السبت، 26 مارس 2022

هل سيقتل الموت؟

 



طرح عليّ أحد الأصدقاء سؤالًا ديكارتيًّا، بقوله: هل يستطيع العلم أن "يقتل" الموت؟، الغاية من هذا السؤال إدراك أنّ للعلم حدود، وهو مصداق قوله تبارك وتعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا)، فالحياة لغز والموت والفناء من الألغاز التي لم تدرك بعد، وإن إدعى العلم بها من إدعى!

نعود للسؤال الجوهري: هل يستطيع العلم قتل الموت؟، إذا تجاوزنا المغالطات فإننا سنقر أن العلم عاجز حتى اللحظة عن الإجابة عن الكثير من التساؤلات الهامة، رغم هذا الإخفاق إلا أن العلم بدأ في الإجابة على تساؤلات أخرى، وهذا يكشف لنا أن العلم يسير في مضمار حلزون بطيء أمام لغز الكون والموت والحياة. 

في بعض الروايات الدينية نصوص تشير إلى أن الموت يأتى به على هيئة كبش يذبح لاعلان الخلود، البعض أنكر صحتها، وعلى فرض صوابها، هل بمقدور العلم أن يصرع الموت؟، من الصعب الجزم بالإجابة على التساؤلات المستقبلية نفيًا أو اثباتًا، فهناك مستحيلات في نظر العصور الماضية تحققت اليوم، وهذا الحديث يقودنا لكتاب ميشيو كاكو (فيزياء المستحيل)، الذي يدعو في حديثه لتفكيك المستحيلات، ويرى كاكو أنّ المستحيلات قابلة للتحقق إذا أمست ممكنة، ولكن بعد آلاف أو ملاييين الأعوام. فهل يستطيع العلم قتل الموت؟، حاليًا الموت هو الفريق الأقوى، ولكن هل نجزم أن السعي وراء قتل العلم للموت لا يكون؟ 

لدينا عدة تجارب تشير أنّ العلم أوقف شلالات الموت بنسب مرتفعة مقارنة بالأجيال الماضية، من أبرزها مكافحة الأمراض والأوبئة، صحيح أن المرض ليس هو الموت، ولكنه نافذة تطل وسبب يؤدي إليه، العلم يتقدم ولكن لايزال بطيء الحركة، فهل سيقتل العلم الموت يومًا؟ 

العلم ليس فردًا وكذلك الموت ليس فردًا؟، كلاهما جيشان يتصارعان، كما يتصارع الليل والنهار، الموت والحياة، ومن الثابت أنّ العلم قد تمكن من هزيمة الكثير من جنود الموت.. بمعنى أنه ربح العديد من المعارك، ولكنه لم يربح الحرب حتى اللحظة، الموت لم يهزم بعد .. والحرب لم تنتهِ، والرجم بالغيب توقعات تحتاج لدليل، ولهذا نطرح السؤال، والمستقبل القريب أو البعيد من سيجيب على تساؤلاتنا الملحة . 

السبت، 19 مارس 2022

مشكلة فلسطين.. أين الحل؟



هنيًا لأهل فلسطين الأكل من ثمارها والرّي من مياهها، بلدة طيبة وهواء عليل، هل يُلَام من يسمي فلسطين جنّة الأرض؟، هل يُلَام من عشق رباها وحَنّ إلى لثم ثراها؟، هل يُلَام…؟، هل يُلَام…؟، إنها أرض الأرواح قبل أن تكون للأجساد وطنًا، إنها ميناء السلام قبل أن تكون للغرماء مطمعًا وحربًا، فلماذا الشجار معاشر البشر؟، كل من على هذه الأرض راحل، كل مسيحٍ ويهود ومسلم راحل وإلى التراب صائر، فلما الشجار؟

لو كان محمد الرسول بيننا لحل النزاع، أولم يحل السلام في طيبة الطيبة؟، فهواء يثرب من هواء القدس، فلماذا لا نرفع راية السلم بين المتنازعين كما فعلها محمد النبي الخاتم؟، العيب فينا لا في الزمان، المشكلة في النفوس لا في الأوطان، الحل يكمن في الداخل لا في الخارج، لقد مرّة ردح طويل والنزاع قائم على سوقه، فمن هو ذلك العظيم الذي سيحل الأزمة؟، لقد سار عمر من المدينة إلى بيت المقدس بعد مشورة علي، وحَلّ بين الجميع السلام، أترى عجزنا أن نحذو حذو السلف؟، والعقول تدعي الكمال!!

المشكلة في داء الكِبْر والشموخ بالأنف، حين قدم عمر مع خادمه لفلسطين كانت النوبة أن يركب الخادم ويترجل عمر، فلما أبصروا أهل الكنيسة قالوا: من هو الخليفة؟، فتعجبوا حين قال المسلمون: إن الراجل هو عمر! . للأسف لا نمتلك صفة التواضع ومبادرة الخصوم بأخلاق محمد، لو تمكن أحد الأطراف من رقاب الغير، أي الطرفين سيصدع: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"؟!

المتتبع للمسيرة الفلسطينية وسيرة بيت المقدس سيلاحظ أن الجناية كل الجناية وقعت على هذه الأرض دمارًا وقتلًا وسفكًا للدماء وهتكًا للأعراض. فمتى سيظهر ذلك العبد الصالح الذي على يديه سيعم الحبّ والسلام؟، متى سيحل بهذه الأرض الخير والرخاء؟، ليس من الصحيح أن يكون دورنا انتظارًا مكتوف اليد مشلول العطاء، بل المرجو أن نسير وفق المحجة والهدي، وإلا لن نرى الأحلام في زماننا، ففاقد الشيء لا يعطي، وصاحب الشوك لا يجني العنب. 

عبدالعزيز آل زايد 

الاثنين، 7 مارس 2022

لنكرم الأحياء أولًا

 



أبعث هذه السطور القلائل إلى الصديق الغالي والأخ الكبير أستاذ ناجي نعمان، الذي أراه جوهرة ثمينة قَلّ نظيرها في هذا الزمان، حمل على عاتقه نشر الثقافة بالمجان، وبذل ما في طاقته لتحريك عجلة الأدب، ليس على نطاق لبنان الشقيقة فحسب، بل على نطاق العالم بأسره، اقترح تكريم هذا الرجل المعطاء في حياته، وأقول في حياته ليستشعر ذو العطاء قيمة عطائه، فماذا يستفيد الراحل إذا كُرّم بعد رحيله؟، لماذا نعشق تكريم الأموات؟، لنكرم الأحياء أولًا، كم سررت حين عرفت أنّ الأستاذ ناجي على قيد الحياة، فالهالة التي جذبتني إليه لا تظهر في مجتمعاتنا إلا للراحلين.


عليه أقول: هنيئًا لك أستاذ ناجي هذا العطاء، فأنت أكبر من كل جائزة، أنت من تشرف التكريم، والقلائد تزدان بك لا تزدان بها، للأسف الشديد إنّ أمثال هذا الرجل لا يكرمون إلا بعد رحيلهم، إلى متى نعشق تكريم العظام بدلًا من تكريم العظماء؟، إلى متى لا نضع النياشين فوق الصدور الحيّة التي تتنفس، ونسرع في إلقاء أكاليل الغار فوق التوابيت؟، كم من أديب ومعطاء يستحق التكريم ولم يكرم بعد؟، بلى أعلم أننا ننتظر موته، لنتسابق بعدها بتكريمه وعقد الجوائز من أجله، حالة سائدة لدينا في عشق الرميم، حالة سيئة أن لا نكرم الأحياء من أمتنا إلا إذا فارقوا، فلماذا لا نفيق من هذه العادة السيئة المستهجنة بتكريم عمالقة كبار هم معنا الآن؟، ولو وضعنا قائمة نقترح فيها من يستحق التكريم لطالت ولبرز لنا بها نجوم لوامع غفلنا عنهم، وحينها سنسعد أنّ ظلهم مازال معنا، فلماذا لا نستفيد من بقاء المتميزين قبل رحيلهم؟ 


قد وعدت أن أكتب في أستاذ ناجي بعض السطور، لكني أحببت أن تمزج السطور بدعوة لتكريم الأحياء أولًا، وهذا ما يمارسه بالفعل أستاذ ناجي من خلال نشاطاته وجائزته السنوية، التي تستحق الدعم والتخليد، لهذا أقول بالأصالة والنيابة: شكرًا لك أستاذ ناجي، فلقد سقيت الزهر، وحق لك أن تشم العبير. 


عبدالعزيز آل زايد 


السبت، 5 مارس 2022

سلحفاة خارج الصدفة



هل فكرت السلحفاة يومًا أن تخرج من صدفتها؟، ماذا ستكسب وماذا ستخسر؟، النظرة التقليدية تحركنا في ذات المضمار؟، فلماذا لا نفكر أن نخرج خارج الشرنقة والقفص؟، لنرى الحياة على أصول. لن نكتشف الكنوز المخبوءة ونحن نسير في ذات الطريق، أغلبنا تتشابه أيامه وكأن الأيام ساعات مكررة، واستنساخ مقيت، فأين الجديد؟، السؤال: هل سنستفيد من كسر الروتين وممارسة ما لم نكن نمارسه من قبل؟


لنعود للسلحفاة، بلاشك أن السلحفاة تعرف قيمة صدفتها وأن هذا البيت الثقيل يحميها من الإعتداء، فبمجرد أن نهوي بالعصا على ظهرها، فإنها تختبأ للداخل، وكأنها تضحك منا قائلة: "إفعلوا ما تشاؤون فإن عصيكم ستتكسر أمام صدفتي الفلاذية!"، فهل فكرتِ يومًا التخلص من صدفتكِ سلحفاتنا العزيزة؟، نحن مثل هذه السلحفاة لا نفكر في الخروج من قواقعنا، فكيف سنعرف المكاسب الجديدة دون تجريب؟


في عالم الرسوم المتحركة تجردت السلحفاة من صدفتها، ورأينا أنها أصبحت أكثر سرعة، أليس لصدفتها وزن يعيق من سرعتها؟، كل واحد فينا يحمل فوق ظهره صدفة غير مرئية، هي الأفكار والتصورات التي يعتقدها، وللأسف هناك الكثير من التصورات خاطئة ومعيقة لتقدمنا، كم منا قال لنفسه: أنا لا أستطيع؟، أنا لا أقدر؟، هذا ليس اختصاصي، وأنا أقل الجميع؟، هذه الأوهام القاتلة والمعيقة صدفة تضر ولا تنفع، تثقلنا دون حماية.


لو تمسك توماس إديسون بصدفته لما انتج الكهرباء، لكنه تخلص منها وبلغ المرام، هل فكرت السلحفاة يومًا أن تخرج من صدفتها؟، هذا السؤال قطعًا غير موجه للسلحفاة فهي لا تقرأ ولا تعرف لغة البشر، إن هذا الحديث لنا، وليس للسلحفاة، فهل فكرنا الخروج من تلك السلبيات المعيقة التي نضعها فوق ظهورنا، لماذا لا نجرب الخروج من هذه الصدفة المعيقة؟، التجربة خير برهان، ولو جرب الواحد فينا مقدرته؛ لأدرك أن ما يحمله فوق ظهر مجرد أوهام لا صحة لها، كلنا نستطيع بلوغ الثراء وتحقيق الأمنيات، ولكن المعيق الأكبر هي هذه الصدفة الوهمية المعيقة، لقد جربت السلحفاة الخروج عن صدفتها في مسلسلات الكرتون وحققت أحلامها، فمتى سنخرج من أصدافنا لنحقق الأهداف والتطلعات؟ 

الثلاثاء، 1 مارس 2022

هل كل الجمال في المرأة




سؤال خامرني وأنا أشاهد جملة من المخلوقات البديعة التي تسر الناظر وتسرح هموم المكلوم الحائر، في زيارة لحديقة الحيوان شاهدنا زهو الطاووس في انتفاشة بديعة، وشموخ الغزال بتشعبات قرون فارعة، وكذا البط والأوز والحمائم، قلت في نفسي بعد أن خامرتني جذبة صوفيّة اقشعر لها بدني: "يا سبحان الله!!"، ثم ما لبثت أن رددت بما أجاده لبيد بن ربيعة: 


فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ

أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ؟


وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ


وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ

وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِدُ


ثم تساءلت في نفسي لأولئك المشدوهين من سحر المرأة حتى أخذت منهم حالة السكر كل مأخذ: "هل استأثرت النساء بالحسن؟، أم أنّ الجمال يزيد وينقص؟!"، لعل البجعة البيضاء السابحة تحت أشعة الشمس

أشد رقة من العذراء العفيفة، فلماذا نحجر الجمال في أظافر حسناء؟، والله له (في كل شيء آية)، حتى إذا رمقنا الغراب في فحامة ألوانه نرى أن وراء سواده جمالًا يُشَبه به سواد شعر الغيداء الطروب، أما إذا وقفنا أمام الخيل المعقود في نواصيها الخير، فإننا سنستدعي صورة سليمان الأسطورية إذ طف مسحًا بالسوق والأعناق قتلًا أو إعجابًا وحبًّا على إختلاف ما ورد في الأثر. 


يا ترى هل يستحق منا الخالق اقتراف المعصية لمجرد حسن باهر في إمرأة وضحاء؟، أم أنّ هذا الحسن يقود للمحسن؟!،. صدقتْ حكمة المتنبي إذ يقول: 


ووضعُ الندى في موضعِ السيفِ بالعلا مُضِرٌّ كوضعِ السيف في موضع الندى


الأصل في عبادة التأمل واردة، في قوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا)، فلنتأمل بعيون الشافعي الذي يرى الحقيقة في ورقة التوت تخرج حريرًا إذا أكلها القز، وعسلًا إذا أكلها النحل، ومسكًا إذا أكلها الظبي، فسبحان من وحد الأصل وعدد المخرج.


هناك موجة فيض ملأت الكون، لكننا لانزال منبهرين بأفانين الحديقة، وقد شغلتنا عن الولوج لستطعام موائد الضيف الكريم، شربة الخمر تسكر، والمرأة إذا أبدعت في الافتتان تخامر العقول عن الهداية، ولهذا يلج السؤال: هل عظمة الخالق التي أبصرها (لبيد) أقوى أثرًا؟، أم الآثار أقوى إبهارًا من المؤثر؟


حدود إدراكنا ما تحت سقف السماء، بل تزحف مثل الزواحف على أديم الأرض، ونغفل عن عالم الأنوار والملكوت الذي أبصره خليل الرحمن إبراهيم، فمتى يكون بصرنا حديدًا لنبصر هالة الجمال؟، الجمال في المرأة يذبل ويشيخ لكن الخالق جماله بلاحد، وهذا ما كشفه يوسف لزليخة حين أدركها الهرم، فعادت بعد الشيخوخة إلى ريعان الشباب، بلاشك إنّ الإعجاز لمن يكن في كف يوسف بالمحض، إنما بقوة الخالق وإرادته، فهل سندرك الجمال الذي وضعه في راحة يوسف المباركة؟، هل نستطيع إبصار الجمال لو أطلت علينا من السماء حورية الجنّة؟ 


هذه الكلمة دعوة لإكتشاف الجمال في سائر هذا الكون الفسيح، لعلنا نستيقظ على إدراك خالق الجمال، فنتعلق به عوضًا عن تعلقنا بمن لم يملك إلا النزر القليل، وإن كان هذا القليل من الجمال قاتل ومبهر ويشفي الصدور.