لم تكن
تعيش في جسدها فقط، فروحها تلامس القلوب وتعيش فيها، فردوسها الابتسامة وحكايتها التفاؤل،
الأمل لا ينقطع عن مسرح حياتها، تعبث بمحبرة الألوان فيتنفس الإبداع من جديد، تصول
في معارض العالم صباحاً وتؤوب لقريتها في المساء، رحالة على متن فرشاة، ميدانها الفضاء
الرحب، تكره القيد وتغرس الخنجر في كبد الضغينة، فؤادها ينبض بالحب، والحنان يسبر أديم
الحياة، من غلالة خصلات شعرها يفوح المسك ويتناثر الربيع..
صفاء
المشاعر الذي ينبع من منجم الإحساس فيها؛ يتخطى على الوجوه كعبق ياسمين، في يديها بعض
خربشات ولدت من رحم الروح، فكانت بوابة تتأرجح معها إرادة قصة لا ترغب بالأفول، والأصيل
الذي يحاول أن ينتهك خزانة التميز؛ تمانعه رغبة لحوحة في إكمال المسير، فهل لأحد أن
يقتلع جذور الجبال؟!
تسافر
فوق الغيوم، فهي حالمة تحمل الفرشاة الضحوك، فالابتسامة قبلات تنثرها مع كل ورقة خريف
للتو قد سقطت؛ فتحيلها إلى زوارق نجاة يركبها الغرقى والمذعورين من قسوة الزمان.
لوحات
كبيرة بحجم الجدار، ترجوها أن تسكب عليها بعض ألوانها التي تقلب الجدار إلى بستان يتفجر
منه الأنهار، وتتمايل فيه أطيار، وتتماوج حوله أزاهير فتية، يتراقص حول بتلاتها نحل
مثابر، وتختلس الضفادع الخضراء المرقطة بعض النظر لالتهام حشرة صغيرة لتو تمرق من أمامها،
تضحك الأرانب والسناجب في ذلك الجدار الذي ولد للتو فبدأ يضحك بعد صمت مريع.
هذه
جزء حكاية ترسمها ريشة محلقة والبقية مكتومة في علبة السحر التي لا يعرف شفراتها إلا
فرشاة رقيقة كتومة جداً، ولا تفصح عن أسرار جارتها حتى يبزغ النهار، ومع أول خيوط الشمس
في بكورة صبح بارد.
تتسابق
في ذلك البستان الكبير الممتد بعض عصافير مغردة لتلتهم حبوب القمح المتناثر جراء هبات
نسيم ليلي متناغم، تتعكر صفحة الجدول على وقع أقدام مخلب نسر ينقض لالتهام سمكة كبيرة
تفلح بالفرار من قبضته بصعوبة.
لا تنام
الشمس كثيراً، فهي في رحلة بعيدة نحو الغرب تسير، وصاحبة الفرشاة تنام من فرط الإرهاق
والإعياء، إلا أن خيوط الشمس البريئة تغازل هذه الحسناء الغجرية الممتدة فوق السرير
الزهري، ليفر التثائب؛ وتعاود رحلة الحرية على صهوة هذه الفرشاة التي لا تعرف الكسل،
حتى أن استراحتها القصيرة، هي جولة تأمل وتخطيط لإبداع قادم ينتظر الإفصاح.
إننا
نحلم ذات يوم أن نعتلي هذه الفرشاة السحرية، إلا أن المسافة بين الأحلام والواقع رقعة
هلامية تتمغط، فإن لم نعتليها اليوم أو غداً أو بعد غد، لا بأس أن نحلم مع أحلامها؛
ويكفينا أن نقول : أننا كنا رفقاء يوماً في عالم لا يمت لليقظة بصلة ولا للواقع بمكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق