الجمعة، 15 نوفمبر 2024
كن سببًا لنجاح ابنك وتألقه
الأحد، 10 نوفمبر 2024
تقاطع الدين والسياسة: مفتي القدس نموذجًا
هناك فصل في المسيحية بين الدين والدولة، فهل في الإسلام هذا الفصل؟، يجرنا هذا التساؤل الكبير للحديث عن الدولة العلمانية، ولعل المقولة الشهيرة المنسوبة ليسوع ستدخل في التأسيس: “أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ”، حديثنا في هذه السطور عن مجاهد فلسطيني صَرَفَ وقته وجهده وكل حياته للحفاظ على الأراضي الفلسطينية، فقد مزج بين الأحمر والأخضر بين الجهاد والفقه لهذا لقب “سيف الدين”، ألا وهو سماحة مفتي الديار الفلسطينية الحاج محمد أمين الحسيني المفتي العام للقدس (1895 – 4 يوليو 1974).
الولادة والبدايات:-
كانت ولادته في مدينة القدس، ولا شك أنّ لمسقط الرأس أثر في تشكيل المستقبل، على الرغم من العدد الكبير الذي تضمه أسرة الشيخ من أفراد -بلغت ثلاثة عشر- إلا أنّ أسرته كانت ميسورة الحال معظمهم عمل في مناصب سياسية وإدارية، فالشيخ كامل الحسيني -مثلًا- شقيق الشيخ محمد أمين كان هو مفتى القدس، تلقى محمد أمين العلوم الأساسية منذ البواكير، كعلوم القرآن واللغة والفقه، وقد حظى سماحته ببيئة متميزة شكلته لتسنم المناصب الرفيعة، فقد درس في جامعة الأزهر ولتحقق بكلية الآداب في جامعة مصر، بالإضافة للعديد من المؤسسات التعليمية كمدرسة “دار الدعوة والإرشاد” التي دشنها محمد رشيد رضا، وقد دفعه والده لتعلم الفرنسية لمدة عامين في “مدرسة الفرير”.
محطات من حياته:-
لم يستكمل سماحة الشيخ دراسته التعليمية حيث انتقل إلى الكلية العسكرية بمدينة إسطنبول التركية ليتخرج برتبة “ضابط صف” في الجيش العثماني، هذه المهنة لم يدم بها طويلًا فبعد 90 يومًا اعتلّت صحته فاعاد أدراجه لمدينة القدس مسقط رأسه، وفي عام 1913 ذهب مع والدته لتأدية مناسك الحج، ومن هذه الحجة حصل على لقبه الذائع الصيت “الحاج محمد أمين”، وكان في السنة السادسة عشر من عمره حين ذاك.
بعد عامين من حجة الإسلام تلك أسس سماحته أول منظمة سياسية في فلسطين تحت مسمى “النادي العربي”، الذي تبوء رآسته في عام 1915، وتكمن أهمية هذا النادي أنّ الحركة الوطنية الفلسطينية انطلقت منه، وبعد أشهر التحق بمهنة التدريس في “مدرسة روضة المعارف الوطنية”، وفي عام 1917 أي بعد أربع سنوات من حجته المباركة تمت السيطرة على مدينته القدس من قبل القوات البريطانية، فكان هو أحد أبرز المناضلين والملتحقين بقوات الثورة العربية، حيث كانت له مساهمات معروفة في تجنيد المتطوعين. وبعد أربع سنوات تلقى فاجعة أليمة برحيل شقيقه سماحة المفتي كمال الحسيني عام 1921 وكان هو الخلف لخير سلف، وفي عام 1922 رأس مجلس الشؤون الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية.
النضال والقضية الفلسطينية:-
كان سماحته رمزًا للثوّار ضد الاحتلال، حيث شارك عام 1941م في ثورة رشيد عالي الكيلاني بالعراق. بعدها أنشأ مكاتب متعددة لنصرة القضية الفلسطينية في عدة دول عالمية، ثم ترأس الهيئة العربية العليا لفلسطين عام 1946م و بعد عامين ترأس المؤتمر الوطني الفلسطيني في عام 1948.
تم اعتقال الشيخ في عدة مرات وقد طاردته السلطات الأمريكية والبريطانية ورفضت فرنسا تسليم الشيخ وقبل إبرام صفقة تسليمه مقابل إعمار فرنسا بأموال أمريكية استطاع الشيخ الفرار من القبضة الفرنسية 1947م ليستقر في القاهرة، ظلّ متخفيًا حتى حصل على حماية دولية ثم بدأ جهاده في تنظيم المجاهدين والثوّار وأعلنت الحرب بعد إعلان الأمم المتحدة دولة إسرائيل وتقسيم الأراضي الفلسطينية، توالت الخيانات والمؤامرات بعد ذلك وانهزمت الجيوش العربية، مع ذلك أصرّ سماحته على إعلان استقلالية فلسطين.
ولم يقتصر على الحراك النضالي بل استمر في ذات الوقت على المناشط السياسية على مستوى العالم العربي والإسلامي لدعم الجهاد المسلح ضد المحتلين. وفي عام 1955م مثل سماحته فلسطين في تأسيس حركة عدم الإنحياز، وبعد ست سنوات انتقل سماحة المفتي إلى بيروت 1961م، ليستمر نضاله حتى تَمّ
القرار بإنشاء كيان فلسطيني عام من قبل جامعة الدول العربية 1963م، الذي أفرز عنه ولادة منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964م، استمر جهاد الشيخ حتى بعد نكسة عام 1967م، مؤكدًا أنّه لا حلّ للقضية الفلسطينية إلا بالسلاح. وفي عام 1974م فاضت روحه الطاهرة ودفن في بيروت بعد حياة مليئة بالنضال.
________
المصدر: موقع التنويري
________
مجلة التنويري: مجلة فكرية إلكترونية وورقية، تقدم منظوراً وقاعدة فكرية حول التنوير الديني والتجديد الديني والقراءة التنويريَّة للدين في المنطقة، وتحاول تقديم مساهمة في إطار الجدالات الراهنة حول دور الدين في الحياة العامة، مع التركيز على الأطر التربوية والتعليمية. من الجدير بالذكر أن مجلة التنويري تصدر عن الرابطة العربية للتربويين التنويريين منذ 2017م في عمّان – الأردن، وهي امتداد لمجلة الراصد التنويري التي كانت تصدر منذ عام 1994م عن المنبر الدولي للحوار الإسلامي في لندن.
الأحد، 3 نوفمبر 2024
أعيدوا بهجة "لا تثريب!"
من طبيعة الإنسان الخطأ، وكثير منا يقع في الزلل، فهل تزودنا بزاد التسامح؟. نحن -الآباء- نحتاج لمراجعة الخصال الحميدة في أعماقنا بين الحين والحين، فإذا أردنا تصدير الكرم، والصدق، والوفاء، وسائر الصفات المحمودة لأبنائنا، فعلينا بالتحلي بها ليقطف الصغار منا أينع الثمر. صحيح أنّ المواعظ لها الأثر البالغ في أهلها، إلا أنّ التخلّق أبلغ موعظة، وأجدى من أطنان الكلمات الجوفاء، فربّ موقف صغير حفر بصمته في فؤاد ابنك على مدى السنين، فلماذا لا نشيع التسامح في أسرنا، ونستجلب بهجة "لا تثريب؟!"
ماذا -في ظننا- سنصدر للعالم، إذا تربى فلذة الكبد على القسوة.. إذا شوهنا ملامحه بوابل الصفعات والتنكيل؟
التخلق بخلق التسامح ضرورة ينبغي على المربي إدراك أهميتها، صغارنا بين أيدينا عجائن نشكلها كيفما نشاء، فهل سمع الطفل من أبيه: "عفوت عنك، اذهب فلا جناح عليك"؟ هل يلزم على الوالد حمل العصا طيلة حياته؟ هل يلزم عليه وضع العقاب أمام كل زلة طفل، باعتبار أنّ "من أمن العقوبة أساء الأدب"؟ أيهما أنجع أثرًا: "العفو عند المقدرة"، أم "لكل فعل ردّة فعل"؟!
يحتاج المربي في بعض الأوقات أنْ يُرجع سيفه إلى غمده، فالعقاب للطفل كالملح للطعام، نحتاجه بقدر، وإن زاد عن حدّه فسد، وهذا ما يدركه كل ذي ذوق.. من يمارس العقاب، عليه أن يجد الدهان الملائم لتلتئم الجروح، وليس كل جرحٍ ظاهرًا، وليس كل جرح يمكن علاجه.
نعود لخصلة الصفح والعفو عند التملك.. لماذا لا نكبح الجماح عند المقدرة بقول: "أخطأتَ، فلا تعد لمثلها"؟ هل يلزم أن تسيل الدماء إلى الركب؛ ليدرك المخطئ خطأه؟ تربية الأجداد قاسية، وقد حفظها كثير من الآباء، بعضهم أسرف في الدلال ليغيّب مرارة الماضي، إلا أنّ البعض سار على الخطى ذاتها حُذو القُذّة بالقذة، والصواب أمر بين أمرين، المشكلة التي تصيب كثيرًا من المواقف الأسرية توحّد الأدوار، فكثيرًا ما يكون الأب هو الخصم والحكم والجلاد، وتضيع بوصلة الإنصاف، لنشاهد عمامة الحجاج والرؤوس اليانعة التي حان قطافها.
هل يتذكر الوالد قدرة الله عليه، حين تدعوه قدرته على البطش؟ لماذا نشاهد آثار العقاب على أجساد بعض الأبناء؟ هل تحوّلت ملائكة الرحمة إلى زبانية عذاب؟. المنتظر من قلب كل أب الصفح والرحمة، لا الغلظة، فمتى نتقمص وشاح "العفو"، ونتحلى بأخلاق الأنبياء؟ لماذا لا نقلّم براثن الشيطان التي تتوغل في نفوسنا، لنتخلص من الغدد السرطانية بالكشط، وإحلال طلائع الحِلْم؟ فربّ كلمة أجدى من لكمة، ولربّ صفح أوقع من صفعْ!
فمتى نكبح نبرة الزجر والوعيد، ونستبدل بحنجرة الحجاج بن يوسف أخلاقيات نبي الله يوسف؟ متى نسرح أكبادًا غلاظًا شدادًا بمثل قلب محمدي ينبض، يقول حينما يظفر بالأعناق: "لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء".
الجمعة، 11 أكتوبر 2024
ابتكر لك تحديًا وحقق الفوز
من بين الناس شريحة خاصة يوصفون بالتميز، فهم خير من أنجبتهم الحياة، فلماذا لا نفكر في التميز؟ أليس المضمار مفتوح للجميع؟. يثبط البعض نفسه ويقتلع أشجار تطلعاته من الجذور بقول كلمة: (مستحيل)، غير أنّه "لا مستحيل على الشمس"، فلماذا لا نتقمص دور الشمس لنذيب شموع المستحيلات؟، أضحكتني عبارة قرأتها تقول:"كل شيء يصير، حتى الفيل يطير"، وأنا بدوري أضيف وأقول: "حتى الغراب يستطيع الغناء!!". والسؤال الحقيقي: هل بالفعل يستطيع الغراب أن يحقق النجاح في الغناء؟، قد يضحك البعض لمجرد طرح السؤال، لنفترض أننا غرابيب، هل بإمكاننا التألق في الغناء؟، هناك فيلم اسمه (أغنية الغراب)، فهل للغراب أن يتميز في أغانيه؟، من يدري؟، ربما حقق الغراب تميزًا وأصبح نجم الفرقة ليدهش الجميع، لاسيما إذا علمنا أنّ بعض الغربان تمتلك الإصرار، والإصرار يصنع المعجزات. فإذا كان ذلك ممكنًا، فلماذا لا نكن ذلك الغراب الافتراضي الفريد؟
الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024
اتخذ لك جناحَ قراءة
أتذكر من أيام طفولتي، مشهدًا لمسلسل كرتوني لا يزال يعلق بالذاكرة، وهو أنّ رجلًا كان يعدو للحاق بالسفيّة، وبعد جهد مضني تمكن الأخير، من الصعود فيها، وألقى بجسده من فرط الإعياء، صفق له عقلي حينها، واعقبت ببراءة الأطفال: "لولا محاولاته الجادة لما تمكن من الصعود". تلك السفينة تذكرني بسفينة أخرى هي سفينة القراءة، هناك من ركبها، وهناك من تركها، وهناك من يعدو ويكافح ليبلغها، فأي الثلاثة أنت؟!، في كل عام تولد كتب جديدة، والناس حيال هذه الكتب على أنواع، البعض ينظر للكتاب الجديد، كذبابة مرت من أنفه، وآخر يرى أنّه وقع على كنز من الكنز، فأيّ الأفراد أنت؟!. وهل برأيك فعلًا يمثل الكتاب الجيد صندوق كنز؟
الكتاب غير المناسب كقاطع طريق، يلزمك تجنبه لكونه يحرمك من مواصلة الرحلة ويقطع عليك مطالعة الكتب أخرى. إذا كنت تتقاطع مع رأي العقاد، في أنّ (حياة واحدة لا تكفي)؟، فستكون لك القراءة حلًا. في دراسة احصائية تقارن متوسط قراءات الأفراد في كلًا من أمريكا وأوروبا والدول العربية، يحتل متوسط قراءة الفرد الأمريكي الصدارة بقراءة أكثر من ٢٠٠ ساعة في السنة، وفي أوروبا أكثر من ١٥٠ ساعة في السنة، بينما متوسط القراءة لدى الفرد العربي لا يتعدى ١٥ دقيقة في السنة!!، فماذا يعني هذا؟!
قطعًا هذا يعني أن القراءة لدى الفرد العربي تقع في الهامش، فهل بالفعل القراءة مهمة؟، أم هي مضيعة للوقت؟، لنقدم نمذجة في هذا السياق على هيئة (هل تعلم؟)، هل تعلم أنّ (بيل غيتس)، صاحب مايكروسوفت يقرأ سنويًا ٥٠ كتابًا، فكم هي حصيلتنا السنوية؟، وأي الكتب هي التي نقرأها؟
لنعود إلى الطفولة والتربية، هل نعلم أنّ الأفعال معدية؟، بمعنى أنّ الطفل يتأثر بما تقع عليه عينيه، فإذا كانت الأسرة تدمن عادة القراءة، أصبح هذا الطفل قارئًا، والعكس صحيح!!. يحكى أنّ شابًا اكتشف ذات مرة أنّ والده يحمل الجريدة بالمقلوب، فلما أبلغ والده، قال الأخير: اعلم يا بني أني لا أعرف القراءة، وأمسكت الجريدة كل تلك السنوات حتى تتعلم القراءة!!
والآن فلنخاطب الأمهات، هل أنتِ تقرأين لطفلك قبل أن ينام؟، تشير دراسة أكاديمية أنّ القراءة للطفل قبل نومه تبني له صلة عاطفية تجاه القراءة طيلة حياته، فلنتبنى شعار (كن قارئًا من المهد إلى اللحد)، وهناك دراسات أخرى تشير أنّ رحلة التطور اللغويّ للطفل تبدأ من كونه جنينًا في رحم أمه، وتحديدًا في الأسابيع العشرة الأخيرة. فهل سنرى في هذا الزمن أمهات يدمن عادة القراءة؟
القراءة مهمة للصغار والكبار، فهل يصح لمن بلغ مرتبة علمية كبيرة أن يقول للكتاب: هذا فراق بيني وبينك؟، إنّ عادة القراءة تلعب دورًا هامًا في قلب الموازين المعرفيّة، يقول خطيب روما (شيشرون): "بيت بلا كتب، جسد بلا روح"، فهل تواجد الكتاب مهم في بيوتنا؟، هذا الحديث يقودنا لضرورة تكوين (مكتبة منزليّة)، فهل لديك في منزلك مكتبة؟، قد يدهشك صاحب مكتبة منزلية ضخمة، أنّه لا يقرأ منها شيئًا، بمعنى أنّ المكتبة لديه تمثل دور تحفة وديكور فقط!!، وهذا أمر مؤسف يدعو للشفقة!، يقول شاعر مجيد يصف هذا الحال، بقوله:
وعند الشيخ كتب من أبيه
مسطرة ولكن ما قراها
يعد سطورها سطرًا فسطرًا
ينعنع رأسه ويقول (آها)
وفي ذات المعنى، يخاطب الشيخ حافظ الحكمي ممالحًا تلامذته:
ببيتِ الشيخ كتبٌ قد شراها
وجمّعها ولكن ما قراها
وقد رضي منها بسلوى
إذا فتح المكانَ بأن يراها
وينظر في قطائعها ويمضي
وهل تدري القطائع ما وراها
إن أغلب هذا الجيل يجيد القراءة، غير أنّ معظمه لا يقرأ، أو لنقول: نادرًا ما يقرأ، فقط يقتصر على قراءة الكتب الدراسية وحسب!، وهذا أمر مؤلم بحق. من خلال عادة القراءة ستكتشف أنك لا تزال فقير معرفيًّا، وإذا أردت أن تعرف الفرق، اجلس مع شخص قارئ!!، القراءة غذاء الأرواح والعقول، والمكتبة هي ثلاجتها، فلماذا نفتح ثلاجة البطن كل يوم، ولا نفتح ثلاجة العقول؟!، والسؤال المُلّح: ماذا نقرأ؟، وأي الكتب نختار؟، باختصار: هناك كتاب ليست لك، دعه لغيرك، وابحث عما يضيف، تمسك بما يثريك ودع ما لا يثريك. أصرف بعض الوقت للبحث عن الكتاب الجيد، فإذا عثرت فعضّ عليه بالنواجذ.
الخلاصّة هناك كتب تستحق الشراء، والقراءة، فعرف كيف تختار؟، ودقق في الهدف، ثم شدّ الوتر واطلق الرميّة. إن أقل ما تخرج به من مطالعة كتاب ثراء لغوي، وثروة لفظية تضاف لقاموسك الشخصي، في الختام ليس مهمًا أن تصور نفسك أمام كتب المكتبة، المهم أن تقرأ هذه الكتب التي تدير لها ظهرك!
الجمعة، 13 سبتمبر 2024
تحرك ولا تكن صفرًا
الجمعة، 6 سبتمبر 2024
أخلاق معشر السائقين!!
في القديم كان الناس يمتطون الدواب، واليوم يركبون السيارات، وفي المستقبل قد يستقلون وسائلَ نقلٍ مختلفة.. ما نريد التحدث عنه هو طريقة تعامل الناس بعضهم مع بعض، أهي طريقة محترمة، أم هي قضية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر؟
الأربعاء، 28 أغسطس 2024
الكتاب أم بساط الريح؟
توقفت ذات مرة أمام بائع خضار متجول وكان مهمومًا حزينًا، رغبت بالتفريج عنه وسألته عن حاله، فقال: أنتم أحسن منا حالًا، تخرجتم من المدرسة، ونجحتم وتجيدون القراءة. فقلت له مواسيًا: وما هو الفرق؟ أجاب: أنا لا أعرف القراءة، لو كنت أعرف القراءة لقرأت القرآن.
هذه القصة أعيدها كل عام على طلابي، ليعرفوا قيمة القراءة، فما الفرق بين من يقرأ، ومن لا يجيد القراءة؟ هل نحتاج لإرجاع الزمن للوراء حتى نعرف قيمة الكتاب؟
يحكى أن طفلًا سأل أباه: هل بساط الريح حقيقة؟ وهل نستطيع الحصول عليه؟ أجابه والده: إنّ لدينا ما هو خير من بساط الريح، ثم غاب عنه لحظة وعاد فمدّ إليه الكتاب، وقال لابنه: هذا يا ولدي يطير بك في الماضي والحاضر والمستقبل، دون أن تتحرّك من مكانك!
رغم قصر هذه الحكاية فإن مضمونها صحيح، الكتاب يختزل لنا العوالم والأزمان والحيوات، فإذا لم يتسع وقتك للقراءة فأجبر وقتك على القراءة.. اقرأ في وسائل النقل العام، اقرأ عند الإشارة الحمراء إذا كنت سائقًا، اقرأ في أوقات الانتظار، اقرأ في أثناء تناول وجبة الطعام، اقرأ قبل النوم، ابتكر لك وقتًا وكن قارئًا. هناك كتاب لذيذ كأنه حلم جميل في انتظارك فابحث عنه، هناك كتاب رائع بمذاق السكاكر الخرافية سيدهشك فتوصل إليه، هناك كنز ما في كتاب ما، فابدأ رحلة كنزك لتصل إلى صندوق سعادتك.
هل تتعجب لو منحك الكتاب نقودًا؟ حكاية وقعت لصاحبي وشاهدتها بأمّ العين.. استعار أحد الأصدقاء من صاحبه كتابًا، وبعد يوم مدّ إليه مبلغ 500 ريال، وقال له: وجدتها بين طيات الكتاب! ربما نسي هذا الصديق أنه وضع مبلغًا في الكتاب.. ربما.. ربما، ولكن الحقيقة أنّ الكتاب يمنحك أكثر، ربّ ثروة حصلت عليها من سطر في كتاب، فلماذا لا تفتّش عن ذلك السطر؟
بعض الناس يفضل اقتلاع سن من أسنانه على أن يقرأ كتابًا واحدًا، لدرجة أنّ أحد الأصدقاء يستخدم الكتاب حصالة نقود يحتفظ فيها بالمال، ويبتسم لي وهو يقول: هنا لن يصل إلى المال أحد!. إنه لمن المؤسف أن نهجر الكتاب إلى هذا الحدّ. أتساءل: ماذا لو تحولت القيم المعرفية في الكتب إلى مبالغ مالية؟ هل سنعزف عن القراءة؟ المعارف قيم معنوية مجردة لا تدرك بالحواس، ولكنها موجودة في العقول؛ فكل كتاب يمتلك روحًا تغذيك، كل كتاب يمتلك جواهر لا تثمّن.
بلغني سؤال: كيف نجعل من لا يقرأ يقرأ؟ ابتسمت على الفور، لكون الفكرة تحمل في طياتها أسلوب الهيمنة والجبر مع من لا يريد أن يقرأ، والقرآن يقول: "لا إكراه".. أتذكر المروية التي فيها "عجبتُ لأقوامٍ يُقادونَ إلى الجنةِ في السلاسلِ وهم كارهونَ"! لنحاول الإجابة عن السؤال، في البداية علينا معرفة السبب ليبطل العجب، فكيف سيقرأ الضحية المستهدف كتابًا مملًا، أو كتابًا بترجمة رديئة غير مشوقة!
العيب في الكاتب والمترجم لا في القارئ، فكم من كتاب ذائع الصيت والشهرة، حرم الناس من القراءة وخلق لديهم العزوف والإحباط! بعض دور النشر تبالغ في أهمية إصداراتها لتربح الصفقات، فيقع القارئ فريسة كتاب أقل مما تصور، إنّه الغبن الذي يولد العزوف، فكم من قارئ توقف بسبب كتاب! الحقيقة تقول: ربحنا قيمة كتاب، وخسرنا قارئًا سيشتري العديد من الكتب لو أنصفناه، فلا تجبر أحدًا.. فقط رغّب الآخرين.
هل سمعتم بسلوى، عاشقة الكتب التي قررت المبيت في المكتبة؟ إنها بطلة رواية دودة الكتب، التي ترغب في جعل من لا يقرأ يقرأ، فماذا فعلت؟، فقط أطرح سؤالًا فإنّ لطرحه أثرًا. بالأمس طالعت كتابًا لمؤلف باعث تأليفه إجابة عن سؤال طرحته عليه ابنة أخيه، اقرأ كتاب "كيف تقنع الآخرين؟" لتصدق، وهذا المقال أصلًا إجابة عن سؤال بلغني عن مقال يتحدث عن القراءة، نصه: كيف نصل إلى من لا يقرأ؟ بمعنى: هل يصح أن نعالج العزوف عن القراءة بوسائل قرائية؟ باختصار.. الرسالة لن تصل، هذا هو المتوقع والمتبادر، لهذا لزم التفتيش عن قناة جديدة، نشجع بها على مزاولة القراءة. فما هي تلك القناة؟
إننا نحتاج لاستخدام قنوات مختلفة، فالبعض يفضل القناة المسموعة، والبعض الآخر يفضل المشاهدة على القراءة، هل الحل في إيجاد الكتاب المسموع؟ هل الحل في حملات التبشير للقراءة؟ بحمد الله قلّت نسبة الأمية، والناس تجيد التهجئة ولكنها تعزف عن مزاولتها، فما الحل؟ بلا شك، لن نستطيع إجبار الناس على التمسك بالكتاب، بيد أنّ معرفة الأسباب بداية الحل.
في المقام الأوّل ينبغي التأثير على من تصله الحروف، بمعنى المحافظة على القرّاء من التسريح، وهذا أضعف الإيمان، لو أن كل شخص قارئ أقنع 10 أفراد ستتضاعف نسبة القراء، هل سمعتم قصة مربع القراءة؟!
يحكى أن في إحدى القرى النائية أربع صديقات يعشقن القراءة، ولفرط محبتهن للقراءة، عقدن ناديًا للقراءة خاصًّا بهنّ، أطلقن عليه اسم "مربع القراءة"، يبدأ هذا النادي جلساته كل يوم بعد العودة من المدرسة، وليس فيه إلا الصديقات الأربع، وهنَّ ليلى وسلمى وعفاف وياقوت.. القصة طويلة مفادها، أنّ عادة القراءة أثّرت في مستقبل هذا الرباعي المدهش، فليلى أصبحت معلمة تقرأ لطالباتها وتحثهن على القراءة، وسلمى التحقت بالعمل بإحدى الصحف، فكانت كاتبة تستلهم فِكَرها من الكتب، وعفاف شقت طريق الترجمة وعشقت تعريب الروايات الأدبية، أما ياقوت فأصبحت بائعة كتب تقرأ ما تيسر وتبيع للزبائن.. من هذه القصة نلاحظ أنّ هناك خيطًا مشتركًا تأثيره السحري هو الكتاب، فهل تؤثر القراءة فينا؟
سنضع بعض المقترحات لجذب الجمهور للقراءة؟
* انتخاب العنوان الجيد للكتاب.
* العناية بالمحتوى والتشويق.
* اقتباس سطور جميلة ومؤثرة تشوق للبحث عن المقال وقراءته.
* التعريف بالكاتب وذكر نقاط مشرقة عنه وعن أبرز إنتاجاته وكتبه.
* خلق أندية قراءة تسوق لعادة القراءة.
* نشر تصاميم حكمية تروّج لعادة القراءة، وتعرّف ببعض الكتب الجيدة.
* إجراء مسابقات كتابية للاستقاء من الكتب، فلا تأليف بلا قراءة.
* إقامة تحديات القراءة، والترويج لمسابقات القراءة العامة.
* نشر تقييم الكتب، والتحدث عن الكتب الجيدة التي تستحق القراءة.
* تحويل الروايات التي تتحدث عن القراءة إلى فيلم أو كتاب صوتي درامي.
* التركيز على أهمية القراءة لشريحة الأمهات، لتخريج جيل قارئ.
* العناية بمضمون الكتب الممنتجة، والاهتمام بإخراجها وطباعتها في أغلفة جاذبة.
* طباعة الكتب بخطوط مريحة للعين، لتشجع من لديه مشاكل صحيّة على القراءة.
* عمل معارض كتاب بأسعار مخفضة.
* اغتنام المناسبات القرائية كيوم اللغة العربية، واليوم العالمي للكتاب.
* إتاحة بعض الكتب للقراءة المجانية في صالات الانتظار، وعمل أكشاك كتب مجانية.
* تطوير فكرة المكتبة المتنقلة، وهي عبارة عن سيارة تتيح إعارة الكتب لطلاب المدارس.
* إقامة حفلات إشهار وتوقيع للكتب الجديدة التي صدرت مؤخرًا.
* التبرع بالكتب شرط قراءتها، أو إحلال فعالية شراء الكتاب بقراءته.
* إقامة معارض تبادل الكتاب، وشراء الكتاب المستخدم.
* تدشين رحلات إلى معارض الكتاب بأسعار زهيدة، مع تقديم فعاليات تحث على القراءة.
* تفعيل دور المكتبات العامة والأندية الأدبية، والقيام بزيارات شهرية وسنوية مرافقة.
* إتاحة الكتاب الإلكتروني المجاني، أو حتى الورقي إن أمكن.
* تحويل الكتب التي تعنى بالقراءة صوتيًا وإلكترونيًا.
* استضافة المثقفين المهتمين بالقراءة، من أجل الحديث عن أهميتها.
* مدّ جسور التعاون مع المؤسسات المهتمة بالقراءة.
* خلق وتشكيل كوادر فاعلة تهتم بالقراءة وتروّج لها عمليًا.
في الختام نقول لمن تعنيه مسؤولية القراءة، لا تستهِن بقدراتك، فقط عليك أن تحرّض، فرُبّ سؤال أنتج مقالًا، ورُبّ تشويق خلق قارئًا.
ما هو السر وراء التوفيق؟
لماذا البعض موفَّقون ومحظوظون في حياتهم والآخرون تعيسون فاشلون؟
أعرفُ شخصًا مغرمًا بفتح المشاريع، ولكن مع شديد الأسف، لا يضع يده في مشروع إلا وأصبح ذلك المشروع فاشلاً، فاشلاً بامتياز، هذه هي الحقيقة، وليس تندُّراً، بينما هناك أناس لا يرفعون حجرًا إلا وجدوا تحته ذهبًا، الناس يقولون عنه: إنّه رجل محظوظ، فماذا نسمي الأول؟!
أنت أجبني عن هذا السؤال الذي يشغل تفكيري: ما هو السر؟، ما هو السر في كلا الرجلين؟، البعض ينتظر طويلًا حتى يحصل على رقم ليحين دوره، والآخر يقطف الأرقام فور وصوله كما يقطف الورد، ما هو تعليقك على هذين الموقفين؟، يفتح أحدهم مشروعًا نظنه فاشلاً، فإذا بحدث يحدث يقلب المعادلة رأسًا على عقب، ويصبح المشروع الذي نظنه فاشلاً أنجح مشروعٍ، ويأتي آخر يصفه الناس (مقروداً) يفتح عملًا ناجحًا، فيحدث حدثًا وتنعكس المعادلة، فيصبح مشروعه فاشلًا وبضاعته بائرة لا قيمة لها.
البعض يقول: هي أرزاق وحظوظ، ولا أحد يستطيع الرجم بالغيب، والسؤال: هل نستطيع شراء الحظ؟، أو أقلًا نبيع الحظ السيء، البعض يقر على نفسه، أنه مقرود سيء الحظ، لا يخطو خطوة، إلا تعثر، فهل الله كتب على جبينه الفأل السيء، أم هو من قاد نفسه لهذا المطب؟، كلمة (كيف) تخرج من الكثيرين، حيث يقول: كيف بلغ ذاك؟، ولم أبلغ؟، يا لحظه السعيد، ليس القول من باب الحسد، بل من باب الغبطة أحيانًا ومن باب التعجب في كيف يدير الله أرزاقه على خلقه؟
البعض إذا أراد السفر أو قضاء حاجة مستعصية انتخب معه شخص ما يرى فيه فأل السعد، وبالفعل تتفتح عليه المغلقات ويتشبث بهذا الرجل النادر، ويعقد معه الصفقات لدرجة وقوع الحرج في بعض الأحيان، فما هو الحل؟
بعض الناس يعتمد على الأبراج، أو أبراج معاونيه، فلا يخطو خطوة حتى يتأكد أنّ الأمور في أنصبتها والأحجار في مواقعها الصحيحة، فهل هذا صحيح؟، البعض لا يتحرك إلا بعربة الخيرة، وتكثر الطرق لتحري الوقت والطريقة والصفقة المناسبة، فبعضهم يُصيب وبعضهم يخطئ.
بعض الناس دخولهم في المشاريع كالمزلق والدهان، يفتح الأقفال المستعصية ويمهد الطريق للنجاح، فهل لاحظ أحدكم هذه الظاهرة؟، أنا جرّبتها، وقد جربها الكثير من العرب قبلي، بل هي من الأثر النبوي، ففي صحيح الألباني مروية من سنن أبي داود، عن بريدة: أن النبي كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورُئِيَ بشر ذلك في وجهه، وإن كان كَرِه اسمه رُئِيَت كراهية ذلك في وجهه!
أليست التجارب خير برهان؟، فلماذا لا تجرب بنفسك؟، أحد الأسرار هو أن للاسم مغناطيس، يجلب الحظ، ويطرد الشر، فلماذا نجني على أبنائنا بتسمية أُعجِبَتْنا قرعتها، دون أن نتأمل في معانيها؟، فهل ندرك الفرق بين اسم (دُجى) و(ضحى)؟ وهل ندرك أيهما الصالح (هابيل) أم (قابيل)؟ ما كان علي ليسبق النبي في تسمية أبنائه، ولم يكن النبي ليسبق الله في التسمية، هل نفقه لماذا كل هذا الحرص؟، هل هو اسم وكفى كما يقول عامة الناس؟، أم أنّ للأسماء أسرار، فتخير بعناية.
أخطأ مسلم في آية وصحح له أعرابي، فكلُّ لفظة في القرآن لها وزن ومعنى، لهذا يرفض البعض قراءة مناجات غير المعتبرة، أو المؤلفة من تأليف العوام، فقد يخطئ البعض من حيث يظن أنّه الصواب. فينقل السحر على الساحر.
نعود للحظوظ، هل نعلم لماذا التوفيق حليف البعض وخصيم الآخرين؟، هناك سر ما في هذا الشخص المحظوظ، اقترب منه وتودد إليه واسأله، فقد يطلعك على السر، إن لم يكن يجهل سره وسر توفيقه.
ربما كان السر، دعوة أب أو دعاء أم، لربما كان السر في توقيت انعقاد النطفة، لربما كان الأمر في صدقة يدفعها، أو ابتسامة يبثها، ربما كان في دعاء يقرأه أو سلوك حسن يتبعه، ربما كان الأمر في نية طيبة، باختصار هناك سر ما خلف الأكمة. قد لا نستطيع اكتشاف البواطن، إلا أنّ هناك سر ما يجهله الجميع، فقد يبلغ الكسول المرامي ويخفق المُجِدّ، ليس تثبيطًا للمساعي، إنما هو الحظ، الحظ الذي لا يقع دائمًا..
يُحكى أنّ هناك ملكًا حكيمًا حَدّث أحد حراسه: هل تؤمن بالحظ؟ أجابه: بالتأكيد، فقال له الملك: هل تستطيع أن تُثبِتَ لي ذلك؟ قال له: بالتأكيد، وهكذا أسر له سرًا، ثم وضع حقيبة في غرفة حارسين بالجوار، كان الوقت مساءً والظلمة دامسة والحقيبة معلَّقة، فلم يَفطن للحقيبة أحد، وقبل أن ينام أحد الحارسين انتفض وفتح الحقيبة، فهم من خلال حاسة اللمس أنها تحتوي على البازلاء، فعمد لتناول البازلاء، وأكله بمفرده، وبينما هو يتحسس البازلاء، عثر على بعض الأحجار، فابتسم وراقت له الفكرة، وهي أن يلقي بالأحجار على صاحبه النائم الذي فاته تناول البازلاء، فلما أصبح الصباح وجد صاحبه ثريًا، إذ لم تكن تلك الأحجار إلا مجوهرات ثمينة، نظر الحارس صاحب الفكرة، إلى الملك الحكيم، وقال له: هل رأيت كيف يصنع الحظ بصاحبه؟!، أجاب الملك: صدقت، ولكن عليك أن تعرف أن الحظ كالأحجار الكريمة التي لا يعثر عليها إلا نادرًا.
الأربعاء، 21 أغسطس 2024
ما هو السر وراء التوفيق؟
أعرفُ شخصًا مغرمًا بفتح المشاريع، ولكن مع شديد الأسف، لا يضع يده في مشروع إلا وأصبح ذلك المشروع فاشلاً، فاشلاً بامتياز، هذه هي الحقيقة، وليس تندُّراً، بينما هناك أناس لا يرفعون حجرًا إلا وجدوا تحته ذهبًا، الناس يقولون عنه: إنّه رجل محظوظ، فماذا نسمي الأول؟!
أنت أجبني عن هذا السؤال الذي يشغل تفكيري: ما هو السر؟، ما هو السر في كلا الرجلين؟، البعض ينتظر طويلًا حتى يحصل على رقم ليحين دوره، والآخر يقطف الأرقام فور وصوله كما يقطف الورد، ما هو تعليقك على هذين الموقفين؟، يفتح أحدهم مشروعًا نظنه فاشلاً، فإذا بحدث يحدث يقلب المعادلة رأسًا على عقب، ويصبح المشروع الذي نظنه فاشلاً أنجح مشروعٍ، ويأتي آخر يصفه الناس (مقروداً) يفتح عملًا ناجحًا، فيحدث حدثًا وتنعكس المعادلة، فيصبح مشروعه فاشلًا وبضاعته بائرة لا قيمة لها.
البعض يقول: هي أرزاق وحظوظ، ولا أحد يستطيع الرجم بالغيب، والسؤال: هل نستطيع شراء الحظ؟، أو أقلًا نبيع الحظ السيء، البعض يقر على نفسه، أنه مقرود سيء الحظ، لا يخطو خطوة، إلا تعثر، فهل الله كتب على جبينه الفأل السيء، أم هو من قاد نفسه لهذا المطب؟، كلمة (كيف) تخرج من الكثيرين، حيث يقول: كيف بلغ ذاك؟، ولم أبلغ؟، يا لحظه السعيد، ليس القول من باب الحسد، بل من باب الغبطة أحيانًا ومن باب التعجب في كيف يدير الله أرزاقه على خلقه؟
البعض إذا أراد السفر أو قضاء حاجة مستعصية انتخب معه شخص ما يرى فيه فأل السعد، وبالفعل تتفتح عليه المغلقات ويتشبث بهذا الرجل النادر، ويعقد معه الصفقات لدرجة وقوع الحرج في بعض الأحيان، فما هو الحل؟
بعض الناس يعتمد على الأبراج، أو أبراج معاونيه، فلا يخطو خطوة حتى يتأكد أنّ الأمور في أنصبتها والأحجار في مواقعها الصحيحة، فهل هذا صحيح؟، البعض لا يتحرك إلا بعربة الخيرة، وتكثر الطرق لتحري الوقت والطريقة والصفقة المناسبة، فبعضهم يُصيب وبعضهم يخطئ.
بعض الناس دخولهم في المشاريع كالمزلق والدهان، يفتح الأقفال المستعصية ويمهد الطريق للنجاح، فهل لاحظ أحدكم هذه الظاهرة؟، أنا جرّبتها، وقد جربها الكثير من العرب قبلي، بل هي من الأثر النبوي، ففي صحيح الألباني مروية من سنن أبي داود، عن بريدة: أن النبي كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورُئِيَ بشر ذلك في وجهه، وإن كان كَرِه اسمه رُئِيَت كراهية ذلك في وجهه!
أليست التجارب خير برهان؟، فلماذا لا تجرب بنفسك؟، أحد الأسرار هو أن للاسم مغناطيس، يجلب الحظ، ويطرد الشر، فلماذا نجني على أبنائنا بتسمية أُعجِبَتْنا قرعتها، دون أن نتأمل في معانيها؟، فهل ندرك الفرق بين اسم (دُجى) و(ضحى)؟ وهل ندرك أيهما الصالح (هابيل) أم (قابيل)؟ ما كان علي ليسبق النبي في تسمية أبنائه، ولم يكن النبي ليسبق الله في التسمية، هل نفقه لماذا كل هذا الحرص؟، هل هو اسم وكفى كما يقول عامة الناس؟، أم أنّ للأسماء أسرار، فتخير بعناية.
أخطأ مسلم في آية وصحح له أعرابي، فكلُّ لفظة في القرآن لها وزن ومعنى، لهذا يرفض البعض قراءة مناجات غير المعتبرة، أو المؤلفة من تأليف العوام، فقد يخطئ البعض من حيث يظن أنّه الصواب. فينقل السحر على الساحر.
نعود للحظوظ، هل نعلم لماذا التوفيق حليف البعض وخصيم الآخرين؟، هناك سر ما في هذا الشخص المحظوظ، اقترب منه وتودد إليه واسأله، فقد يطلعك على السر، إن لم يكن يجهل سره وسر توفيقه.
ربما كان السر، دعوة أب أو دعاء أم، لربما كان السر في توقيت انعقاد النطفة، لربما كان الأمر في صدقة يدفعها، أو ابتسامة يبثها، ربما كان في دعاء يقرأه أو سلوك حسن يتبعه، ربما كان الأمر في نية طيبة، باختصار هناك سر ما خلف الأكمة. قد لا نستطيع اكتشاف البواطن، إلا أنّ هناك سر ما يجهله الجميع، فقد يبلغ الكسول المرامي ويخفق المُجِدّ، ليس تثبيطًا للمساعي، إنما هو الحظ، الحظ الذي لا يقع دائمًا..
يُحكى أنّ هناك ملكًا حكيمًا حَدّث أحد حراسه: هل تؤمن بالحظ؟ أجابه: بالتأكيد، فقال له الملك: هل تستطيع أن تُثبِتَ لي ذلك؟ قال له: بالتأكيد، وهكذا أسر له سرًا، ثم وضع حقيبة في غرفة حارسين بالجوار، كان الوقت مساءً والظلمة دامسة والحقيبة معلَّقة، فلم يَفطن للحقيبة أحد، وقبل أن ينام أحد الحارسين انتفض وفتح الحقيبة، فهم من خلال حاسة اللمس أنها تحتوي على البازلاء، فعمد لتناول البازلاء، وأكله بمفرده، وبينما هو يتحسس البازلاء، عثر على بعض الأحجار، فابتسم وراقت له الفكرة، وهي أن يلقي بالأحجار على صاحبه النائم الذي فاته تناول البازلاء، فلما أصبح الصباح وجد صاحبه ثريًا، إذ لم تكن تلك الأحجار إلا مجوهرات ثمينة، نظر الحارس صاحب الفكرة، إلى الملك الحكيم، وقال له: هل رأيت كيف يصنع الحظ بصاحبه؟!، أجاب الملك: صدقت، ولكن عليك أن تعرف أن الحظ كالأحجار الكريمة التي لا يعثر عليها إلا نادرًا.