الجمعة، 15 نوفمبر 2024
كن سببًا لنجاح ابنك وتألقه
الأحد، 10 نوفمبر 2024
تقاطع الدين والسياسة: مفتي القدس نموذجًا
هناك فصل في المسيحية بين الدين والدولة، فهل في الإسلام هذا الفصل؟، يجرنا هذا التساؤل الكبير للحديث عن الدولة العلمانية، ولعل المقولة الشهيرة المنسوبة ليسوع ستدخل في التأسيس: “أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ”، حديثنا في هذه السطور عن مجاهد فلسطيني صَرَفَ وقته وجهده وكل حياته للحفاظ على الأراضي الفلسطينية، فقد مزج بين الأحمر والأخضر بين الجهاد والفقه لهذا لقب “سيف الدين”، ألا وهو سماحة مفتي الديار الفلسطينية الحاج محمد أمين الحسيني المفتي العام للقدس (1895 – 4 يوليو 1974).
الولادة والبدايات:-
كانت ولادته في مدينة القدس، ولا شك أنّ لمسقط الرأس أثر في تشكيل المستقبل، على الرغم من العدد الكبير الذي تضمه أسرة الشيخ من أفراد -بلغت ثلاثة عشر- إلا أنّ أسرته كانت ميسورة الحال معظمهم عمل في مناصب سياسية وإدارية، فالشيخ كامل الحسيني -مثلًا- شقيق الشيخ محمد أمين كان هو مفتى القدس، تلقى محمد أمين العلوم الأساسية منذ البواكير، كعلوم القرآن واللغة والفقه، وقد حظى سماحته ببيئة متميزة شكلته لتسنم المناصب الرفيعة، فقد درس في جامعة الأزهر ولتحقق بكلية الآداب في جامعة مصر، بالإضافة للعديد من المؤسسات التعليمية كمدرسة “دار الدعوة والإرشاد” التي دشنها محمد رشيد رضا، وقد دفعه والده لتعلم الفرنسية لمدة عامين في “مدرسة الفرير”.
محطات من حياته:-
لم يستكمل سماحة الشيخ دراسته التعليمية حيث انتقل إلى الكلية العسكرية بمدينة إسطنبول التركية ليتخرج برتبة “ضابط صف” في الجيش العثماني، هذه المهنة لم يدم بها طويلًا فبعد 90 يومًا اعتلّت صحته فاعاد أدراجه لمدينة القدس مسقط رأسه، وفي عام 1913 ذهب مع والدته لتأدية مناسك الحج، ومن هذه الحجة حصل على لقبه الذائع الصيت “الحاج محمد أمين”، وكان في السنة السادسة عشر من عمره حين ذاك.
بعد عامين من حجة الإسلام تلك أسس سماحته أول منظمة سياسية في فلسطين تحت مسمى “النادي العربي”، الذي تبوء رآسته في عام 1915، وتكمن أهمية هذا النادي أنّ الحركة الوطنية الفلسطينية انطلقت منه، وبعد أشهر التحق بمهنة التدريس في “مدرسة روضة المعارف الوطنية”، وفي عام 1917 أي بعد أربع سنوات من حجته المباركة تمت السيطرة على مدينته القدس من قبل القوات البريطانية، فكان هو أحد أبرز المناضلين والملتحقين بقوات الثورة العربية، حيث كانت له مساهمات معروفة في تجنيد المتطوعين. وبعد أربع سنوات تلقى فاجعة أليمة برحيل شقيقه سماحة المفتي كمال الحسيني عام 1921 وكان هو الخلف لخير سلف، وفي عام 1922 رأس مجلس الشؤون الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية.
النضال والقضية الفلسطينية:-
كان سماحته رمزًا للثوّار ضد الاحتلال، حيث شارك عام 1941م في ثورة رشيد عالي الكيلاني بالعراق. بعدها أنشأ مكاتب متعددة لنصرة القضية الفلسطينية في عدة دول عالمية، ثم ترأس الهيئة العربية العليا لفلسطين عام 1946م و بعد عامين ترأس المؤتمر الوطني الفلسطيني في عام 1948.
تم اعتقال الشيخ في عدة مرات وقد طاردته السلطات الأمريكية والبريطانية ورفضت فرنسا تسليم الشيخ وقبل إبرام صفقة تسليمه مقابل إعمار فرنسا بأموال أمريكية استطاع الشيخ الفرار من القبضة الفرنسية 1947م ليستقر في القاهرة، ظلّ متخفيًا حتى حصل على حماية دولية ثم بدأ جهاده في تنظيم المجاهدين والثوّار وأعلنت الحرب بعد إعلان الأمم المتحدة دولة إسرائيل وتقسيم الأراضي الفلسطينية، توالت الخيانات والمؤامرات بعد ذلك وانهزمت الجيوش العربية، مع ذلك أصرّ سماحته على إعلان استقلالية فلسطين.
ولم يقتصر على الحراك النضالي بل استمر في ذات الوقت على المناشط السياسية على مستوى العالم العربي والإسلامي لدعم الجهاد المسلح ضد المحتلين. وفي عام 1955م مثل سماحته فلسطين في تأسيس حركة عدم الإنحياز، وبعد ست سنوات انتقل سماحة المفتي إلى بيروت 1961م، ليستمر نضاله حتى تَمّ
القرار بإنشاء كيان فلسطيني عام من قبل جامعة الدول العربية 1963م، الذي أفرز عنه ولادة منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964م، استمر جهاد الشيخ حتى بعد نكسة عام 1967م، مؤكدًا أنّه لا حلّ للقضية الفلسطينية إلا بالسلاح. وفي عام 1974م فاضت روحه الطاهرة ودفن في بيروت بعد حياة مليئة بالنضال.
________
المصدر: موقع التنويري
________
مجلة التنويري: مجلة فكرية إلكترونية وورقية، تقدم منظوراً وقاعدة فكرية حول التنوير الديني والتجديد الديني والقراءة التنويريَّة للدين في المنطقة، وتحاول تقديم مساهمة في إطار الجدالات الراهنة حول دور الدين في الحياة العامة، مع التركيز على الأطر التربوية والتعليمية. من الجدير بالذكر أن مجلة التنويري تصدر عن الرابطة العربية للتربويين التنويريين منذ 2017م في عمّان – الأردن، وهي امتداد لمجلة الراصد التنويري التي كانت تصدر منذ عام 1994م عن المنبر الدولي للحوار الإسلامي في لندن.
الأحد، 3 نوفمبر 2024
أعيدوا بهجة "لا تثريب!"
من طبيعة الإنسان الخطأ، وكثير منا يقع في الزلل، فهل تزودنا بزاد التسامح؟. نحن -الآباء- نحتاج لمراجعة الخصال الحميدة في أعماقنا بين الحين والحين، فإذا أردنا تصدير الكرم، والصدق، والوفاء، وسائر الصفات المحمودة لأبنائنا، فعلينا بالتحلي بها ليقطف الصغار منا أينع الثمر. صحيح أنّ المواعظ لها الأثر البالغ في أهلها، إلا أنّ التخلّق أبلغ موعظة، وأجدى من أطنان الكلمات الجوفاء، فربّ موقف صغير حفر بصمته في فؤاد ابنك على مدى السنين، فلماذا لا نشيع التسامح في أسرنا، ونستجلب بهجة "لا تثريب؟!"
ماذا -في ظننا- سنصدر للعالم، إذا تربى فلذة الكبد على القسوة.. إذا شوهنا ملامحه بوابل الصفعات والتنكيل؟
التخلق بخلق التسامح ضرورة ينبغي على المربي إدراك أهميتها، صغارنا بين أيدينا عجائن نشكلها كيفما نشاء، فهل سمع الطفل من أبيه: "عفوت عنك، اذهب فلا جناح عليك"؟ هل يلزم على الوالد حمل العصا طيلة حياته؟ هل يلزم عليه وضع العقاب أمام كل زلة طفل، باعتبار أنّ "من أمن العقوبة أساء الأدب"؟ أيهما أنجع أثرًا: "العفو عند المقدرة"، أم "لكل فعل ردّة فعل"؟!
يحتاج المربي في بعض الأوقات أنْ يُرجع سيفه إلى غمده، فالعقاب للطفل كالملح للطعام، نحتاجه بقدر، وإن زاد عن حدّه فسد، وهذا ما يدركه كل ذي ذوق.. من يمارس العقاب، عليه أن يجد الدهان الملائم لتلتئم الجروح، وليس كل جرحٍ ظاهرًا، وليس كل جرح يمكن علاجه.
نعود لخصلة الصفح والعفو عند التملك.. لماذا لا نكبح الجماح عند المقدرة بقول: "أخطأتَ، فلا تعد لمثلها"؟ هل يلزم أن تسيل الدماء إلى الركب؛ ليدرك المخطئ خطأه؟ تربية الأجداد قاسية، وقد حفظها كثير من الآباء، بعضهم أسرف في الدلال ليغيّب مرارة الماضي، إلا أنّ البعض سار على الخطى ذاتها حُذو القُذّة بالقذة، والصواب أمر بين أمرين، المشكلة التي تصيب كثيرًا من المواقف الأسرية توحّد الأدوار، فكثيرًا ما يكون الأب هو الخصم والحكم والجلاد، وتضيع بوصلة الإنصاف، لنشاهد عمامة الحجاج والرؤوس اليانعة التي حان قطافها.
هل يتذكر الوالد قدرة الله عليه، حين تدعوه قدرته على البطش؟ لماذا نشاهد آثار العقاب على أجساد بعض الأبناء؟ هل تحوّلت ملائكة الرحمة إلى زبانية عذاب؟. المنتظر من قلب كل أب الصفح والرحمة، لا الغلظة، فمتى نتقمص وشاح "العفو"، ونتحلى بأخلاق الأنبياء؟ لماذا لا نقلّم براثن الشيطان التي تتوغل في نفوسنا، لنتخلص من الغدد السرطانية بالكشط، وإحلال طلائع الحِلْم؟ فربّ كلمة أجدى من لكمة، ولربّ صفح أوقع من صفعْ!
فمتى نكبح نبرة الزجر والوعيد، ونستبدل بحنجرة الحجاج بن يوسف أخلاقيات نبي الله يوسف؟ متى نسرح أكبادًا غلاظًا شدادًا بمثل قلب محمدي ينبض، يقول حينما يظفر بالأعناق: "لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء".