الجمعة، 8 ديسمبر 2023

لماذا نغفل عن السجود؟!

 


لماذا ناستنكف أحد زعماء قريش الدخول في الإسلام، وكان من اعتراضاته أنّه يأبى أن يُمَرغ أنفه الشامخ في التراب ويرفع عجيزته للأعلى في وضع السجود، إنّه الاستعلاء والأنفة، إنّه الاستكبار والزهو، صحيح أنّ الخضوع لغير الله مذلة، إلا أنّ العز كلّ العز، في التذلل إليه لنيل رضاه، وإنّ أقرب القُرْب منه في لحظات السجود، فهل تذوقنا لذة سجدة؟، هل شممنا عرف خضوع؟، طرد عدو الله إبليس من الجنّة بسبب رفض السجود، بينما المسلم يستسلم ويطيع لخالقه في عدة سجدات متواليات في كلّ يوم وليلة، فهل أدركنا هذا القرب؟، واستشعرنا هذه النعمة التي نرتع فيها؟، هل جربنا طلب الحاجات منه تبارك اسمه في وضع السجود؟

في زمن الماديات من المهم أن نشير إلى ضرورة تحقيق سجدة القرب، قبل أن تبلغ الروح التراق، لعل سجدة إخلاص واحدة تنفع يوم لا ينفع شيء، هل تأملنا آية من سورة القلم، يقول فيها تبارك اسمه: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)، إنّها حسرة إيما حسرة، لن يتمكن البعض من تأدية سجدة واحدة في ذلك اليوم العظيم، فلما لا نجرب اليوم ونتقرب؟! 

كثيرون يشتكون ويتبرمون أنّ دعاءهم لا يستجاب، والسؤال الصريح: هل كان عرض الطلب وإيراد المطلب في أُكْنَة السجود؟، أم كان الاستنكاف ديدن وعدوى متوارثة من إبليس؟، ثم لماذا لا نستحضر أحقية الخالق لهذا الخضوع؟، لا على سبيل خوف ولا لنيل رجاء، إنما من أجل الاستحقاق والمحبة. ورد أنّ أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي (خادم النبي) سأل النبي مرافقته في الجنّة، فقال له النبي: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"، هل تأملنا سر هذا الأثر، وكنوز ما نطوى عليه الخبر؟، لا يغفل اللبيب الأريب عن إدراك الجوهر من فحوى ما يحمله المصدر، فلو قيل لذي لب كذبًا وزورًا أنّ هذا الزر يُفتَح لك به كنوز إرم ذات العماد، لجرب الحصيف العاقل ضغط الزر رغم علمه بتواطئ الرواة على الكذب، كيف إذا كان المعتقد أنّ القائل هو الصادق الأمين، الذي لا ينطق عن الهوى، ألا يحمل ما قاله على صدق المدعى في الإشارة لأهمية السجود؛ لبلوغ المقام المحمود، في تسنم الوسيلة ذات الدرجة العالية الرفيعة في جنّة الفردوس؟، ألا يستحق منا الأمر ضرب القداح بالتجريب؟، كيف وقد ورد: "أقربُ ما يَكونُ العبدُ من ربِّهِ، وَهوَ ساجدٌ، فأَكْثروا الدُّعاءَ".

في الختام نقول إنّ لكل عبادة شائبة، منها شائبة الرياء والفِخَار، فلماذا لا نجرب اكتناه "سجدة السر"؟، في ليلة سوداء بظلمة دهماء، بعيدًا عن لحظ العيون، ليكن السجود سجود قلب، سجود قرب، سجود إخلاص، ألم يرد في الأثر أنّ النبي يسجد في يوم القيامة من أجل الشفاعة، فيأتيه الخطاب: "يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع"، فيقول: "يا رب أمتي، أمتي"، ألا يقودنا التأمل لبلوغ مكانة السجدة؟، هناك من العباد من عشقه السجود، حتى ظهرت على محياهم الثكنات الغر في الجباة، فإلى كل من طلب بلوغ الفتح، أي فتح، تأمل آخر آية من سورة الفتح، حيث يقول تبارك اسمه فيها: "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ"، ألا يقودنا ذلك لتجربة هذا السر الأعظم؟، فلماذا نغفل عن السجود؟!

الخميس، 9 نوفمبر 2023

أصنع ما تصنعه النملة!


 

‎ليس عبثًا أن نتأمل مخلوقات الله، فهلا نظرنا إلى أضعف مخلوقاته (النملة)؟، قد نجد كثيرًا من الحلول في حشرة صغيرة، فعلامَ نستصغر الصغائر، وما النّار إلا من مستصغر الشرر؟!، أليس الجبل الأشم والهرم الأعظم، عبارة عن تراكم حصيات صغيرة؟، فلنتدبر ونتأمل مواقف النملة، كيف تسير في طيلة مسيرتها؟، وتعمل في فصول سنتها؟، يقول الإمام علي بن أبي طالب واصفًا إياها: "ﺃﻻ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺧﻠﻖ؟، ﻛﻴﻒ ﺃﺣﻜﻢ ﺧﻠﻘﻪ؟، ﻭﺃﺗﻘﻦ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ، ﻭﻓﻠﻖ ﻟﻪ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮ، ﻭﺳﻮَّﻯ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﻈﻢ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ"، ثم يردفُ أبو الحسن في حديثه مفصلًا: "ﻛﻴﻒ ﺩُﺑّﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺿﻬﺎ، ﻭﺻُﺒّﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺯﻗﻬﺎ، ﺗﻨﻘﻞ ﺍﻟﺤﺒّﺔ ﺇﻟﻰ ﺟِﺤﺮﻫﺎ، ﻭﺗُﻌﺪُّﻫﺎ ﻓﻲ ﻣُﺴﺘﻘﺮِّﻫﺎ، ﺗﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺣَﺮِّﻫﺎ ﻟﺒﺮﺩﻫﺎ"، قال لي صديق بعد نزول الراتب بيوم: "هل تعرف أنّه لم يتبقَ لي من الراتب إلا بضع ريالات؟!"، فاجأني حديثه، وقلتُ في خاطري: "يا للهول!!، هل يطير الراتب كما تطير النسور؟، أم أنّ الراتب لا يكفي الحاجة كما يقال؟، أم أنّ الأمر يكشف عن ضياع بوصلة التدبير، إذ لم نتعلم من النملة أسلوب حياة، ولم نفقه أبجديات الإدخار؟!"، لقد تعلمنا منذ الصغر حكاية الصرصار والنملة، التي تدفع قوت صيفها ليوم شتائها، علينا أن نتعلم فنون إدارة الأزمات بالاستباق، حيث التحصيل من الرخاء إلى الشدة، ومن الشباب والكد إلى زمن الشيخوة والتقاعد، قال عز من قال: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، ما أجمل حديث النملة، وما أبهى فطنتها، ودقة لفظها، حيث لم تكتف بحماية نفسها فقط، بل هرعت تقرع طُبُول النذير وتعزف بوق النفير، لتحذر جميع قومها، من خطر محذق بهم، هو زحف الجيش الجرار، لم تكتف بذياع المشكلة، بل هَبّت همتها بوضع  الحل الاضطراري، وألفتت لمخرج الطوارئ: "يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ"، إننا نتعلم من النملة إنذار الآخرين، والتحوط بالانسحابات التكتيكية، فليس السائق البارع من يحمي نفسه من أخطائه فحسب، بل يتحاشى بذكائه جميع دوائر الخطر التي تثب في الطريق، وإنّ لم تكن تلك المجاوزات مقصودة، وهذا ما أشارت إليه النملة بقولها: "وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"، بمعنى أن نحمي أنفسنا من أخطاء الساقطين في مصيدة النقطة العمياء! 


‎هل نعلم أنّ فك النملة أقوى من فك التمساح بالمقارنة بحجمها؟، لننظر لأحجامنا؛ ولنتفوق على التماسيح بقوة التفكير، كما هي طبيعة النملة، تتحرك بفطرتها فتتخير الأماكن المناسبة لمعيشتها، فبعضها ينتخب شجر الخرنوب، لكونه يفرز محلولًا سكريًّا ينفع صغاره، فهل تخيرنا المواقع بما يعود علينا وعلى أطفالنا بالمنفعة؟! 


‎المتعمق في قراءة عالم النمل يدرك أنّ هذه النملة تفرز موادًا كيميائية مطهرة، لتعقيم الأعشاش وتطهير البيوض واليرقات والشرانق، بل وتطهر غذائها المختزن لفترات طويلة، أفلا نتعلم منها ضرورة استخدام المعقمات؟، ومزاولة استخدام قواعد السلامة، لنا ولأبنائنا ولمساكننا وطعامنا؟، من المعروف أنّ النمل يتسلح بحمض النمليك وهو عبارة عن مادة مخدرة تستخدمه كخطة دفاعيّة لصد الهجوم المباغت، فماذا نصنع أمام المخاطر والخصوم التي تحيك بنا الدوائر؟!، هل أعددنا الأحماض الدفاعيّة لصد تلك الهجمات الفتاكة المشرئبة؟! 


‎إنّ للنمل ذكاءات متعددة، فهي مصممة موهوبة، ويكفينا مثلًا أنّ نضرب بتصميم أعشاشها نموذجًا، حيث ترفع مدخل العش فوق مستوى سطح الأرض لتتحاشى المياه والأمطار، بل وتمارس الصيانة المستدامة لتقاوم الأعشاب الضارة وتكافح بقايا الطعام، وتواضب على ترتيب منزلها، فهلا اتخذنا من هذه العبقريّة مثلًا للاحتذاء؟! 


‎من مميزات النمل أنّ لها مجسات وقرونًا استشعاريّة، مخصصة للتحسس والتذوق والاتصال لبث المعلومات واستقبالها، فلما لا نتحسس بما يجري من حولنا لنتخذ التدابير الوقائية قبل وقوع الكارثة؟!، لقد زود الله أرجل النمل بشعيرات صغيرة، لتساعدها على التسلق والمشي وتنظيف الجسد، فهل تفكرنا في أهميّة النظافة الشخصيّة ومزاولة الرياضّة التي أضحت من أثقل الممارسات؟! 


‎النملة حشرة نشطة دؤوبة العمل، فلا تصحو إلا وترى النملة تعمل، ولا تبيت إلا وتراها تعمل، وكأنّ أجفانها استطابت آهات السهر، أفلا نستحي حين لا نتجافى عن الكسل والكرى؟، إنّ النملة تحافظ على نظافة البيئة، وتلقح الزهور، وتقلّب التربة ليتخللها الهواء، إنها عنصر هام لتحقيق التوازن في عالم الحشرات.


‎رغم أنّ الحكمة كبيرة في استفادتنا من هذه النملة، إلا أنّ من طبعنا استصغار الهوام الضعيفة، وتحاشي توافه الحشرات، لذا فمن الطبيعي أن تضيع منا قصة النملة بين تزاحمات الآيات، عليه كان من المهم حقًا إبراز هذه القصة بتسمية تلك السورة بسورة النمل. 


السبت، 21 أكتوبر 2023

عام بطعم القهوة

 


يقولون لي: "كل عام وأنت بخير"، فما عساي أن أقول؟، والأحزان تلو الأحزان، والآهات تتلو الآهات، يقولون لي: "كل عام وأنت بخير"، وكل عام يأتي بما هو أصعب، كل عام يأتي.. يأتي معه بأصناف البلاء، بألوان متعددة كألوان الفسيفساء، كم هي الامتحانات التي نخفق في أكثرها؟، ونسقط في معظمها، ولا نظفر إلا في اليسير اليسير منها، حتى هذا اليسير الذي نظن أنّه بمجهودنا ونتفاخر به، لم يكن منطلق الأساس نجاحنا، لكننا نشمخ بالأرانب خيلاءً، وكأنّ التوفيق حريرة دودة قز نَسْجُهَا من علم عندنا، وكأنّه لا دخل للسماء في بوادر التوافقات والتوفيقات. ما طعم الحياة لمن فقد فيها أمًا وتلا في فقده أب، لا طعم لتلك السعادة، فهي مشوبة كدرة عكرة، فهل نحظى من هذه الديار بالزلال؟

مَرّ عام جديد يا أمي ولا تزال الآلام هي الآلام، مَرّ عام جديد يا أمي ولا تزال الجراح تنكأ الجراح، "ليت شعري، أ للشقاء ولدتني أمي، أم للعناء ربتني؟!"، ليت شعري، إلى متى نعاني الأمرين في دروب الحياة؟، عام بطعم القهوة يا أم، هل لي بطرح ما كتمت: لماذا ينحبس عنا الراحل؟، ولا نرى منهم إلا غبار الشواهد، لماذا تضيق المضائق على سعة البحور؟، لماذا يقتر بالشمع من سكن النهار؟، هل نتلوا آيات الصبر؟ أم نتزر بالتسليم والرضا؟، إننا نحتاج أن نرى الأمور بعدسات مختلفة، بحيث لا نرى إلا جمال صنع الصانع، وجمال قدر المقدر، حينها فقط ستكون للحياة طعم ومذاق مختلف. 

بمناسبة يوم الميلاد 
 عبدالعزيز آل زايد  
 22 أكتوبر 2023




الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

ضوء القمر.. كتاب صوتي

 


بعد نجاح سلسلة "ضوء القمر"
الراوي يطلقها صوتيًا للأحبّة الصّغار


يستضيف تطبيق الراوي Alrawi، الكتاب الصوتي الخامس (ضوء القمر)، ضمن المكتبة السمعيّة لإنتاجات الكاتب والأديب السعودي عبدالعزيز آل زايد، حيث يحفل آل زايد بتدشين مبادرات صوتية تدعم المكتبة العربيّة لتثقيف ذوي الإعاقة البصرية ومحبي الثقافة السمعيّة، وقد تم مؤخرًا إطلاق النسخة الصوتية لكتاب "ضوء القمر"، وهو كتاب صوتي قصصي للأطفال واليافعين، تم اطلاقه بعد نجاح النسخة الورقية من سلسلة (ضوء القمر) في شهر يوليو 2022، وهو كتاب قصصي يتضمن 19 قصة تربوية هادفة على شكل يوميات، بطل السلسلة الفتي النجيب (أمير)، من عناوين قصص الكتاب: (حتى لا يموت البحر، المخترع الصغير، رائد فضاء، أوراق ملوّنة، في بيتنا طائر، غزو المستقبل)، يرافق النسخة الورقية العديد من الرسومات الرقمية الاحترافية من إبداع الفنانة: عبير حسن، ومن إنتاج موسسة بيان للنشر والتوزيع في بريطانيا، لمديرها الدكتور مأمون الوادي، يقع الكتاب في 92 صفحة، مقاس 21× 27، راوي الحكايات في النسخة الصوتية المعلقة الموهوبة رامية محمود، بأداء متميز متنوع الشخوص، يقول الأديب آل زايد في معرض هذا الإصدار: "بناء الإنسان يبدأ من الطفولة، وليس صحيحًا أنّ الصّغار لا يفهمون، الأطفال يستوعبون الكثير من المعاني والقيم، والانطلاقة تبدأ من هذه الأزاهير المتفتحة، فهل من غارس يترقب؟". 

صفحة النسخة الصوتية
‏https://alrawi.com/alrawi1/book/64f59df69eac5c71816d4e39?referal=VpGcPovB

العينة الترويجية (البرومو)
‏https://drive.google.com/drive/folders/1RBLdER9Es8xuRVbv6DQEMfsQ3Zs6BgLc?usp=sharing

صفحة النسخة الورقية
https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb384036-385500&search=books

صفحة النسخة الإلكترونية
https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb384036-381153&search=books

صفحة الـ goodreds 
https://www.goodreads.com/book/show/61392424


الخميس، 27 يوليو 2023

قانون الجذب الكوني



لنبدأ بهذا الشطر من حكاية طالعناها منذ زمن، وهي أنّ بطل القصة شاب متيم بحبّ النبي، انطلق هذا الشاب مع رفاقه لزيارة طيبة الطيبة، وكان يصرّح بعشقه لصوت الإمام في قراءة القرآن، لم يكن هذا الإمام إلا أحد أئمة المسجد النبوي الشريف، وفي لحظة من لحظات رحلته الشائقة للمدينة المنورة، قال لرفاقه قبل أن يقفل راجعًا لبلدته، ليكشف عن أمنيته الدفينة: "أنا أعشق صوت هذا الإمام، وأتمنى أن يقرأ سورة الرحمن"، يقول راوي الحكاية، فلما كبر الإمام وانهى الفاتحة قرأ: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، هنا بكى الراوي من صدق هذا الشاب الذي أخبره بأنّه كان يحلم في مناماته بالصحابة ويحدثهم. نكتفي بهذا القدر، لنتساءل مستفهمين: هل بالفعل هناك من إذا تمنى تحققت له أمنياته؟، هل هناك بحق خيوط سحرية يمتلكها البعض؟، إذا نام رأى من أحبّ؟، وإذا تمنى ظفر بحظوته وأمانيه؟. ما هو ذلك السر؟، وكيف يبلغ الإنسان ذلك الشأو والمقام؟، ورد في الحديث: (رُبَّ أَشْعَثَ أغبرَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أَقسم على الله لَأَبَرَّهُ)، البعض يركض وراء البخلاء من طبقة الأثرياء، ويترك وراءه رجاءَ ربّ كريم يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان)، هل سألت ربك ذات يومٍ فلم يجب دعوتك؟، هل طلبت منه ذات مرّة فلم يبرّ بقسمك؟، لنقل أنّ الله لم يمنحك ما ترجو؛ لحكمة تجهلها في ذلك الحين، فلماذا لا تعاود طرق بابه وتتمتع بخوض التجربة؟، تجربة حقيقية لا تمت لدعك المصباح السحري بصلة، إنّما رفع أكف الضراعة لتحقيق المرادات كلمح البصر، لماذا لا نجرب؟، ولكن ليس على نهج عبادة التجار، (إن أعطي رضي، وإن لم يُعطَ سخط)، بل على سليقة: (وجدتك أهلًا للعبادة؛ فعبدتك)، هناك أنهار وأسرار تجري على أيدي أصحاب المقام، لم يكن لهم هدف أن تتحقق على أيديهم تلكم الكرامات، لكنها هبة وهبها الوهاب فهطلت؛ ونالها من نالها من أهل الصفوة أولى الحظوة، فأيهما أغنى؟، من يملك مفاتيح أموال قارون؟، أم من يملك مفاتيح استجابة الدعوات؟، (لو أقسم على الله لأبره)، هناك من يرى أن الدين أفيون الشعوب، وهناك من لا يؤمن بتحقق المعجزات، لكنها تحققت بالفعل، والشواهد لا تحصر، فكيف تحققت إذا كان هذا محض وهم وإدعاء كما يرى من يرى؟


البعض يطرق باب المشاريع ويخوض تجربة الصفق في الأسواق، ولكن - يا سبحان الله - كل باب يطرقه لا يرى وراءه إلا الفشل، الفشل بامتياز، وكأن على الجبين طبع ختم (الخسران)، بينما التوفيق حليف أقوام آخرين، فتراهم لا يضعون أيديهم على شيء إلا تحول من فوره إلى ذهب وحجر نفيس، وهذا ملاحظ ومشاهد، فما هو سر فشل هؤلاء؟ ونجاح أولئك؟، ألا تدفعنا هذه المعاينات للتساؤل؟، ألا تحتوي هذه الأكوان على أسرار؟، فليتأملها المتأمل، قد يقول القائل: "مصادفة وقعت، كما يقع التماثل لحجري النرد على نقاطها الست في بعض المرات، تمنى المتمني أن يسمع سورة الرحمن فكانت، محظ صدفة أن تتمنى فتحظى، إنها مجرد مصادفات ليس إلا!!"، ولكن ماذا إذا كانت هذه الأمنيات والمصادفات المتحققة مستدامة ومتواترة؟، وكأنها سلسلة الذهب التي لا تنقطع؟، ألا تثير في أعماقنا هذه الوقائع التساؤلات؟، كيف كان ما كان؟، قد يكون الشيء المتمنى صغيرًا وقد يكون غير ذلك، قد يكون المتمنى نافعًا وقد يكون غير ذلك، السؤال: هل بالفعل هناك ما يسمى بقانون الجذب الكوني؟، كثيرون من تحدثوا عن البارسيكلوجيا والطاقات الخارقة، كالتخاطر، والتحذير قبل الوقوع، واستجلاب المشتهيات، ودفع المستكرهات، والتقاط الإشارات الكونية، وغيرها كثير، هل بالإمكان الاعتماد على مثل هذه القطفات وتصديقها؟، البعض اعتبرها مجرد أوهام؟، البعض حرمها ورآها معارضة للأديان، وأنها بداية لطريق الانحراف والانجراف الموصل للشرك بالله، البعض دفعه الفضول للتجريب، وقد عثرنا على عدة طرق يتبناها المعتقد بهذه القوانين الجاذبة، منها على سبيل المثال: أن تتمنى ما تريد الحصول عليه، ثم تغمض جفونك وتصدق بإيمان قاطع بأنك ستحصل حتمًا على ما تريد، فتتحقق لك الأمنيات.


لسنا ممن ينكر الحقائق، ولسنا ممن يميل لتصديق الأوهام، ومن الواضح أنّ هناك خوارق وقدرات، البعض وصل إليها بخوض التمارين والارتياضات والمجاهدات، البعض أخفق، البعض أنكر، البعض له رأي بين الرأيين، ما لا نستطيع نكرانه أمران، الأول أن هذا الكون ملغم بالأسرار التي تستحق أن تسبر لتكتشف، والأمر الثاني أننا لا نزال نغرق في مزيدٍ من الجهل وهذا ما يعاضدده القرآن في قوله تبارك وتعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).

الجمعة، 19 مايو 2023

الحجاج طاغية زمانه!!

 



من المعروف أنّ الحجاج بن يوسف كان سفاكًا مبيرًا لا يرحم من ظفر به، وغير واحد لقبه بـ (الطاغية)، حتى أنّ عمر بن عبدالعزيز وصفه بـ (عدو الله)، وقيل في لقب تسميته بالحجاج أنّه كان يفرط في تحطيم العظام، ويكفي التاريخ ما رواه عنه في قتله لسعيد بن جبير (التقي الصالح)، رغم كل التراجيديا التي رافقت ذكر الحجاج الثقفي إلا أنّ هناك  من يبرئ ساحته، حتى في قذفه الكعبة بالمنجنيق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والحجاج بن يوسف لم يكن عدوًا لها ولا أراد هدمها ولا أذاها بوجه من الوجوه ولا رماها بمنجنيق أصلًا،  ولكن كان محاصرًا لابن الزبير وكان ابن الزبير وأصحابه في المسجد وكانوا يرمون بالمنجنيق له ولأصحابه لا لقصد الكعبة وإن يهدموا الكعبة"، فهل كان الحجاج بالفعل مبيرًا طاغية؟!، أم أنّ للحجاج وجه آخر يرفض الكثير إيراد فضائله؟! 


اعترض أحدهم على شيخه وأستاذه (علي بن محمد عوده) حين روى الأستاذ قصة زواج أبي الحجاج الثقفي من أم الحجاج، نقل هذا الشيخ: رواية عن محمد بن إدريس الشافعي، تشير أنّ أم الحجاج كانت تحت المغيرة بن شعبة فلما رآها تخلل أسنانها من أول النهار طلقها، حيث ظن أنها أنانية استفردت بالطعام قبله، أو أنها قذرة لم تخلل ما علق في فمها من البارحة، فردت عليه بعد طلاقها قائلة: "والله ما كان شيء مما ذكرت، ولكني باكرت ما تباركه الحرة من السواك فبقيت شظية في فيّ"، فأشار بها المغيرة ليوسف الثقفي، فلما بنى بها وواقع، سمع هاتفًا يهاتفه في المنام يقول له: "ما أسرع ما ألقحت بالمبير!!".


قال المعترض على الأستاذ الشيخ: "رحم الله أم الحجاج وأبوه كانا من القرون المفضلة، ولا تز وازرة وزر أخرى وهذه القصة ظاهرها الكذب"، ثم عتب المعترض أنه ما كان يليق بالأستاذ نشر هذه الحادثة على الأشهاد، فرد عليه الأستاذ برواية في صحيح مسلم بشرح النووي بعد أن قال له: "الحجاج مبير سفاك للدماء بلا جدال . وهذا في صحيح مسلم"، نقل الشيخ الأستاذ حادثة مقابلة الحجاج بن يوسف مع أسماء بنت أبي بكر المعروفة بذات النطاقين بعد مقتل ابنها عبدالله بن الزبير، حيث قال لها الحجاج فيما قال: "أرأيت ما فعلت بعدو الله (يقصد قتله ابنها عبدالله)، قالت: لقد أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك, أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يظهر في ثقيف كذاب ومبير", أما الكذاب فقد رأيناه (وتقصد بالكذاب المختار الثقفي الذي إدعى النبوة)، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت .


عثرنا على آراء متضاربة في تقييم شخصيّة الحجاج، فهل بالفعل كان طاغية زمانه؟، أم له وجه غير الوجه الذي ضخمته الأقلام والسينما، قال بعضهم: إن الحجاج كان يعظم القرآن، حافظًا له كعادة أهل الطائف الذين أثنى عليهم عثمان بن عفان، وقال آخر: كان تقيًّا ورعًا يعظم القرآن، وكان بداية نشأته معلمًا للصبية القرآن الكريم. ينقل بعضهم أنّ للحجاج صفات نبيلة إلا أنّ السر في تغيره حادثة صفعه على وجهه بالسياط من قبل أحد رجالات الشرطة إثر وقيعة وقعت بينه وبين صبية من ذهل، يقول صاحب هذا الرأي فعزت على الحجاج كرامته أن يهان وهو بريء، فلتحق بفريق عبدالملك بن مروان في الشام، حتى ثبت وعلى ذكره لدى الخليفة، ومن طريف استشهادات هذا الفريق أنّ للحجاج أبياتًا شعرية يدافع بها عمن يرى أنه خالد مخلد في النار، يقول الحجاج في ذلك:


يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا 

بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ


أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ 

ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ؟


البعض اتخذ موجة الاعتدال سعيًا للتسديد والمقاربة حيث قال بعضهم أنّ للحجاج فضائل وعليه مثالب، وهناك من رأى أنّ الأوفق التوقف عن الخوض في مثل هذه الأحداث الشائكة، والأولى لديه إغلاق كل ما وقع في التاريخ من فتن لامست حياة الصحابة والتابعين، وأن نكل حكمها إلى الله وحده، فبيده الثواب والعقاب والجنّة والنار، إلا أنّ البعض رفض هذا السكوت ولم يعثر للحجاج فضيلة، حتى أنّ هناك من أخرجه من ملة الإسلام ونعته بالكفر الصراح، حيث ذكر ابن كثير رواية تشير إلى أنهم قد اختلفوا في أمر الحجاج فسألوا مجاهدًا فقال تسألون عن الشيخ الكافر!، وروى ابن عساكر عن الشعبي أنه قال: "الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم"، فمع أيّ فريق أنت؟

الخميس، 20 أبريل 2023

العيد بستان الشعراء

 العيد بستان الشعراء 




أقبل علينا العيد بردائه البهي البهيج، أقبل العيد كما يقبل خطو الربيع، أقبل يراقص الأزاهير والكروم، فمن أيّ الكؤوس نعب ونرتوي؟، لا ريب أنّ العيد يطربه الشعر، ويهزه الإيقاع، ويسليه قاف القصيد، إنّ للناس مشاعرًا تفيض في مواسم الأعياد، كيف إذا كانت تلك المشاعر من وقع شاعر؟، إنّ العيد بستان الشعراء، ولا ريب أنّ للإبداع جرس تتوق إليه النفوس، فما سيهدي الأديب الأريب حبيبته، في يوم العيد، يصوغ إيليا أبو ماضي بدائع شعره للمحبوبة بقوله: 

أَيُّ شَيءٍ في العيدِ أُهدي إِلَيكِ
يا مَلاكي وَكُلُّ شَيءٍ لَدَيكِ
أَسِوارًا أَم دُمُلجًا مِن نُضارٍ
لا أُحِبُّ القُيودَ في مِعصَمَيكِ
أَمخُمورًا وَلَيسَ في الأَرضِ خَمرٌ
كَالَّتي تَسكُبينَ مِن لَحظَيكِ
أَم وُرودًا وَالوَردُ أَجمَلُهُ عِندي
الَّذي قَد نَشَقتُ مِن خَدَّيكِ
أَم عَقيقًا كَمُهجَتي يَتَلَظّى
وَالعَقيقُ الثَمينُ في شَفَتَيكِ

الكلّ يرمق السماء، ويُحَدّق في عنق الأفق، لعله يرى ولادة القمر الوليد، فيزف الأفراح للجميع، يسبق مراصد الفلكين جبران خليل جبران، ليتحفنا بخبر عاجل، ويردف مبشرًا: 

هَلَّ الهِلاَلُ فَحَيُّوا طَالِعَ الْعِيدِ
حَيُّوا الْبَشِيرَ بِتَحْقِيقِ الْمَوَاعِيدِ
يَا أَيُّها الرَّمْزُ تَسْتَجْلِي الْعُقُولُ بِهِ
لِحِكْمَةِ اللهِ مَعْنَى غَيْرَ مَحْدُودِ
كَأَنَّ حُسْنَكَ هَذَا وَهْوَ رَائِعُنَا
حُسْنٌ لِبِكْرٍ مِنَ الأَقْمَارِ مَوْلُودِ

لقد فنيت أيام شهر رمضان، وها قد جاءت ساعة العيد، فماذا يروم الشاعر الولهان؟، وما أمانيه من الظباء والغزلان؟، يتناهى لمسامع أحمد شوقي تباشير العيد، فيقفز منتشيًا:

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي
مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها
وَأَقَلَّهُ في طاعَةِ الخَلّاقِ
اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها
إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي

"عيد سعيد"، معاشر المسلمين، "كل عام وأنتم بخير"، نتوقف لحظة ونستشير العقاد في أيّ التهنئتين أولى، 
أنقول في العيد: "كل عام وأنتم بخير"؟، أم نقول: "عيد سعيد"؟، يجيبنا العقاد بقلمه الصقيل أنّ الثانية أمنية معظم الغربيين، رغم كونها أمنية جميلة محبوبة، إلا أنّ العقاد يفتينا بالأولى لا لكونها أمنية شرقيّة وحسب، بل "لأن الخير أعظم من السعادة، وهو يشملها ويحتويها"، ويبرر بطريقته الفلسفية: "قد يكون الإنسان سعيدًا وهو مخدوع في سعادته، كأولئك الذين يحيط بهم الشقاء وهم يجهلونه ويجهلون أنفسهم ويحسبون أنهم سعداء".

رغم أنّ للعيد فرحته وبهجته إلا أنّه يتلون بتلون الظروف ويتزيى بأزياء الناس وأحوالهم، فإن كانت هَبّة الرياح مقبلة بالسعد نشرته على الملأ، فكيف حال المسلمين بعد تأزمات روابي القدس وتوترات فلسطين؟، يجيب معارضًا رائعة المتنبي؛ عمر أبو ريشة نافثًا مشاعره أبياتًا وقوافي:

يا عيد ما افتر ثغر المجد يا عيدُ 
فكيف تلقاك بالبشر الزغاريدُ
يا عيد كم في روابي القدس من كبدٍ 
لها على الرفرف العلوي تعييدُ
سينجلي ليلنا عن فجر معتركٍ 
ونحن في فمه المشبوب تغريدُ

وفي الختام نغمض العيون نتذكر أيام الطفولة، ونستجلي أفراح الأعياد فيها، ونتساءل، هل أمست أفراح العيد اليوم، كما كانت أيام الماضي؟، أم أنّ بعض الأحوال تبدلت وتغيرت؟، يتحفنا ضيفنا الأخير نزار قباني بنطباعاته التي قد نتشاطر ونحتلب بعضها، إذ يقول: 

يا عيد عذرًا فأهل الحيِّ قد راحوا

واستوطن اﻷرض أغراب وأشباحُ
يا عيد ماتت أزاهير الرُّبى كمدًا

وأوُصِدَ الباب ما للباب مفتاحُ
أين المراجيح في ساحات حارتنا

وضجَّة العيد والتَّكبير صدَّاحُ

هل حقًا رحل الناس وتركوا أحياءهم بلا أنس ولا صخب؟، كيف أصبحت أيام العيد لدينا اليوم؟، لنستمع لأزيز مرجل ذكرياته، لعلنا نتقاسم معه الواقع والإيقاع:

أين الطُّقوس التي كنَّا نمارسها

يا روعة العيد والحنَّاء فوَّاحُ
وكلنا نصنع الحلوى بلا مللٍ

وفرن منزلنا في الليل مصباحُ
وبيت والدنا بالحبِّ يجمعنا

ووجه والدتي في العيد وضَّاحُ
أين الذين تراب اﻷرض يعشقهم

فحيثما حطَّت اﻷقدام أفراحُ
أين الذين إذا ما الدَّهر آلمنا

نبكي على صدرهم نغفو ونرتاحُ


الثلاثاء، 18 أبريل 2023

قراءة في رواية البردة





بثوب تاريخي رومانسي تخيلي.. الروائي السعودي عبد العزيز آل زايد يفتتح مشواره الأدبي بـ “البردة” بعد رؤيته للنبي

متابعة: أ. د. محمد بن حمود الطريقي


فتتح مشواره الأدبي بـ "البردة" بعد رؤيته للنبي صل الله عليه وسلم

يعتبر الروائي والأديب السعودي عبد العزيز بن حسن آل زايد، أحد المشاريع الثقافية والأدبية المنتظرة, ليس فقط داخل المملكة العربية السعودية, بل فى العالم العربي, حيث يمتلك آل زايد موهبة فطرية تؤهلة ليكون فى مقدمة أدباء الوطن العربي. أصبح اسم “عبد العزيز آل زايد”, يتردد وبقوة في فضاء الأدب العربي، ويُنقّش في سجل عمالقة الروائيين العرب.


حقق الروائي السعودي “آل زايد” جائزة الإبداع في يوليو عام 2020، في جائزة ناجي نعمان البيروتية، في دورتها الثامنة عشر، وفي غرة يونيو لعام 2021 يصدر آل زايد باكورة انتاجاته، بتقديم أربع روايات عن دار البشير للثقافة والعلوم، أولى رواياته تحمل اسم (البردة)، وهي أول اصدار يفتتح به آل زايد مشواره الأدبيّ، وتم التصريح في الإعلان الترويجيّ لموقع دار البشير بمصر بأن رواية البردة “ضمن الأدب الصّوفيّ والمدائح النّبويّة، بثوب تاريخيّ رومانسيّ تخيليّ”.

ولد آل زايد عام 1979 بمدينة الدمام شرق السعودية. حاصل على (جائزة الإبداع) في يوليو 2020، إحدى جوائز مؤسسة ناجي نعمان الأدبية ببيروت في دورتها الـ18.

يحمل درجة البكالوريوس من جامعة الملك فيصل في الأحساء، والدبلوم العالي من جامعة الملك عبد الرحمن بن فيصل. بدأ الكتابة في القصص القصيرة ثم اتجه للرواية. صدر له رواية (الأمل الأبيض).

يسعى آل زايد ليكون عند ثقة القارئ العربي, يقول: “ينبغي أن يضع الواحد فينا له طموحًا وهدفًا كبيرًا، ليتحرك في فضائه، حتى يكون شيئًا، ولعل الأمل ولد لنا بعد فوزنا بالأمل الأبيض، ثم أن بداية الغيث قطرة، وأظن أننا حققنا عدة قطرات في هذا المضمار، وبقي أمامنا الكثير لنصل”.


 فخاخ الثرثرة. 


عندما سؤل آل زايد هل الرواية السعوديّة تشكل تسونامي في الأدب السعوديّ؟، وهل تتفق مع من يقول أن الروايات الجديدة أصيبت بداء الثرثرة؟، أجاب قائلاً: “كأنما السؤال ملغم، ويحاول توصيف الروايات الجديدة بـ (زبد بحر)، لو كانت إيجابتنا عليه موافقة، وهذا يحتاج لمزيد من التمحيص، والإجابة التي نراها بصفتي قارئًا، نعم فكثير من الأحيان يقع الروائي في فخاخ الثرثرة، لكونه لا يفرق بين المقطوعة الروائيّة والمقطوعة الشعرية، كثيرًا ما أصفق بقوة للأدباء الشعراء، على ما يملكون من روعة شاعرية، ولكنهم يغرقون القراء بالملل والسأم في كتاباتهم الروائية، فالقارئ يرى أمامه ديوان شعر لا رواية، مما يسبب له خيبة أمل، فيصف القارئ الرواية (بالثرثرة)، والخطأ هو أن على الأديب الموازنة بين قلم الأدب وقلم السرد، فإذا طغى الأدب كان ديوانًا، وإذا استبد السرد، تعرى من الشاعريّة، ويختلف الروائيون في مقدار الجرعة المنسكبة من القلمين على الصفحات، وعليه أقول: نعم وقعت بعض الروايات في داء الثرثرة دون قصد، أما السؤال الأول، فأتفق معه، أن الرواية السعودية تشكل تسونامي قادم، وهذا ما نعته بأن الرواية ستكون ديوان العرب بدلًا من الشعر في العصر الحديث”.


 ثلاثية آل زايد. 


بعد طول صمت فوجئ الجمهور، بأربع روايات دفعة واحدة، للروائي عبد العزيز آل زايد, حيث أنتج آل زايد سلسلة روائية واحدة، بالإضافة إلى رواية البردة، فخرجت الثلاثية مترافقة، أما عن البردة فقد تأخر في إصدارها قرابة الستة أعوام، لظروف متعددة منها الجائحة الصحية التي عرقلت الحياة الطبيعية.


 دوافع البردة.. ورؤية النبي 


عدة أسباب دفعت الروائي آل زايد للكتابة رواية البردة وعن الإمام البوصيري, حيث كان يتمنى رؤية النبي المصطفى (صل الله عليه وسلم) في عالم الرؤيا، وهي أمنية سعي لتحقيقها في حقبة ماضية، إذ كانت محبته للنبي محمد متربعة في قلبه، لخلقه ومكانته وصفاته، وفي هذا الفلك النبويّ المتشبع، بحث آل زايد عن شخصية نبوية محبة للنبي، ومن خلال البحث تجلت أمام آل زايد عدة خيارات، منها الإمام البوصيري الذي كان آل زايد وبحسب تعبيره “مفلسًا في معرفة سيرته وحياته، كشأن الكثيرين”، ثم اكتشف أن المكتبة العربيّة هي الأخرى مفلسة في هذا الجانب، ثم توصل أن هذه الشخصية شائكة، ولا سيما في (قصيدة البردة)، ثم أنّه جذبه إليه أكثر؛ المدعى الذي ينسب أنه رأى النبي في عالم الرؤيا، ونال بركته وبردته، وعلى هذا الأساس رأي آل زايد أنه أمام خيارين, إما أن ينصرف عنه لشخصية أخرى، أو أن يكتب في شخصيته رغم شحة المصادر، فتولدت عنده الرغبة أن يقبل التحدي، وكسب الرهان.


تحقق للروائي عبد العزيز آل زايد شرف رؤية النبي محمد، في سنوات ماضية، وكان في غاية السعادة، يقول “مسحت بكفي على صدره الشريف، وإني أرى أنّ رؤيته المباركة متأتية للسابقين واللاحقين، وبعد هذه الرؤيا كتبت (البردة)، واستفدت من هذه الرؤيا في كتاباتي، ومن أبرزها اسقاط ما حدث لي على رؤيا الإمام البوصيري، فليس كل ما كتبته في البردة محض خيال، بعضها تجربة شخصية، وبعضها حكاية تاريخية، وبعضها تخييل يتوافق مع السرد”.


 نجاح البردة 


يتوقع الروائي السعودي آل زايد النجاح الكبير للبردة، رغم أن -وكما يقول- قلبه يحدثه عن نجاح روايات أخرى كذلك، ولكن البردة يراها ستنجح، لأسباب، منها: “أن الرواية ليست من الروايات الثرثارة، قصيرة نسبيًا، مركزة في شخصية شبه مجهولة وهي شخصية الإمام البوصيري، فالكثير من المسلمين لا يعرفون سيرته إلا لمامًا، وستضيف لمن يعرفه، ثم أن بها عدة أحداث مشوقة، بالإضافة إلى النسمة التاريخية لشخصيات هامة، مثل: الشيخ العز بن عبد السلام، أبو الحسن الشاذلي، أبو العباس المرسي، صلاح الدين الأيوبي، شجرة الدر، وسواهم، بالإضافة إلى مناقشة اللغط الجدلي الدائر بين المؤيدين لقصيدة البردة والمعارضين لها، وهذا ما أشعل النزاع حولها بين الفريقين فور صدورها ومنذ يومها الأول”.


 توافقات.


من المصادفات الجميلة أن عدد صفحات رواية البردة هي نفس عدد أبيات قصيدة البردة، الأمر الذي اعتبره آل زايد من التوافقات, يقول “البعض لا يؤمن بهذه التوافقات، والبعض يرى لها اعتبارًا، رغم أن العنوان مكشوف، إلا أنني اعتبر هذا الأمر صفة إيجابية، يشرفني أن أكون صاحب البردة، وهي الرواية الوحيدة التي تحمل هذا الاسم المبارك”.

 البردة تقتفي حال يوسف الصديق. 

لم ينشر آل زايد رواية البردة فى دار نشر سعودية موضحا ذلك قائلاً, “أما عن عدم نشرها في المملكة، فقد ضلت في البئر مدة أربع سنوات، ثم رحلت إلى مصر، وكأنها تقتفي حال يوسف الصديق (عليه السلام)، لهذا أرجو أن تصل إلى الصدارة كما وصل يوسف وأصبح لمصر عزيزًا. السؤال: لماذا مصر دون غيرها؟، أنا من المعجبين بأدباء مصر، ومن المتفائلين بأرض الكنانة، وأظن أن مصر ستعطيني كما أعطت غيري، وأتفاءل بقصة يوسف الذي تألق في مصر، بالإضافة أن أجواء البردة تتحدث عن مصر، وهي من تراثها الخالد، وأظنها المكان الأنسب لانطلاقتها”.


  زهرة اللوتس. 


راوية البردة هي (زهرة اللوتس)، لكن ترى، من تكون؟، وما قصتها؟ وللإجابة على هذه التساؤلات يقول آل زايد “ليس من طبيعتي حرق الأحداث على القراء، ولكن بالإمكان القول أن (زهرة اللوتس)، اسم مستعار، ستكشفه الرواية منذ الصفحات الأولى، وهي طالبة جامعية تسعى لكتابة رواية عن الإمام البوصيري عنونتها بـ (البردة)، تتعرف على (ابن يونس)، الذي تدور بينهما علاقة رومانسية، لها صديقه اسمها (سعاد)، تقع أحداثها التخيلية في جامعة الاسكندرية بمصر”.


  شذا الحبيب. 


يعد آل زايد القارئ العربي بعمل روائي نبوي آخر، وقد كشف عن اسمه فى أحد اللقاءات الصحفية وهي رواية (شذا الحبيب)، والتى تحتوي على لمسة نبوية، والحبيب هنا هو النبي المصطفى محمد (صل الله عليه وسلم)، تناقش الرواية المنتظرة زيجات النبي، وأبرز إشكاليات المستشرقين على الدين الإسلامي ونبي الإسلام.


 

الخميس، 13 أبريل 2023

مفخرة العالم امرأة

"مفخرة العالم امرأة"..

كتاب صوتي على قارئ جرير 


يَحْمُل على عاتقه هَمّ إيصال الحروف والثقافة لذوي الإعاقة البصريّة، ويسعى جاهدًا أنْ يَمُدّ تطلعاته لتجسير  المسافة بين فاقدي البصر وبين رفوف المكتبات، من طموحاته تحويل السطور المهجورة التي تراكم عليها الغبار إلى ثقافة مسموعة تطرقُ نوافذَ الآذان بكلّ شغف وإصرار، هذا هو توجه الأديب السعودي عبدالعزيز آل زايد، حيث يعتقد في المكفوفين ما لا يراه الآخرون إذ يقول: (امنحوني وقتًا لأصْنَع لكم من العميان عباقرة)، ويقول: (أعطني أعمى أمنحك عبقريًّا يدهشك!!)، وامتدادًا لرسالته هذه يَضعُ كتابه الصوتي الرابع على قارئ جرير، لمحبي الكتب السمعيّة، وفاقدي الإبصَار، كتاب مفخرة العالم امرأة، هو الكتاب الصوتي الـ (4)، والإصدار الـ (13)، في قائمة مؤلفات آل زايد، مما جاء في كتف غلافه: "إنّ هذا الكتاب جاء من باب العرفان، لتقديس دور الأطباء بشكل عام، ودور المرأة الطبيبة بشكل خاص، وبالأخص المتميزات"، كتاب مفخرة العالم امرأة عبارة عن تتبع سيرة ومسيرة أكثر من 40 طبيبة حصدنّ جوائز التميز في المجال الطبي على مستوى العالم العربي، شواهد حيّة ومشاهد حقيقية معاصرة ركّز فيها الكاتب عدسته على كلًا من: (الأردن، والبحرين، والسعودية، والسودان).


يقول المؤلف في مقدمته: "إنّ في قلبي احترامًا يعجز الوصف عن تسجيل حروفه، لكل من يمتهن الطبابة ويبذل فيها حقّها"، جهد وتتبع مضني سكب خلاصته في 149 صفحة، الكتاب في نسخته الورقيّة من منشورات: دار إرفاء للنشر والتوزيع، وهي دار نشر سعوديّة تتخذ من مدينة جدة مقرًا لها، أما النسخة الصوتيّة للكتاب فهي من إنتاج شركة سونديلز | Soundeals للتقنية وحلول الملتيميديا، القاطنة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مدينة دبي للإعلام، الكتاب بحناجر المبدعين المَهَرة: باسل أبو لبدة، سامح دلول، تامر لبد.


‏‎العينة الترويجية

‏https://drive.google.com/drive/u/1/folders/1kmczNcrNYz6Ph7Qp-PCkQVGAu-z047Xi



نسختك الصوتية

https://jarirreader.com/publisher/449/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2-%D8%A2%D9%84-%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D8%AF


نسختك الورقيّة

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb389162-386454&search=books


نسختك الإلكترونية

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb389162-386455&search=books

الأربعاء، 5 أبريل 2023

أنا القدسُ.. بها مفتون




مفتون أنا بها .. فهل ستكتحل برؤيتها العيون؟، ويتحقق الحلم!!، مفتون أنا بها ويغلي المرجل في موقد الفؤاد شوقًا وحنينًا، يا عشاق العالم استيقظوا إني أخاطبكم، هل من مفتون بها يشاطرني الجنون؟!، أتلمس كل ما يشدني إليها، وأشم كل وردة تضوع بشذاها، صدقوني .. صدقوني.. إنّ الحبّ الجنوني يجعل العشاق مساطيل، يقبلون الحصى ويعانقون الشجر والجدران، كيف إذا كانت المحبوبة هي القدس؟. مهبط الرسالات ومهوى أفئدة الأنبياء، تشتاق لمسراها النفوس، وتعرج لقبابها الأرواح، وتتوق للثم ثراها القلوب، إنّ لدي طالب من فلسطين، أرى فيه شيئًا من شذا عبيرها وبريق نضارتها، ضايقه طالب مشاكس يروم به أذًا، فأقبل الطالب الفلسطيني ناحيتي شاكيًا مستاءً؛ فسألته: "ما قال لك غريمك؟"، فأجابني: "سألني من أي الديار أنت؟، فأجبته: من ديار فلسطين، فردّ عليّ: أنت لست فلسطيني، أنت إسرائيلي!!"


قلت للطالب المشاكس: "أسألك أي البلدين أحبّ إليك ديار الحرمين؟، أم ديار فلسطين؟"، فأجاب الغريم: "بالطبع فلسطين"، فقلت له: "هل تعلم أن أحد أحلامي الصلاة في بيت المقدس؟!"، قلتها وكبحت الجماح، بالطبع انتهى النزاع بينهما، إلا أنّ نزاعًا من نوع آخر يصطلي في فؤادي؛ يجاذبني لزيارة قبابها ورباها، فهل من مفتون بها يشاطرني الجنون؟!، هنيئًا لكم يا من تشرفتم بالصلاة في محاريبها، هَلّا دعوتم لنا، لعل العين تكتحل؟، هنيئًا لكم، لو كنت فنانًا لرسمت فلسطين لوحة، لو كنت مبدعًا لجعلت القدس تحفة؛ تحج إليها القوافل وتشتاق إليها النفوس، يا معاشر العشاق إنّي بها مفتون، ألا من داعٍ يدعو لي بظهر الغيب؟!، ألا من محبّ يرفع أكف الإبتهال؟، لعل دعوة صالحة تصدع فتصيب، ويتحقق بذلك المرام، حينها بحق سيرتوي القلب، وأنّى لهذا القلب أن يبلغ الرَّيَّ والرُّواء.


الأربعاء، 22 مارس 2023

رمضان كريم

 

أهلًا بنور هلالك يا رمضان

يا من أقبلت علينا باليمن والغفران 


(( كل عام وأنتم بخير ))


نبارك لكم بأحر 

التهاني والتبريكات


اللهم اجعل هذا الشهر 

فاتحة خير ونسائم بركة


الثلاثاء، 7 مارس 2023

نفحة الملكوت

 


الأديب آل زايد يصدر "نفحة الملكوت"

رحلة عرفانية في دعاء أبي حمزة الثمالي



تستمر انتاجات الكاتب والأديب السعودي عبدالعزيز آل زايد، في أروقة متنوعة، وفي إصداره الـ (14)، ينفخ آل زايد حروفه مدشنًا "نفحة الملكوت"، رحلة روحيّة تأمليّة في دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، المعروف باسم "دعاء أبي حمزة الثمالي"، يتكوّن الكتاب من 7 فصول، يحتوي كل فصل على 10 مقاطع، مكوّنًا بذلك ما مجموعه 70 مقطعًا، حيث يرتحل المؤلف مطيّة التأمل من مطلع الدعاء حتى خاتمته، في 170 صفحة، منادمات روحيّة خاصّة عاشها المؤلف مع أدعية الصحيفة السجادية، لاسيما هذا الدعاء الجليل، الذي يهذب النفس ويصقل الروح ويغذي الوجدان.  


ورد في مقدمة الكتاب: "لم نحظ بزمان صاحب الصحيفة السجاديّة، لكننا حتمًا سنتأثر بنفحاته الملكوتية، فلمن أراد هذا التأثر، فليقترب ويَعُبّ"، وقد جاء في الغلاف الخلفي للكتاب ما نصه: "في دعاء أبي حمزة الثمالي وقعًا خاصًا على الروح قبل الجسد، وعلى القلب قبل العقل، ولهذا عزمت منذ فترة أن أخوض رحلة ماتعة تأمليّة في أرجاء هذا الدعاء الفريد، راقت لي الفكرة حتى أتشبع من نفحات هذا الدعاء، ومن هنا أسميته (نفحة الملكوت)، لكونه بحق يجافينا عن أديمية التراب، إلى النفحات السماوية الروحيّة، وحتى تذوب منا شحوم ملذات هذا الجسد الفاني، قسمت الدعاء لعدة مقاطع من أجل التمعن، لم يكن لي هدف في وقتها أنّ أفكر في طباعة الكتاب، لكني وجدت أنّ فيه بعض اللفتات التي لا يصح لي كتمانها، فلست من أولئك الذين يكتمون ما لديهم".


متوفر | مكتبة نيل وفرات 

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb391533-389015&search=books

الخميس، 2 مارس 2023

داء السلطعون

 


الحديث عن حالة اجتماعية، لا علاقة لها بالجانب الطبي، فما هو داء السلطعون الذي نعنيه؟، في البداية علينا أن نتعلم من أخطاء الغير ولو كانوا سرطانات بحرية؟، ألا نتعلم من الجاهل ضرورة العلم؟، ومن الأحمق ضرورة التعقل؟، فماذا يفعل السلطعون لنحذر من تصرفاته الأنانية؟، من خلال المطالعات أدركت أن للسلطعون أو السرطانات البحرية حالة عجيبة تتفرد بها، وهي 

حينما تفي صندوق، فإنها ستجذب للأسفل كل سلطعون يريد الخروج، وهكذا هم بعض البشر، يطؤون بأقدامهم كل زهرة ترنو للتفتح، فكم من مُفَوه ألقم حجرًا قبل أن يتكلم؟، وكم من مجداف كسر قبل أن يمارس تحديفه؟، أزعم أن للسلطعونات فيروسات تنتقل لبني البشر دون واسطة، فلماذا نسحق الأزاهير في بواكير مهدها؟ 


الحمد لله أنّ في مجتمعاتنا وبيوتنا الكثير من المبدعين على صعيد الجنسين، لكن السؤال: كيف نتعامل مع هذه المواهب الفتية؟، هل نرعاها وندعمها؟، أم ندعها في حال سبيلها؟، للأسف لهذا ولا ذاك، فالحقيقة المرّة التي نراها أنّ هناك دورٌ سلطعوني سلبي يُمارس تجاه المحيطين بنا؛ فلنتأمل ردود أفعالنا مع الأزاهير المتفتحة؟، أشاهد عدة نماذج مشرقة، ثم أرى أفولًا وانكفاءً لعطاءاتها، فأسأل ربّ الأسرة أو المسؤول عن سبب هذا الإنسحاب، فلا يفوه إلا بكلمة واحدة هي: "لا أدري"، بينما يرد صاحب العطاء والموهبة: "إنّ أبي هو السبب!!"، أو يشير بالملامة إلى الرئيس أو المتزعم للرعاية، نقول: "رُبّ كلمة خاطئة غيرت دفة الإبداع للهاوية"، فهلا تفكرنا قليلًا قبل الحديث؟!، ورد في الأثر: "لسان العاقل وراء قلبه، ولسان الجاهل مفتاح حتفه"، فلماذا نفتح أبواب الظلام ونطفأ مصابيح الإبداع بأفواهنا؟!، اللعنة السلطعونية متعلقة بنا، وأصبحت غدة سرطانية تتعملق لتدفع من حالق كل متألق، تمامًا كما تصنع السرطانات الحاسدة والحقودة، فلماذا لا نصحح المسار وندفع نحو المجد بأبنائنا وكل من هم حولنا؟ 


أتمنى أن أكون مخطئًا في التوصيف والتشخيص، ولكن تأملوا بأنفسكم لتشاهدوا الحالة السلطعونية تتقافز في مجتمعاتنا، في بعض الأحيان يكون الفاعل مازحًا أو ذو نية طيبة لا يقصد بمزحه الهدم، وهذا لا يعني أنّ المبتسم الساخر أو الضرير الطائش خارج دائرة الاتهام، ما دام في يده مشرط يتوغل في الأكباد. 


الجمعة، 24 فبراير 2023

الفرج سيأتي وإن طال

 



الفرج سيأتي وإن طال 

الحياة متعبة تحتاج إلى قلم يرسم للآخرين البسمات، الحياة مليئة بما يكدر، فلنكن ممحاة تمسح أتعاب الآخرين . لا تنتظر مقابلًا عما تفعل، ولتجرّب الحكمة التي تقول: "كما تدين تدان"، فإذا رميت الخير بحرًا، فثق أنّ الله سيرده لك أضعافًا، سواءً في سمكة تحمل في جوفها جوهرة عند أول رمية شباك؛ كما في حكاية جوهرة الصياد الشهيرة، أو بطرق مجهولة لا تتوقعها، الخلاصة أن الخير سيأتيك ويطرق عليك بابك أو قد يقتحم عليك الدار دون استئذان.

لو كانت الحياة قائمة على معادلة: "أعطني؛ لأدفع لك"، لخلت الأرض من أوجه الخير ووجوه أهل الإحسان، إلا أنّ الأرض لن تعدم بركتها، كما أنه لن تعدم وجوه أهل الخير والأيادي البيض المعطاءة، صحيح أنّ التراب غيب الكثير من الجواهر البشرية، إلا أنّ الله نثر رحماته في فضاءات هذا الكون الفسيح ولا يزال البشر يتنفسون الرحمات والفيوضات حتى في أحلك الظروف، فحين يستيئس الصبر منك بحلول الفرج، تبسم ملأ اليقين وقل: "ها قد سدت الأبواب في وجهي يا إلهي، فمن أيّ باب سيأتني منك الفرج الذي وعتني به؟"..

قد يقول قائل ران على قلبه ما ران؛ إنها مجرد إيمانيات تفرقع في الهواء جزافًا دون طائل، ربما يرى البعض ذلك ربما، لكن المهم أنّ الأزمات قد حلّت بالفعل من قبل باب الغيب، فبماذا نفسر ذلك؟، إن في هذا الكون لطف، أرأيت كيف تحولت البذرة الصغيرة إلى زهرة متفتحة فواحة؟، أما رأيت كيف تسللت الجذور في أطناب التربة القاسية وارتفعت إلى السماء تفاريع الشجر؟!، أما رأيت الأرض القاحلة الجرداء اليباب كيف اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج حين أغاثها الله بالمطر؟، أليس في هذه النبتة الضعيفة آية، تقول لنا بلسان طلق ذلق: "بلى، إنّ الله على كل شيء قدير"؟!.

وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ

وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كُرْبَة القَلْبِ الشَجيِّ

وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحًا 
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ

إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَومًا
فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ

وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ
فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ؟ 


الحياة متعبة تحتاج إلى قلم يرسم للآخرين البسمات، الحياة مليئة بما يكدر، فلنكن ممحاة تمسح أتعاب الآخرين . لا تنتظر مقابلًا عما تفعل، ولتجرّب الحكمة التي تقول: "كما تدين تدان"، فإذا رميت الخير بحرًا، فثق أنّ الله سيرده لك أضعافًا، سواءً في سمكة تحمل في جوفها جوهرة عند أول رمية شباك؛ كما في حكاية جوهرة الصياد الشهيرة، أو بطرق مجهولة لا تتوقعها، الخلاصة أن الخير سيأتيك ويطرق عليك بابك أو قد يقتحم عليك الدار دون استئذان.

لو كانت الحياة قائمة على معادلة: "أعطني؛ لأدفع لك"، لخلت الأرض من أوجه الخير ووجوه أهل الإحسان، إلا أنّ الأرض لن تعدم بركتها، كما أنه لن تعدم وجوه أهل الخير والأيادي البيض المعطاءة، صحيح أنّ التراب غيب الكثير من الجواهر البشرية، إلا أنّ الله نثر رحماته في فضاءات هذا الكون الفسيح ولا يزال البشر يتنفسون الرحمات والفيوضات حتى في أحلك الظروف، فحين يستيئس الصبر منك بحلول الفرج، تبسم ملأ اليقين وقل: "ها قد سدت الأبواب في وجهي يا إلهي، فمن أيّ باب سيأتني منك الفرج الذي وعتني به؟"..

قد يقول قائل ران على قلبه ما ران؛ إنها مجرد إيمانيات تفرقع في الهواء جزافًا دون طائل، ربما يرى البعض ذلك ربما، لكن المهم أنّ الأزمات قد حلّت بالفعل من قبل باب الغيب، فبماذا نفسر ذلك؟، إن في هذا الكون لطف، أرأيت كيف تحولت البذرة الصغيرة إلى زهرة متفتحة فواحة؟، أما رأيت كيف تسللت الجذور في أطناب التربة القاسية وارتفعت إلى السماء تفاريع الشجر؟!، أما رأيت الأرض القاحلة الجرداء اليباب كيف اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج حين أغاثها الله بالمطر؟، أليس في هذه النبتة الضعيفة آية، تقول لنا بلسان طلق ذلق: "بلى، إنّ الله على كل شيء قدير"؟!.

وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ

وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كُرْبَة القَلْبِ الشَجيِّ

وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحًا 
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ

إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَومًا
فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ

وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ
فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ؟ 

الأربعاء، 18 يناير 2023

مفخرة العالم امرأة

 


آل زايد يغزو المكتبة العربية

بإصداره "مفخرة العالم امرأة"





الكتاب "الثالث عشر"، في قائمة إنتاجات الكاتب والأديب السعودي: عبدالعزيز آل زايد، يطل من غلالتهللنّور باسم:


(( مفخرة العالم امرأة ))


مشاعر طيبة يحملها المؤلف لمن يُسارع في علاج آلام الآخرين؛ ويضمد جراحهم، كتاب خصص صفحاتهلسرد كوكبة متميزة من الطبيبات المعاصرات. 


 تقديرًا للمرأة المحارَبة على مَرّ الأزمان، يرفع الكاتب بيرق نصرة ومفاخرة لتلك المرأة المخلصة العالمةالعاملة بنشاط دؤوب لا يكل ولا يمل؛ ليتوّجها بتاج الفخر والفخار .. فيبحر بزوارقه مجدفًا عدة فصول،يطل بإهدائه المتناغم: 


إلى مداوي كل جراح

إلى طبيب الأبدان والأرواح


يرصف كلماته مشاعرًا، وأحاسيسه حروفًا وعبارات: "إنّ في قلبي احترامًا يعجز الوصف عن تسجيلحروفه، لكل من يمتهن الطبابة ويبذل فيها حقّها"، يتتبع سيرة ومسيرة أكثر من 40 طبيبة حصدت جوائزالتميز في المجال الطبي على مستوى العالم العربي، شواهد حيّة ومشاهد حقيقية معاصرة ركّز فيهاالكاتب عدسته على كلًا من: (الأردن، والبحرين، والسعودية، والسودان)، جهد وتتبع مضني سكبخلاصته في 148 صفحة، طبعة فاخرة مدعومة بالصور، من منشورات دار إرفاء للنشر والتوزيع، وهيدار نشر وتوزيع سعودية تحمل على عاتقها أحلام المؤلفين، وترفع شعار الكتاب نافذتك إلى العالم. 


متوفر | متجر إرفاء 

https://salla.sa/erfaa.sa/search?q=%D9%85%D9%81%D8%AE%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85+%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9


متوفر | مكتبة نيل وفرات 

https://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=%d9%85%d9%81%d8%ae%d8%b1%d8%a9%20%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%20%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9&Mode=0

الاثنين، 9 يناير 2023

بين الغنى والثروة والقناعة

 




قال أحدهم أنّ والدته تتمنى أن تذهب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، هذه كانت أمنية الأحلام وتمنيات الأعوام، وبالفعل حقق لها ابنها النجيب ما تمنته، حينما التحق بركب الأثرياء، الثراء جعله يسعد من حوله، ولكن ماذا فعل به الثراء؟، هل حقق له كل أحلام الماضي؟، ربما فعل الثراء له أشياء كثيرة، ولكن لماذا يتغير الثري ويبدل جلده وتضمحل هويته؟، قلة هم الأثرياء الذين لا يزيغون عن طريق الجادة، قلة بالفعل هم أولئك الأثرياء الذين يملكون ناصية المال دون أن يمتلك المال نواصيهم، ليس كل ثري غني حقًا، الغني هو من يملك الشيء لا أن يملكه الشيء، يا سبحان الله هو ذات تعريف "الزهد"، والخلاصة أنّ الزهاد هم الأغنياء، وليس كل غني غني حتمًا، فإذا لم نظفر بالغنى والثروة، فلنبتسم ولنفكر في القناعة والزهد فهو طريق الغني، وهو ذات المعنى الذي سبقنا إليه الإمام الشافعي إذ يقول في رائعته الهمزيّة: 


إذا ما كُنْـتَ  ذا قَلبٍ قَنُــــوعٍ

فَأَنْتَ و مـالِــكُ  الـدنيـا سَـوَاءُ


البعض يطمح للثراء المادي، ويظن كل الظن أنّ المال وحده هو مظهر الكمال، وهذا غير صحيح، فمثلًا: أحد أثرياء مكة ومن أبرزهم مكانة وثروة ووجاهة ونسبًا ووسامة وإشراق وجه هو "أبو عتبة" عبدالعزى بن عبدالمطلب، عم النبي المشهور بكنية (أبي لهب)، فهل نفعته ثروته؟، القرآن يقول: (مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)، إنها خلاصة حاله وكل أحواله، فليس الثراء كل شيء، نلاحظ على خلاف أبي لهب، حاتم الطائي الذي نال حظوة ليس لثرائه، بل لصفاتٍ أخلاقية خلدته بالنعوت الطيبة، حتى جرى اسمه مضرب المثل في الكرم والسخاء، ولقد أجاد الإمام الشافعي في هذا المعنى إذ يقول: 


وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا

وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ


تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ

يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ


أليس كل فرد يعيبه ما يعيبه؟!، ولكن إذا وجدتَ ذو الثراء يفرق دراهمه بسخاء على من حوله، فإنّ الأفواه تلجم عن ذكر مثالبه، فليس كل من ملك المال؛ ملكه حقًا وصدقًا، ليس كل ملك ملك القدرة على انفاقه في وجوهه، فإذا كنا أغنياء بالفعل فلنكن من الكرماء الكرام، المتسترين بالسخاء المتوشحين به، وإن كنا غير ذلك، فلنتستر بالقناعة، فإنها المرتبة الموازية للغنى بل قد تفوق!