الثقافة ليست للمبصرين وحدهم، الثقافة ليست للأغنياء فقط، الثقافة للجميع، الثقافة في حياتنا كالملح للطعام وكالهواء للرئتين، فأين دور المثقفين؟، والمروجين للكتب؟، في العصور الماضية كانت حلقات العلم مفتوحة الأبواب مشرعة، تفسح أطواقها لتحتضن الجميع وبالمجان، لا للطبقية ولا للعنصرية ولا لثقافات الإقطاع، لم تكن النزعة حينها إشتراكية ماركسية بقدر ما كانت نية صادقة وحراك إنساني لرفع راية التثقيف للكل، فما هو دور المثقف أمام العزوف الثقافي؟
قد يعترض القائل بقوله: "لنثبت العرش قبل النقش"، منكرًا العزوف برمته، لكننا نقول غير متشائمين بالطبع، باحثين عن لغة الأرقام: "كم عدد الكتب التي يقرأها الفرد في المتوسط للدول العربية؟"، إذا أخذنا بنتائج مؤشر القراءة العربي للدكتور هاني تركي، فإن نصيب الدول العربية فقط 16 كتابًا في المتوسط في السنة الواحدة، فكم عدد القراء في المجتمعات؟، ولماذا العزوف؟
لا ريب أنّ الفقر أحد المسببات، فرغيف الخبز أولى من شراء كتاب، فمن أين ستحصل الأسر على الكتب والجوع ضارب في العمق جذوره؟، هل نعلم أن هناك الكثير من الأسر لا تحتوي على كتاب واحد فضلًا عن وجود مكتبة؟، فكيف سننعش الثقافة أمام هذا القحط؟، كنت أقول: "لايعدم ذو الفكر سوق الحيلة، فكيف إذا تلاحمت الأدمغة ورامت البلوغ؟"، لا ريب أنها ستمد القناطر وتضرب للغايات الجسور. وقبل ذلك نتساءل لنضع اليد على الجراح: هل فكر رب الأسرة المتمكن أن يُأثث مكتبة في بيته بإزاء الثلاجة؟، هل يهتم ذو الثراء بطعام العقل كما يهتم بطعام البطن؟، إنها الغفلة التي يجب أن نصعقها بصاعق الإلفات، إلا أنّ المرارة التي لا لبس فيها أن الكثير من الدول العربية لا تمتلك مقومات الحياة، فكيف نسهل لها امتلاك الكتاب؟
لا تخلوا مجتمعاتنا من مؤسسات تتبنى التثقيف غير المشروط، التثقيف المفتوح المصدر دون مقابل، التثقيف الذي ينعش الأجيال ويغير الأحوال، إن الدرهم الأبيض حين يصرف لدعم هذه الأبواب سيرسل على اليباب السحاب، أليس أول الغيث قطرة؟، فلماذا نستحي من إعطاء القليل والحرمان أقل؟، لا ريب أن في مجتمعاتنا مجاميع مشتتة تعشق هذا الهم، وتتمنى تآزر الأكف للطرق على إتاحة الكتاب مجانًا أو بمبلغ زهيد ولو في بعض المواسم، هل فكرنا بالدعم أو التأييد؟
وفي بارقة الختام نتساءل: لماذا لا تجتمع النفوذ لتشكل قوارب الإنقاذ؟، لن نتشاءم فهناك ثمة ضوء، لن نيأس فهناك خلف النفق ضياء، ووراء الليل صبح يقتحم الغسق. في الآونة الأخيرة انتشر الكتاب المجاني على الشبكات العنكبوتية، سواءً الإلكتروني أو الصوتي، وهي فكرة روجت للثقافة ودعمت تثقيف شرائح شبابية كبيرة، حتى أنّ عدد المتابعين قفز في شهر واحد لعشرات الآلاف من القرّاء، في بعض القنوات المجانية، إنه مؤشر إيجابي يعكس رغبة ملحة لمزاولة القراءة والنهل من الثقافة مفتوحة المصدر. نعم نعلم أن سوق الورق مرتفع، وقد يصعب تسهيل المتن الورقي كما نأمل، إلا أنّ السبيل الإلكتروني سيحرج المطابع ويغير أفق المعادلات، فالثقافة ليست مرهونة بالأوراق، إنما بإرادة شعب يرغب في كسر القيد ليعتنق الثقافة والحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق