لكل طفولة مذاق، فهل يقرأ الكبار ما يسكن في عيون الصغار؟، تنقدح الفكرة في عيوننا حين كنا صغارًا، أننا نستطيع، نستطيع فعل كل شيء، حتى ما يمنعنا منه الكبار، نرى الكبار يدخنون السجائر ثم ينفثون الدخان كسحب الفضاء، يتفننون في نفث التبغ فيخرج من الأفواه كمداخن عوادم السيارات، ثم ينفثونها من مناخرهم بطريقة عجيبة وكأنهم يعرفون طريقة التنين!
ونحن بالمثل لا نقل عن الكبار في شيء، أي شيء، فلربما بلغت أيدينا إلى علب الكبريت وحاويات السجائر، فنفعل ما يفعلون متقمصين الأدوار إذا سلمنا من عين الرقيب وسلطة الحسيب، وإذا تعذر بلوغنا للسجائر فإننا نثني الأوراق ونضرم في أطرافها النار، ثم نرتشف مستمرئين من الأعقاب!
لا تطول تلك المتعة والتسلية طويلًا، حيث يكتشف الأمر أحدهم، فالمناخر تشم رائحة الحريق، فيهرعون لنا مذعورين ليفسدوا علينا متعتنا في عصبية هوجاء، وكأن سيارة الأطفاء تعلن الخطر وتطلق زامورها بضجيج مفزع، كل ذلك يجري لنا ونحن في قمة الاعتراض، لم نكن نقبل بتسلط الكبار، ولم نكن ندرك لماذا كل هذا الاضطراب؟، ونقول: لماذا يجوز لهم ولا يجوز لنا؟، بائان متجاورتان إحداهما تجر والأخرى ممنوعة من الجر!
وحين كبرنا عرفنا أنه من الطبيعي للكبار المحافظة على الصغار ، وأن ما كنا نزاوله مجرد طيش ولعب قد يؤدي إلى سوء العاقبة، فلقد قرأت أن أحدهم صنع مثل ما صنعنا من إحراق أطراف السجائر الورقية، فتحولت الدار إلى رماد حين استفحل النار بالمكان واشتعل الحريق، والآن نحمد الله على سلامتنا أيام الصغر وأن هناك عيون كانت ترقبنا في وجل أيام الطفولة، فهل يدرك أبنائنا ما نخشاه عليهم هذه الأيام؟، ربما لا يدركون مخاوفنا لصغرهم، ولكنّ ذاكرتهم ستنقل لهم المشاهد والصور، حينها سيدركون أنهم يتنفسون الأخطاء كما يتنفسون الهواء، حينها فقط سيدركون أننا على صواب، ويترحمون علينا إذا كنا أمواتًا ولربما يبكون!