الجمعة، 19 أبريل 2024

متلازمة ظهر البعير

 


كلنا يعيش لهدف، فهناك من يعيش ليأكل، وهنا من يأكل ليعيش، وهناك من يعيش ليحقق أهداف سامية نبيلة، وفق ما تشير له بوصلة القيم، التي تشدد عليها جميع الديانات، من أجل تعمير الأرض، وحتى يتم تفعيل هذه القيم على هذا الكوكب لابد من نواة صالحة تشع بالخير في جميع أرجاء المعمورة ألا وهي الأسرة، التي يجدر أن تحفها المودة والرحمة، ومع الأسف الشديد فقدت المودات والرحمات وتفككت الكثير من هذه الأسر وأقيم عليها مأتمًا وعويلا. فلنضرب الآن ناقوس الخطر دون حرج، حيث تشير الاحصائيات لنسب طلاق مرعبة تهدد الاستقرار الأسري والمجتمعي، بلغت هذه النسب في بعض الدول العربية إلى أكثر من 65%، خاصّة في السنة الأولى من الزواج، فكيف نوقف هذا الإعصار الهادر الزاحف لبيوتنا؟


قد تكون شرارة القداحة لأتون هذه المشاكل توافه بسيطة، لكنها تقوض بناء المجتمع وتفكك الأسر، هذه التوافه والأحداث الصغيرة هي شرارات متلاحقة تؤدي إلى حدوث الشرخ، فالظاهر للعيان أنّ جذر المشكلة نتوء حقير؛ إلا أنّ خلف هذا النتوء، جبل من جليد، يقع أسفل سطح المشكلة، وقد لا يظهر للعيان، نسمي هذا الجبل الخفي متلازمة ظهر البعير، فما هي هذه المتلازمة؟، ببساطة هي سلسلة الأزمات الصغيرة المتوالية، نقاط صغيرة من المشاكل المسكوت عنها تجتمع لتشكل وابلًا وشلالًا جارفًا، فما هو الحل؟، الحل هو أن نعتذر عن الخطأ الصغير قبل أن يستفحل، أن نفرغ الحمولة أولًا بأول، بمعنى المباشرة الفورية بالاعتذار عن الأخطاء فور الوقوع، وعدم الاستعلاء والتحرج، حتى لا ينكسر الصخر في الضربة المليون، كثيرًا ما نقول: (القشة)، التي قصمت ظهر البعير. هذه القشة رغم ضآلتها تضيف قيمةً ورقمًا يساوي رجحان كفة على أخرى، بعدها يخرّ عليهم السقف من فوقهم، علينا أن نصفح بيوتنا بصفائح الصفح المتين، حتى لا يصدق عليها نعت (بيت عنكبوت)، من شدة الضعف والوهن، فالبيوت المطمئنة هي التي تتخلص من هذه المتلازمة بتسريح الضغوط بصورة دؤوبة مستدامة، قبل أن يغلي قعر المرجل، فرب قشة قصمت ظهر البعير  إذا لم نتدارك!

السبت، 6 أبريل 2024

لا تيأسوا من رحمة الله

 


لماذا اليأس من رحمة الله؟، قد يطول الصّبر، إلا أنّ الله وعد بالفرج، فلماذا اليأس؟، ورد في الدّعاء: (كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ؟، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مابَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنان؟).


المؤمن بقدرة الله يتعلق قلبه بالأمل، وليس من طبعه اليأس، قال يعقوب لأبنائه حين ضربت الشّدة عليه تخومها، وخسر بعد يوسف أعز أبنائه (بنيامين): (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).


هل رأيت تمساحًا يريد ابتلاع غزالة؟، لو قلتُ لك: أنّ الأمل في نجاتها مأمول، هل كنت لتصدق؟، قد يصرف الله هذا التّمساح عن ابتلاع فريسته، حين يدرك أنّها أم حامل وفي أحشائها جنين، هذا ما وقع بالفعل، فليس الظّلام سيد الموقف، وهناك من الأعاجيب ما وقعت لك إن كنت تذكر، ولم يخامرك النّسيان، الأمل بالله لا ينقطع، فلماذا اليأس؟ 


أنت تعلم أنّ المعضلة القاسية، لها باب فرج، وتعلم أنّ مفتاحها وارد وليس بيدك، في طرفة عين تكون فتتحقق الأحلام، هذا ما قاله يعقوب بعد نجاحه في اختبار الصّبر: (فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

الاثنين، 1 أبريل 2024

الإسراء البري والمعراج الجوي


 

هناك من شكك في المعراج باعتبار أن الأمم السابقة تحدثوا عن المعراج في أساطيرهم وأقاصيصهم، منهم: عروج ملك ايتانا حاكم مدينة لكش على جناح نسر، وكذلك زرادشت، ومعراج أفروديت الأسطورة الإغريقية والتي امططت صهوة فرس مجنح له رأس إنسان مماثل لهيئة البراق، وسواها.


هناك منكرين للإسراء والمعراج، باعتبار أنها حادثة خرافية في نظرهم استلبت من حكايات الفرس ولعبت أصابع اليهود بها، كما لعبت في التوراة من قبل، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)، وهذا ما يصطلح عليه بتأثير "الإسرائيليات" في المرويات الإسلامية، نقول من أراد أن يبحر في هذا الجانب عليه طرح الدليل، فمجرد الاستحسانات والتصورات لا تكفي، لهذا نحتاج لمراجعة سورتي الإسراء والنجم التي يستشهد بها في إثبات وقوع معجزة الاسراء والمعراج، طبعًا قد ترد آيات أخرى لها صلة بالموضوع.  


في تصورنا القاصر إذا انطلقنا من آيات القرآن، سنقول: أنّ النبي لم يسرِ ولم يعرج بنفسه كالطائر السينمائي الخارق (سوبر مان)، بل أسري به وعُرج به عبر البراق، هناك من يرى أنّ للنبي قدرة أسطورية خارقة تمكنه من التحليق في الفضاء وبلوغ سدرة المنتهى دون واسطة، على الطريقة الغنوصية، وهذا يحتاج لإثبات لكون الآية تصرح ببشرية النبي (هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا)، والتحليق الغنوصي ينافي بشريته على الظاهر.


سورة النجم لا تتحدث عن الإسراء، فقط عن المعراج كما هو المشهور، بينما سورة الإسراء لا تتكلم عن المعراج وتلتزم بحادثة الإسراء فقط؟، فهل حدث الإسراء في ليلة واحدة؟، أم في ليالٍ متفاوتة؟، نحتاج لدليل للجزم والقطع، ثم أي الحدثين وقع أولًا هل الأسراء؟، أم المعراج؟، هذا السؤال يطرح باعتبار أن الترتيب القرآني ليس مقياسًا صحيحًا، ونحتاج إلى معرفة ترتيب السور وفق النزول، فسورة النجم وفق ترتيب النزول (٢٣)، بينما سورة الإسراء (٥٠)، وهذا يعني أنّ آيات المعراج نزلت قبل الإسراء حسب ترتيب النزول، أما الترتيب وفق ترتيب المصحف لا يعتد به. وإذا كان الإسراء وقع ثم المعراج، لماذا تأخر الحديث عن المعراج قرآنيًّا ولم يطرح إلا متأخرًا بعد نزول (٢٧) سورة على الأظهر؟


في اللغة مفردة (المعراج) على وزن مفعال وهو اسم آلة، أي أن المعادل الموضوعي للمعراج يساوق البراق، في الموروث الروائي، نقول في الموروث الروائي باعتبار أنّ القرآن لم يتحدث عن هذه الدابة السماويّة، التي يتساءل البعض لماذا لم يوثقها القرآن؟، النتيجة أنّ الإسراء فعل، بينما المعراج ليس فعلًا بل اسم آلة، وفي التفاسير المعراج يعني: الدرج أو السلم، غير أن النبي لم يستخدم درجًا ولا سلمًا بل استخدم (البراق)، كما في الموروث، لهذا قلنا أنّ المعراج هو البراق، باعتبار أن المعراج اسم آلة وليس فعلًا كالإسراء.


مرويات الإسراء والمعراج تصرح أن من قاد البراق للنبي هو جبريل، الذي رافق النبي في رحلته الإعجازية، ومن خلال مراجعة الآيات، نكتشف أن الملاك جبريل ليس كبقية الملائكة، بل له قوة خارقة بحيث يقطع ( ٥٠ ألف سنة قرآنية ) في ليلة واحدة، والمعادل الموضوعي  لـ ( ٥٠ ألف سنة قرآنية ) تساوي ( ألف سنة بشرية )، لأن الآيات تقول: (ألف سنة مما تعدون) في الآيات التي تحدثت عن عروج الملائكة، منه نستنتج أنّ السنة البشرية سريعة بالمقارنة بالسنة القرآنية والتي تساوي ٥٠ سنة قرآنية.


هل كانت رحلة الإسراء جوية بواسطة البراق، كما هو رأي المشهور؟، أم هي رحلة برية خلافًا لما يراه الكثير؟، السؤال طرح باعتبار أن قصة موسى وقصة لوط في القرآن استخدمتا مفردة (الإسراء)، والمراد منها (السير ليلًا)، لا الطيران، فالمفردة (أسرى بعبده) في سورة الإسراء، تعني أنه سار به ولم يركب الدابة المجنّحة "البراق" ليطير بها، وإلا لذكرت الآية (لطار أو حلق بعبده)، بينما الدقة اللفظية تقول: (أسرى بعبده)، أي السير في الليل، وليس الطيران ليلًا. فإذا بلغ النبي فلسطين على المشهور، فهو اسراء بري وليس اسراء جوي، وهذا يقودنا إلى الحديث عن معجزة (طي الأرض) للنبي محمد في ليلة الإسراء وهي مسألة اعجازية لم أجد أحدًا تحدث عنها في قصة الإسراء، أما قصة البراق فهي ضرورية للمعراج إذا وقع في الحقيقة على المشهور، وليس في المنام كما يفترض البعض، لماذا ضرورية؟، لآن الآية تقول: (لن تنفذوا إلا بسلطان)، وكان البراق هو السلطان، عليه فإنّ النتيجة المحتملة أنّ النبي طويت له الأرض وكان إسراؤه برًا لا جوًا، بينما العروج كان عروجًا جويًّا عبر البراق، فالبراق لم يطير بالنبي في الإسراء، بل في المعراج فقط، وهذا يعني تحقق معجزتين طي الأرض والصعود للسماء، والله اعلم.