الأحد، 3 نوفمبر 2024

أعيدوا بهجة "لا تثريب!"

 


من طبيعة الإنسان الخطأ، وكثير منا يقع في الزلل، فهل تزودنا بزاد التسامح؟. نحن -الآباء- نحتاج لمراجعة الخصال الحميدة في أعماقنا بين الحين والحين، فإذا أردنا تصدير الكرم، والصدق، والوفاء، وسائر الصفات المحمودة لأبنائنا، فعلينا بالتحلي بها ليقطف الصغار منا أينع الثمر. صحيح أنّ المواعظ لها الأثر البالغ في أهلها، إلا أنّ التخلّق أبلغ موعظة، وأجدى من أطنان الكلمات الجوفاء، فربّ موقف صغير حفر بصمته في فؤاد ابنك على مدى السنين، فلماذا لا نشيع التسامح في أسرنا، ونستجلب بهجة "لا تثريب؟!"

ماذا -في ظننا- سنصدر للعالم، إذا تربى فلذة الكبد على القسوة.. إذا شوهنا ملامحه بوابل الصفعات والتنكيل؟


التخلق بخلق التسامح ضرورة ينبغي على المربي إدراك أهميتها، صغارنا بين أيدينا عجائن نشكلها كيفما نشاء، فهل سمع الطفل من أبيه: "عفوت عنك، اذهب فلا جناح عليك"؟ هل يلزم على الوالد حمل العصا طيلة حياته؟ هل يلزم عليه وضع العقاب أمام كل زلة طفل، باعتبار أنّ "من أمن العقوبة أساء الأدب"؟ أيهما أنجع أثرًا: "العفو عند المقدرة"، أم "لكل فعل ردّة فعل"؟!


يحتاج المربي في بعض الأوقات أنْ يُرجع سيفه إلى غمده، فالعقاب للطفل كالملح للطعام، نحتاجه بقدر، وإن زاد عن حدّه فسد، وهذا ما يدركه كل ذي ذوق.. من يمارس العقاب، عليه أن يجد الدهان الملائم لتلتئم الجروح، وليس كل جرحٍ ظاهرًا، وليس كل جرح يمكن علاجه.


نعود لخصلة الصفح والعفو عند التملك.. لماذا لا نكبح الجماح عند المقدرة بقول: "أخطأتَ، فلا تعد لمثلها"؟ هل يلزم أن تسيل الدماء إلى الركب؛ ليدرك المخطئ خطأه؟ تربية الأجداد قاسية، وقد حفظها كثير من الآباء، بعضهم أسرف في الدلال ليغيّب مرارة الماضي، إلا أنّ البعض سار على الخطى ذاتها حُذو القُذّة بالقذة، والصواب أمر بين أمرين، المشكلة التي تصيب كثيرًا من المواقف الأسرية توحّد الأدوار، فكثيرًا ما يكون الأب هو الخصم والحكم والجلاد، وتضيع بوصلة الإنصاف، لنشاهد عمامة الحجاج والرؤوس اليانعة التي حان قطافها.


هل يتذكر الوالد قدرة الله عليه، حين تدعوه قدرته على البطش؟ لماذا نشاهد آثار العقاب على أجساد بعض الأبناء؟ هل تحوّلت ملائكة الرحمة إلى زبانية عذاب؟. المنتظر من قلب كل أب الصفح والرحمة، لا الغلظة، فمتى نتقمص وشاح "العفو"، ونتحلى بأخلاق الأنبياء؟ لماذا لا نقلّم براثن الشيطان التي تتوغل في نفوسنا، لنتخلص من الغدد السرطانية بالكشط، وإحلال طلائع الحِلْم؟ فربّ كلمة أجدى من لكمة، ولربّ صفح أوقع من صفعْ!


فمتى نكبح نبرة الزجر والوعيد، ونستبدل بحنجرة الحجاج بن يوسف أخلاقيات نبي الله يوسف؟ متى نسرح أكبادًا غلاظًا شدادًا بمثل قلب محمدي ينبض، يقول حينما يظفر بالأعناق: "لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق