أن قصة موسى وقصة لوط في القرآن استخدمتا مفردة (الإسراء)، والمراد منها (السير ليلًا)، لا الطيران، فالمفردة (أسرى بعبده) في سورة الإسراء، تعني أنه سار به ولم يركب الدابة المجنّحة "البراق" ليطير بها، وإلا لذكرت الآية (لطار أو حلق بعبده)، بينما الدقة اللفظية تقول: (أسرى بعبده)، أي السير في الليل، وليس الطيران ليلًا. فإذا بلغ النبي فلسطين على المشهور، فهو اسراء بري وليس اسراء جوي، وهذا يقودنا إلى الحديث عن معجزة (طي الأرض) للنبي محمد في ليلة الإسراء وهي مسألة اعجازية لم أجد أحدًا تحدث عنها في قصة الإسراء، أما قصة البراق فهي ضرورية للمعراج إذا وقع في الحقيقة على المشهور، وليس في المنام كما يفترض البعض، لماذا ضرورية؟، لآن الآية تقول: (لن تنفذوا إلا بسلطان)، وكان البراق هو السلطان، عليه فإنّ النتيجة المحتملة أنّ النبي طويت له الأرض وكان إسراؤه برًا لا جوًا، بينما العروج كان عروجًا جويًّا عبر البراق، فالبراق لم يطير بالنبي في الإسراء، بل في المعراج فقط، وهذا يعني تحقق معجزتين طي الأرض والصعود للسماء، والله اعلم. 


الاثنين، 4 مارس 2024

أين تلك الفتاة اليوم؟!

 


بين التقديس والمبادئ؛ نرى الخلل الكبير، ففي المسيحية والإسلام هناك تقديس لشخصية والدة المسيح بكونها صاحبة الولادة الاعجازية التي انجبت من غير زوج، فهناك ألقاب لها واعتقادات بها وحولها وصل ببعضهم أن يصفها بـ : والدة الإله وسلطانة السماء والأرض (في المسيحية)، وخير نساء العالمين (في الإسلام)، ولكن أين أطنان المبادئ والقيم التي تتجسد في مريم القدوة؟! 


تغيب مريم عن مسرح الحياة العصرية، ولاتستشعر امرأة العصر أن هناك ارتباط بينها وبين هذه السيدة التي يتفق خلق غفير على عظمتها وقداستها، الفتيات اليوم يتعلقن بممثلة وراقصة إن لم يكن بممثل ومغني ومطرب!!، هناك ما يسمى بالتربية بالقدوات، خلق القدوة يقود لاقتفاء الأثر ، فماذا نحتاج من فتاة اليوم ؟!، إذًاعلينا إبراز شخصيات يتفق عليها الكل أنها المثال الحقيقي لما نرجوه من دور المرأة اليوم.


هناك غياب لدور الشخصية الصالحة (القدوة)، فلماذا لا تبرز تلك القدوات؟!، لانتحدث بالضرورة عن تمجيد الأسلاف مثل: مريم وخديجة، بل نقول أين نماذج هذا العصر من النساء القدوات؟!، هل عقرت أرحام الأمهات منهن؟!، أم لا تستحق المرأة اليوم أن تكون قدوة لمثيلاتها؟!، لماذا نحتاج لاستدعاء شخصيات القرون الخالية، ونعجز عن ذكر من هم بين ظهرانينا !!


المسؤولية تقع علينا جميعًا في إيجاد هذه النماذج، من الممكن دراسة هذا الموضوع واحلال العديد من المسابقات وخلق الكثير من التحديات، ولكن تبقى الكارزما لها دورها في اختطاف القلوب، فمن هي العذراء المعاصرة التي سيقع عليها البنان؟!


السبت، 2 مارس 2024

لنمزق الأحزان

 



يكتب الكاتب الشهير نيكوس كازانتزاكيس روايته ذائعة الصيت (زوربا اليوناني)، فمن هو بطل الرواية زوربا، وما حكايته؟!، هو رجل أمي يعشق الحياة، ثقافته الوحيدة تجاربه التي خاضها في مختلف المواقف ..


زوربا لا يعترف بالحزن ولا يذكره، هو منشغل بالفرح والابتهاج، أحب الدنيا بكل معطياتها يبحث عن أي ثغرة سعادة ليعيشها بكامل تفاصيلها وبنشوة منقطعة النظير، ثم أن له رقصته الشهيرة التي تسمى (رقصة زوربا) والتي يتقنها وينفذها بعد أن يقفز للأعلى بضعة أمتار، لا يعترف زوربا بالكتب بل يصرح بأنه يبصق عليها، فليست الكتب تحمل كل شيء في هذا الوجود ! 


يعمل زوربا مستثمرًا مال الرئيس، وهو لقب صديقه الذي تعرف عليه مصادفة، بدأ هذا الاستثمار في نقل الفحم من منجمه، لكن زوربا يفشل في صناعة المصعد المخصص لنقل الفحم، وتمتد الرواية التي بطلها هو عبارة عن شخصية حقيقية قابلها نيكوس -الراوي- في أحد سفراته .


ما نستفيده من زوربا الأمي هذا أشياء كثيرة، منها أن نفتح أيدينا لنفحات السعادة في هذه الحياة، أن نمزق الأحزان رغم عتوها، ونرقص مع زوربا الرقصة التي يستحضر بها كل السعادة، رغم بساطته وأميته التي لم يراها عائقًا له على أن يكون سعيدًا حتى وإن بقى فاشلًا في الحياة فلن يرضى أن يموت بقهره وحزنه، بل سيضحك ويفرح ويعاود الرقص والغناء بطريقته المميزة .

السبت، 24 فبراير 2024

الفقر في مختبر الكيمياء

 


هل بالإمكان أن نضع الفقر في مختبر الكيمياء؟، علمًا أنّه خارج أسورة المادة ومدركات الأجرام، لماذا ننتخب الفقر تحديدًا دون غيره؟، نظن أنّ الفقر اليوم أصبح حديث الساعة، فهو يمثل أزمة إنسانية لشعوب العالم، فهل هناك حَلٌّ لهذا الوحش الضاري الذي ينهش ويفتك ويهشم العظام؟، هل هناك حيلة حقيقية لتحويل الفلزات الخسيسة لفلزات نفيسة؟، هل بالإمكان العثور على ذلك الحجر الأسطوري ذو المسحوق الأحمر الذي يحيل الرصاص إلى ذهب وفضة؟، هل لحجر الفلاسفة مكان في عسقلان أو في صحاري أفريقيا أو في إرم ذات العماد؟، هل لأكسير الحياة وجود؟، وكيف لنا استجلابه لإنقاذ ما تبقى من رماد الشعوب المسحوقة؟ 

لو كان الفقر رجلًا، لو كان الفقرُ قطعةَ خشبٍ أو فولاذ، لو كان الفقر مادة تعالج في مختبر الكيمياء؛ لتمكنا من إذابته في أفران ابن حيان ومذيبات أنطوان لافوازيه، لو كان الفقر كائنًا يُمَسُ أو يُمْسَك لأذبناه وأسلنا كثافته كما أُسِيْلَ لسليمان (عَيْنُ القِطْر)، صحيح أنّ للحرارة والضغط أثر على الكثافة الكتلية والقوة الداخلية الجزيئية للمواد، لكن كيف للمعنويات والمجردات أن تُحيّز وتُأطر بإطار؟، فضلًا على أن تقيد في بوتقة معمل أو أنبوبة اختبار. 

الفقر فقّس وفرّخ، وانتشرت حول الشعوب أجنحته الفارعة، الفقر أمسى توأم الأرواح والأجساد والأكباد، فما حيلة الفقير الذي لا يجد ما يسد رمقه؟!، هل يحتفظ الفقير بكرامته في هذا الدهر؟، الذي أمست فيه معظم الأسر بين حجري رحى؟!، يدعي (ابن الأحنف) أنّ الكلاب لتميز الفقير من غيره، وتتعامل معه بخشوة وصلافة، وكأنّ له رائحة ممقوتة تشمئز منها أنوفهم خلافًا للغني محمود العاقبة، وهذا جزءٌ من رائعته التي يقول فيها:

يَمشي الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضدَّهُ.. 
والناسُ تُغلِقُ دونَهُ أبوابَها

‏وتراهُ مكروهًا وليس بمذنِبٍ..
‏ويَرى العداوةَ لا يَرى أسبابَها

‏حتى الكلابَ إذا رأتْ ذا ثروةٍ..
‏خضعَتْ لديهِ وحرّكتْ أذنابَها

‏وإذا رأتْ يومًا فقيرًا عابرًا
‏نَبحتْ عليه وكشّرتْ أنيابَها

أين يا ترى نرى الغنى؟، وكيف نستورد اكسيره؟، سأل أحد المدراء الأمريكان الحضور ذات مرّة: ما هي أغنى أرض في العالم؟، كانت الإجابات متعددة، فالبعض أشار لدول الخليج لتملكها آبار النفط، وأشار آخر إلى مناجم الألماس في إفريقيا، إلا أنّ المدير صعقهم بإجابةٍ غير متوقعة وقال: "الجواب يكمن في المقبرة!، نعم المقبرة هي أغنى أرض في العالم؛ لأن ملايين البشر رحلوا إليها وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم تخرج للنور ولم يستفد منها أحد"، هنا ولدت الفكرة لـ (تود هنري) أن يؤلف كتابه البارز "مُتْ فارغًا"، الذي يستخلص منه أهمية إفراغ ما في الجعب من إبداع قبل ساعة الرحيل، فكم من فكرة وقادة مجنحة اندثرت باندثار صاحبها؟، فهل لدينا فكرة تقتل الفقر وتطعنه في خاصرته قبل حلول المنية؟

هناك من تجاوز الفقر إلى الثراء دون كسب ثروة مكتسبة من وريث، فكيف لأولئك العصاميين أن يبلغوا صهوة الغنى في حين فشل آخرون؟!، نعود إلى مختبر الكيمياء ونتساءل: هل بالامكان تحويل الرصاص إلى ذهب؟، عبر النشاط الاشعاعي أو عبر أيّ وسيلة مستحدثة؟، ماذا لو استطعنا تغيير تكوين النواة؟، وتمكنا من تغيير هوية العنصر؟، ألا يدفعنا الفضول المعرفي والخيال العلمي أن نشطح لفضاءات تقضي على الفقر؟، بإحالة الرصاص ذهبًا، إنّ العدد الذري لعنصر الرصاص 82، أيّ أنّ نواته تمتلك 82 بروتونًا، أما الفلز اللامع الذهب فيمتلك 79. ألا يدفعنا هذا التقارب العددي للتفكير في زحزحة هذه الأرقام قليلًا لتغيير معادلة الفقر؟، لقد تمكنت مصر من شق قناة السويس وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط في بحيرة التمساح في 18 نوفمبر 1862، وتحولت الأحلام والمعاجز لحقيقة، فهل تتحقق معجزة الذهب؟، يقول أهل العلم أنّ هناك خيارات أفضل من الرصاص، فالزئبق أعلى من الذهب بمقدار بروتون، والبلاتينيوم أقل من الذهب بمقدار بروتون، فهل هناك أمل؟، من يدري ما يخبأهُ لنا الدهر؟، أننا نريد أن نسلط الضوء إلى تلك القوة والطاقة المخزونة في العلم، قد لا تتمكن الأجيال القادمة لتملك ناصية الثراء بهذا الطريق، إلا أنّ هناك حتمًا ثراء قادم في مشاريع ذات بال، ستحقق عيشًا رغيدًا لبني البشر.

 

الأربعاء، 21 فبراير 2024

الكاتب بين الجمهور والعزلة


هل يحتاج الكاتب للجمهور؟، أم يحتاج للعزلة؟، في تقديري أنّ كلّ إنسان يحتاج لشقيقه الإنسان بالغ ما بلغ، حتى وإن كان يسير على طريق الجادة؛ يحتاج لمن يقول له: "استمر فأنت على الطريق الصحيح"، ولا يعني أنّ على الكاتب السير وفق ما يطلبه القرّاء والجمهور دائمًا، بل عليه أن ينزوي وينعزل لينتج للناس ما يخدمهم ويفيدهم، وقطعًا ليس هذا الإنسحاب غرورًا ولا تكبرًا، كما قد يتوهم البعض، وفي هذا الصدد أتذكر الكاتب المصري البارز (توفيق الحكيم)، وأتذكر كتابه الظريف اللطيف والقيم الذي اسماه "من البرج العاجي"، في هذا الكتاب يصف فيه الحكيم مكتبه وخندق كتابته، أما كلمة "البرج العاجي"فهي وصف تلقاه الحكيم من البعض تهكمًا ونعتًا له بالترفع، هذا العنوان يحمل بين طياته طرافة أسلوبية، حيث ينصاع الحكيم ويتقبل الوصف الذي يرجمه به الغريم، ها هو ذا الحكيم يكتب من ذلك البرج الشاهق ليمطر على الصفحات وابل حكمه وخلاصة تجاربه، الحكيم في هذا البرج المصفح من العاج ينزوي في عزلة منفردة ليدون هذا الكتاب الذي يعد واحد من أجلى روائعه الكتابية، تروق هذه الصفحات التي سطرها للكتّاب لكونه يحاكي دواخلهم ومعاناتهم، الكتاب مجموعة مقالات وخواطر فكرية، علقت على هذا الكتاب في مراجعة قصيرة بعد الإنتهاء منه وقلت فيما قلت فيها: "البرج العاجي هي الخلوة الاختيارية التي يختارها الكاتب ليصنع كتابه للقراء، ليس الأمر ترفعًا، إنما هي مرحلة لابد منها للعطاء، فكيف نأكل العسل دون أن تمارس النحلة دورها؟"، وأقول في مراجعة الكتاب: "الخلية للنحلة، والبرج العاجي خلية العطاء للأديب"، وأقول: "ولولا ذلك البرج العاجي لما خرج هذا الكتاب".


كل كاتب يحتاج للخلوة مع نفسه من أجل الإنتاج والإنارة، لهذا يحاصره الوقت ولا يستطيع تلبية رغبة الجمهور في الرد على كل التساؤلات والتحايا التي لا تنتهي، الكاتب المعطاء لا ينسحب عن الأضواء إلا ليقدم المزيد للآخرين، كالسهم الذي ينكفئ للوراء لينطلق، وكالليث الذي يلاصق التراب ليقفز ويفترس، فلماذا لا نفسح للمؤلف أن يمارس عزلته الإنتاجية؟، للأسف هناك من المبدعين من أوقاتهم ضائعة لكسب لقمة العيش، وهنا أقول كلمتي الصادقة للحكومات: "افسحوا للمبدع أن يرفع من مكانة بلاده بتفريغه للإبداع"، نرفع القبعة لكافور وسيف الدولة لما بذلاه من رفع مستوى الشعر العربي بمآزرتهما للمتنبي، فكم من متنبي بيننا ضائع يبحث عن لقمة العيش؟، وكافور هذا الزمان لا يعلم عن حال شعرائه والعمالقة المسحوقين في هذا العصر.


البلد الذي يقدر المبدع سيعود الإبداع والخير عليه وإليه،  وكذلك الجمهور الذي ارتفع منسوب وعيه اليوم، عليه بمطالبة الحكومات والدول وأصحاب الشأن بتفريغ الموهوبين وأصحاب العطاء، للأسف أعرف أن الكثير من المبدعين يغرقون في أعمالهم المعيشية، فلا نرى لهم نتاجًا إلا النزر، لهذا يحتاج الكاتب لجمهوره لا ليقرأ ما ينتج فحسب، بل ليساهم في  اكمال مسيرة الإنتاج بالدعم والتشجيع وأن يصدع بالكلمة الصادقة التي هي أثمن من كل مال. 


الأحد، 18 فبراير 2024

ابتسم هناك أمل

 


مع تراكم الأيام الصّعبة لايزال القراء ينهلون من صفحات الكتب، المؤلفون يغرفون المداد من محابرهم ويبدعون، المثاقفة لا تتوقف رغم اللّيل الحالك.


أيها العالم أوقدوا شموع الأمل، فرغم المعاناة هناك إرادة، هناك عزم، لمن جرفته الآلام تأمل للشّمس كيف أشرقت بعد غياب؟، تأمل للضّياء زارنا بعد حلكة اللّيل، الدّنيا تشرق بالتّفاؤل، وتقول: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، فلماذا نبتئس وحياتنا كلّها غارقة بالسّعادة رغم المحن؟!


كن مبادرًا وغرس فسائل الرّاحة في قلوب الآخرين، لا تفكر فيما مضى، ولا تتشاءم بما سيأتي، وتأمل راحة البال التّي أنت فيها الآن، يقول صفي الدين الحلي: 


كن عن همومك معرضا ... 

وكل الأمور إلى القضا


وابشر بخير عاجل ... 

تنسى به ما قد مضى


فلرب أمر مسخطٍ ... 

لك فى عواقبه رضا


ولربما اتسع المضيق ... 

ولربما ضاق الفضا


الله يفعل ما يشاء ...

فلا تكن معترضا


الله عودك الجميل ... 

فقس على ما قد مضى


بالفعل، فكم من معضلة انجلت؟، وكم من مشكلة حلّت؟، هناك غيث من رحمات سيسقينا، فليس بعد الصّبر إلا الفرج، هكذا أخبرتنا الأيام، فالبشارة هي أنّك ستكون سعيدًا عما قريب، فلماذا لا تبتسم؟، ابتسم فأنت لا تزال على طريق الرّحمات، والسّماء تعدك بالمزيد.



الخميس، 15 فبراير 2024

احيلوا القحط ربيعًا

 





ينكمش الإنسان أحيانًا وتصيبه حالة القحط، تتعب النفس، يكل الجسد، تتهاوى الروح، ويعيش حالة الاحباط، الاحباط من كل شيء، ونحو أي شيء، 

فمتى يشرق الأمل وتنبت سنابل القمح؟، النفس تمر بفصول، كفصول السنة، فمتى يأتي الربيع وتزدهر الأحلام والأمنيات؟


الحنطة التي تسيد بها يوسف (عليه السلام)، لم يكن لها ذلك الثمن لولا (القحط)، فالقحط الذي نغرق فيه ونتشائم منه، قد يكون عتبة للصعود والتحليق، حين نتحرك بذكاء يوسف، فلماذا لا نجيّر العقبات لصالحنا ونتخذها موانئ ومنطلقات؟!


موسم القحط سيأتي وعليه نحتاج لمخازن نختزن فيها حبيبات القمح التي ستكون حنطة كالذهب، المطلوب هو أن ندخر ما لدينا لموسم الكساد، حينها سيكون القحط لنا عيدًا ومن خيرة المواسم، الفكرة ببساطة هي أن نتعلم من النملة الصغيرة تخزين القوت، والهناء به في موسم الشتاء، حينها لن نعيش القحط إلا كما عاشه يوسف الذي تسيد وظفر بما يريد بعد أن حرك أحجار عقله وانتصر.

الجمعة، 9 فبراير 2024

الأمراض النفسية لها حل




يعاني البشر الكثير من الأمراض، وهي على أنواع، قد يتعافى الفرد من بعضها، حين يطرق باب الطبيب، إلا أنّ البعض الآخر منها يتربع على القلوب ولا يتزحزح، فتستمر المعاناة، وتستدام المعضِّلة، نخص بالذكر -في هذه العجالة- الأمراض والعقد النفسيّة، نعتقد أنّ هذا الصنف من الأمراض هو الأكثر فتكًا، إذا ما قورن بالأمراض العضوية الملموسة والمدركة، ومع الأسف الشديد، أغلب مجتمعاتنا الشرقية تعاني من هذا اللون، ومع ذلك لا تطلب له علاجًا، وكأنّ الأمر ليس مرضًا يُستَطب، بل قد يتحرج المُعْتَلّ من مجرد عَرْض المشكلة!!، فهل فكر المَعْلُول النفسي من اللجوء لطبيب مختص يعالج ويلاته؟، أم أنّ الإحجام عن طرق هذه العيادات أصبح ديدنًا وشامة مستدامة، رغم أنّ العيادات النفسيّة مُشَرَّعة للجميع، وبعضها مفتوحة على مدار الساعة، وبالإمكان طلب الاستشارات (عن بعد) ونحن متكئين على الأرائك والوسائد، وفي غرف المخدع، السؤال المُلِحّ: لماذا لا نطرق باب المعالجة النفسية؟، رغم حاجتنا الماسة لها، هذه العيادات ليست للشؤون العقلية فقط، فهل فكرنا يومًا في المكاشفة للطبيب المختص؛ قبل أن تتفاقم المشاكل وتتعاظم، في الآونة الأخيرة قضيتُ وقتًا ثمينًا ورائعًا في ضيافة كتاب: (عقدك النفسية سجنك الأبدي)، وهو كتاب جميل بديع للكاتب: يوسف الحسني، وبعد الفراغ منه دوّنتُ مراجعتي، وهذا نصها: "نهتم بغذاء الجسد، وكذلك قد نهتم بغذاء العقل، ولكن ماذا عن النفس؟، يصاب الكثير منا بمطبات واحباطات نفسية وعقد متعددة، دون أن نسعى لطلب العلاج، زيارة الطبيب النفسي ليست للمجانين فقط، فكيف السبيل للتعافي النفسي؟"، كثير منا لا يعي أهمية زيارة هذا الاخصائي، وكثير منا في حاجة ماسة لتلك الزيارة، لكن لسان الحال يقول: "لَا مِسَاسَ"، فتراه يولي هاربًا ولا يعقب، مع أنّ العقد تنخر حتى النخاع، عقد نفسية في العلاقات، في العمل، في المال، في السلطة، في الحبّ، وتطول قائمة تلك العقد، أظن أنّ مجتمعاتنا العربية تحتاج للكثير من التوعية النفسية، ليس عيبًا أن نزور المختصين لطلب العلاج أو المشورة، بالفعل نحتاج لزيادة منسوب الوعي؛ لتخليص هذا العالم مما يعانونه من عقد وأزمات نفسية متعددة، الاستقرار النفسي نعمة كبيرة لا يدركها إلا من فقد تاجها، وما أكثر الصامتين، وهم يغرقون في رحم المعاناة، هناك الكثير من الناس يعانون، ولا يزالون في جحيم: (الوسواس القهري، الرهاب، الاكتئاب، الإدمان، شره الطعام، فقد الشهية، وغيرها كثير)، هل ندرك جيدًا أنّ هناك جنايات وقعت في حقنا أيام الطفولة؟، مضلعات خطرة تعرضنا لها في الصغر، سببت لنا المعاناة، واستمرت معنا لأعمار متقدمة، وربما كان العلاج لحظة قرار في قطع موعد لزيارة طبيب، كتاب "عقدك النفسية سجنك الأبدي"، فتح لنا الطريق لمعرفة كثير من تلك الأزمات التي ترتبط بالعلاقات، نحتاج فعلًا لوعي، وقد تكون القداحة قراءة كتاب، أو تأمل سطور قصيرة، ستفتح لنا شهيّة طلب الاستشفاء للتعافي، وليس عيبًا طلب المُعَافاة.