قال أحدهم أنّ والدته تتمنى أن تذهب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، هذه كانت أمنية الأحلام وتمنيات الأعوام، وبالفعل حقق لها ابنها النجيب ما تمنته، حينما التحق بركب الأثرياء، الثراء جعله يسعد من حوله، ولكن ماذا فعل به الثراء؟، هل حقق له كل أحلام الماضي؟، ربما فعل الثراء له أشياء كثيرة، ولكن لماذا يتغير الثري ويبدل جلده وتضمحل هويته؟، قلة هم الأثرياء الذين لا يزيغون عن طريق الجادة، قلة بالفعل هم أولئك الأثرياء الذين يملكون ناصية المال دون أن يمتلك المال نواصيهم، ليس كل ثري غني حقًا، الغني هو من يملك الشيء لا أن يملكه الشيء، يا سبحان الله هو ذات تعريف "الزهد"، والخلاصة أنّ الزهاد هم الأغنياء، وليس كل غني غني حتمًا، فإذا لم نظفر بالغنى والثروة، فلنبتسم ولنفكر في القناعة والزهد فهو طريق الغني، وهو ذات المعنى الذي سبقنا إليه الإمام الشافعي إذ يقول في رائعته الهمزيّة:
إذا ما كُنْـتَ ذا قَلبٍ قَنُــــوعٍ
فَأَنْتَ و مـالِــكُ الـدنيـا سَـوَاءُ
البعض يطمح للثراء المادي، ويظن كل الظن أنّ المال وحده هو مظهر الكمال، وهذا غير صحيح، فمثلًا: أحد أثرياء مكة ومن أبرزهم مكانة وثروة ووجاهة ونسبًا ووسامة وإشراق وجه هو "أبو عتبة" عبدالعزى بن عبدالمطلب، عم النبي المشهور بكنية (أبي لهب)، فهل نفعته ثروته؟، القرآن يقول: (مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)، إنها خلاصة حاله وكل أحواله، فليس الثراء كل شيء، نلاحظ على خلاف أبي لهب، حاتم الطائي الذي نال حظوة ليس لثرائه، بل لصفاتٍ أخلاقية خلدته بالنعوت الطيبة، حتى جرى اسمه مضرب المثل في الكرم والسخاء، ولقد أجاد الإمام الشافعي في هذا المعنى إذ يقول:
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
أليس كل فرد يعيبه ما يعيبه؟!، ولكن إذا وجدتَ ذو الثراء يفرق دراهمه بسخاء على من حوله، فإنّ الأفواه تلجم عن ذكر مثالبه، فليس كل من ملك المال؛ ملكه حقًا وصدقًا، ليس كل ملك ملك القدرة على انفاقه في وجوهه، فإذا كنا أغنياء بالفعل فلنكن من الكرماء الكرام، المتسترين بالسخاء المتوشحين به، وإن كنا غير ذلك، فلنتستر بالقناعة، فإنها المرتبة الموازية للغنى بل قد تفوق!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق