الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

حافر الزعفران

 



حافر الزعفران.. حين يخطّ الجَمال أثره في القلوب


صدر حديثًا عن دار زحمة كُتّاب للنشر والتوزيع رواية "حافر الزعفران" للروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد، وهو عملٌ أدبيٌّ يتوغّل في العوالم الروحية عبر رموز الجمال والطهر، حيث يمتزج الوجدان بعبق الزعفران، وتتحوّل الخطى إلى قصائد من نور.


على ضفاف الفرات، حيث تتعانق الحكاية بالعطر وتغتسل الأرواح ببهاء الشرق، تولد رواية تأخذ القارئ إلى عوالم من السحر والجمال والدهشة التي لا تنقضي.


"حافر الزعفران" ليست مجرّد رواية، بل سِفرٌ من النور والذاكرة، تروي سيرة الجمال حين يُبتلى بالأنظار، وسيرة الطهر حين يُمتحن بالعاطفة والمخاطرة.


رواية تفيض بالشجن والبطولة، وتجمع بين نقاء اللغة ووهج الأسطورة، حيث يمتزج الواقع بالحلم، وتُختبر القلوب في امتحان الجمال والمروءة. كل مشهدٍ فيها نفحةُ زعفرانٍ على ورق الذاكرة، وكل سطرٍ نهرٌ من الشوق يجري نحو القلب.


من اقتباسات الرواية:


"لم يُعطَ أحد من الحُسْن كما أُعطي، وكأنه وارث يوسف بن يعقوب".


"احتوَوا ياقوت وزمرد تسعةُ ذئابٍ رماديةٍ مفترسة، تريد أن تشبع من اللحم وترتوي من الدم".


"هجم ذئب على وجه زمرد، فتناول كاتمُ السر شعلةَ النار…".


"حافر الزعفران" عبقُ الشرق وسحرُ الحكاية على ضفاف الفرات.


نبذة عن المؤلف:

عبدالعزيز آل زايد، كاتب وروائي سعودي، وُلِد عام 1979م في مدينة الدمام. يهتم بالسرديات التاريخية ذات الأبعاد الروحية والرمزية، ويعمل معلمًا في إدارة التعليم بالمنطقة الشرقية. أصدر أكثر من ٢٠ مؤلفًا في الأدب والفكر والنقد والثقافة، وله مقالات منشورة في عدد من الصحف والمنصات الأدبية، ويُعد من الأصوات السردية البارزة في المشهد الخليجي المعاصر.


حاز جائزة ناجي نعمان الأدبية في بيروت عام 2020م، ونال لقب "سفير الثقافة بالمجان" عام 2022م تقديرًا لإسهاماته في نشر الوعي الأدبي والثقافي. يقول الكاتب عن نفسه: "عشقي الكتابة ونفسي الشعر، أبعثر الحروف فيكتمل السرد، ومع كل ذلك أبقى أحمل بيرقًا مشتعلًا لإنارة الجيل الصاعد، أليس المعلم يوشك أن يكون نبيًا ورسولًا؟".


رحلة برفقة قلم

 


رحلة برفقة قلم.. ومضات في درب الذات


صدر حديثًا عن دار زحمة كُتّاب للنشر والتوزيع، كتاب «رحلة برفقة قلم» للأديب السعودي عبدالعزيز آل زايد، وهو عمل أدبي فكري يجمع بين التأمل والحكمة، يقدّم فيه الكاتب خلاصة مسيرته مع الكلمة، وما اختبره من دهشة الكتابة ونضج الوعي وجمال البوح الصادق.


من بين ضجيج الحياة وتزاحم الأصوات، يخرج الكاتب عبدالعزيز آل زايد ليختار رفيقًا مختلفًا… القلم. لا يكتب ليمرّ الوقت، بل ليصنع أثرًا. فـ«رحلة برفقة قلم» ليست تجميعًا لمقالات، بل خلاصةُ مسيرةٍ طويلة، تشهد على أعوامٍ من القراءة، والبحث، والتأمل، ومجالسة الكلمة بصدقٍ وصبر.


كل مقالةٍ في هذا الكتاب كُتبت كما تُكتب الرسائل إلى الحياة؛ بوعيٍ نقي، وشغفٍ متجدد، وحرصٍ على أن تبقى الكتابة فعل بقاءٍ في زمن الزوال. هي أوراقٌ خرجت من رحم التجربة، ومن لهفة العودة إلى الورق بعد غيابٍ اشتاق فيه القرّاء لصوتٍ صادقٍ يكتب كما يشعر، ويشعر كما يؤمن.


ما الذي يجعل هذه الرحلة مميزة؟ لأنها ليست رحلة قلمٍ فحسب، بل رحلة إنسانٍ أدرك أن الكتابة مرآة الوعي، وأن الكلمة إن لم تُروِ عطش القلب، فلن تُثمر في العقول. يمتزج في هذا العمل الفكر بالتأمل، والعاطفة بالعقل، والحكمة بالبساطة التي لا تنفصل عن الجمال.


ستجد في صفحاته دهشة البدايات، ودفء النهايات، وأثر الكاتب في كل فاصلةٍ ونقطة.

تقرأه فتشعر أنك تمشي مع قلمٍ يتنفّس، وتستمع إلى روحٍ تُدوّن ما تعلّمته من صمت الحياة.


“رحلة برفقة قلم”، ليست مجرد كتاب، بل محطةُ تأملٍ تُعيد للقارئ شغفه بالورق، وتذكّره أن الكتابة حين تُخلِص، تصبح حياةً أخرى تُضاف إلى الحياة.

الخميس، 6 نوفمبر 2025

سنابل يوسف




صدر حديثًا عن دار زحمة كُتَّاب للنشر والتوزيع، كتاب «سنابل يوسف» للأديب الأستاذ عبدالعزيز آل زايد، وهو عملٌ أدبيٌّ روحيٌّ يقدّم تأملاتٍ إنسانيةً في قصة نبيّ الله يوسف عليه السلام، كما وردت في السرد القرآني البديع.


في هذا العمل البديع، يقدّم الكاتب عبدالعزيز آل زايد قراءة روحية متفرّدة في سورة يوسف، تعيد للحكاية القرآنية وهجها الإنساني الخالد، وتستخلص من بين سطورها دروس الصبر والعفو والتواضع.


ليس الكتاب تفسيرًا، بل تأمّل أدبي عميق في جمال القصة ومعانيها التي تفيض بالأمل، حيث تتحوّل “سنابل يوسف” إلى رمزٍ للرجاء الذي لا يذبل، وللنور الذي لا ينطفئ مهما اشتدّ ليل الابتلاء.


من البئر إلى السجن، ومن القميص إلى العرش، يسير القارئ في رحلةٍ تضيء له دروب الحياة، وتذكّره بأنّ سقوط الإنسان ليس نهاية الطريق، بل بداية لصعودٍ أجمل.


يقول الكاتب في مقدمة عمله: “في هذه السورة بصمة جودة وعلامة إتقان (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ). هنا يتجلّى طائر الأمل، هنا ينشر اليقين أجنحته. أنت الآن على مشارف إطلالة ستمنحك التملي من جمال يوسف. إنّ سنابله تهديك بعض أريجها وتضوع برحيق القيم الخالدة: (صبر، وعفو، وتواضع). هنا ستعيش تفاصيل الحكاية، حكاية البئر والسجن والعرش، حكاية القميص بألوانه الثلاث. إنّ سورة يوسف تمثّل أرجوحة الأمل التي لا تنقطع. من هذه الحكاية سنحصد سنابل التسامح والصفح، سنتعلم درس السموّ على الجراح. هذه السنابل رمزٌ خالدٌ لحياةٍ تستحق أن تُعاش، بطولةٌ خرافيّة شابهت إيقاع الأساطير. ألم تصلك الرائحة بعد؟ ألم تجد ريح يوسف؟ اقترب وستجدها فوّاحةً عطرة، رائحة عطاءٍ لا ينضب وشذى سنابل لا تذوي”.


«سنابل يوسف» عمل يوقظ في القلب يقينًا قديمًا بأنّ الله لا يضيع من أحسن عملاً، وأنّ وراء كل محنةٍ بذرةُ منحةٍ تنتظرُ هطول المطر.

الاثنين، 3 نوفمبر 2025

ثلاثية آل زايد المتفردة



ثلاثية آل زايد المتفرّدة

الصادرة عن دار زحمة كُتَّاب


بالحبر الذي يمزج الفكر بالعاطفة، والروح بالتأمل، يطلّ الأديب والروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد بثلاثة إصدارات جديدة تُثري المشهد الثقافي العربي، وتؤكد على شمولية تجربته في المزج بين الروح والفكر والحكاية. ثلاثة عوالم تتكامل لتشكّل مكتبة من الجمال: روحٌ تتحدث، قلمٌ يتأمل، وحكايةٌ تنبض.


*الكتاب الأول: سنابل يوسف


رحلة في ضوء الحكاية القرآنية التي وصفها الله بأنها "أَحْسَنَ الْقَصَصِ"، يعيد فيها الكاتب اكتشاف سيرة نبي الله يوسف عليه السلام برؤية معاصرة تُفيض بالأمل، وتزرع في القلوب سنابل العفو والصبر والجمال. في كل صفحة سنبلة، وفي كل معنى عطر. يذكّر الكاتب القارئ بأنّ الأمل لا يُدفن في البئر، وأنّ لكل غياب موعدًا مع النور. ويقول في طيات كتابه: "هذه السنابل رمزٌ خالدٌ لحياةٍ تستحق أن تعاش…ألم تصلك الرائحة بعد؟ ألم تجد ريح يوسف؟ اقترب وستجدها فوّاحة عطرة".



*الكتاب الثاني: رحلة برفقة قلم


كتاب يجمع خلاصة التجربة مع القلم، رفيق الدرب ومرآة الذات.

يأخذ القارئ في مسارٍ من المقالة إلى الحكمة، ومن اليوميات إلى التأمل، جامعًا بين حرارة الشغف وعمق الرؤية. إنه احتفاء بفعل الكتابة بوصفه رحلة وعي، يشارك فيها الكاتب جمهوره ثمرة أعوام من التدوين والتجريب، ليصبح دليلاً لكل عاشق للكلمة التي تترك أثرًا نقيًّا. يقول المؤلف في صفحات كتابه: "كانت لنا رحلة ماتعة برفقة القلم، فهناك من يعشق الكرة وهناك من يعشق التدوّين والتأليف. اخترت القلم رفيقًا؛ فالكتابة بالنسبة لي كالجناح للطائر، به يبلغ المقاصد ويحصل على الأهداف".


*الكتاب الثالث: حافر الزعفران


رواية تنبع من ضفاف الفرات، حيث تمتزج الأسطورة بوجع الإنسان، ويُختبر الجمال بامتحان الطهر والمروءة. عمل أدبي آسر، تتضوع صفحاته بعبق الشرق، وتغتسل لغته بضياء الروح. حافر الزعفران حكايةٌ عن النور حين يختبئ في وهج الجمال، وعن الإنسان حين يُبتلى بما وهبه الله من فتنة الحُسن والعاطفة. كل مشهد فيها نفحة من الزعفران، وكل فصل نهر من السرد يسيل من الفرات ولا يصب إلا في القلب. جاء في سطور روايته: "لم يُعطَ أحد من الحُسْن كما أعطي، وكأنه وارث يوسف بن يعقوب. النفوس تهفوا  إليه والأحداق نحوه تتشوق".


ثلاثية تستحق النظر، نداء إلى القارئ: فكر، تأمل، وعِشْ!. بين الفكر والوجدان، بين المقال والرواية، تتجلّى أعمال عبدالعزيز آل زايد بوصفها تجربةً أدبيةً فريدة تُعيد إلى الأدب العربي صفاءه ولمعانه الإنساني. ثلاثية تنوعها يعبّر عن وحدة الرؤية المتفردة.

الجمعة، 24 أكتوبر 2025

الثقة بوابة النجاح

 



في أعماق كل إنسان، توجد حكاية لم ترو بعد، وصوت خجول يخشى أن يرى النور! هذا الصوت ليس مجرد كلمات، بل هو وعي كامل بذاتك، هو إقرارك الحاسم بأنك مستحق، وأن لك مكانة تستحقها في هذه الحياة.


كثيرون يعيشون كظل عابر، يراقبون من بعيد، ينتظرون اللحظة التي تمنحهم فرصة الكلام، يظنون أن الحياة ستفتح لهم أبوابها إذا كانوا صامتين، أو إذا لم يزعجوا أحدا بفكَرهم المختلف. لكن الحقيقة الناصعة أن الإذن لا يُمنح، بل يصنع. فهل جربت أن تكسر الصمت وتطرح فكرك بصوت جهور؟


الثقة بالنفس ليست خطة عمل، بل هي رحلة اكتشاف، هي ليست بناء يكتمل في يوم وليلة، بل عملية حفر عميقة في تربة الذات؛ بحثا عن جذور القوة التي نسيناها. إنها التحول من كائن ينتظر إلى كائن مبادر يعشق تعليق الجرس.


فلِم لا تغير موقعك من كونك مجرد تابع بسيط إلى قائد يحرك المسيرة، من ظل معتم إلى نور مشرق؟! هي ليست غاية بحد ذاتها، بل هي البوابة التي ندخل منها إلى عالمنا الحقيقي؛ فكل خطوة صغيرة تخطوها في هذه الرحلة هي بناء لثقة راسخة لا تهتز.


أسرار لغة الجسد


كلنا يعلم أن اللغة عبارة عن كلمات منطوقة، لكننا ننسى أحيانا أن لهذا الجسد لغة أعمق وأصدق، هي لغة تسبق الكلمات وتكشف ما تخفيه الألسنة.


تأمل في شخص يقف أمامك بثبات، دون تشتت في عينيه، أو ارتعاش في يديه، وكأن الأرض من تحته هي امتداد له. عندما ينظر إليك مباشرة، هو لا يوجه إليك تحديا، بل يوجه إليك دعوة صامتة للإقرار بوجوده. في تلك اللحظة، لا يخبر الآخرين أنه موجود فحسب، بل يخبر نفسه أنه يستحق أن يرى.


هذه النظرة الثابتة هي مرآة داخلية، تعكس مدى تصالحه مع ذاته، وهي أول حجر يضعه في بناء ثقته.


على النقيض، هناك أجساد تشبه العواصف، صاخبة وحازمة في الظاهر، لكنها تخفي هشاشة النفس في داخلها، وهناك أجساد أخرى تشبه السعف المرتعش، تنتظر الريح لتدفعها.


لكن لغة الجسد التي تحمل الثقة هي التي تبدو هادئة وممتلئة، نبرة الصوت ليست عالية، بل عميقة وحاسمة، وكأنها تأتي من أعماق الوعي.


إنها ليست صوت من يريد أن يسيطر، بل صوت من يعرف أنه يمتلك القدرة على ذلك! لديه ما يكفي من الحزم، ليس في صخب الصوت وزمجرته، بل في عمق الحضور وصدق وجوده.


لغة الجسد الواثقة تروي قصة كاملة عنك دون أن تنطق بكلمة واحدة، هي عقد مكتوب بينك وبين العالم، يحدد شروط وجودك.


وقد أثبتت دراسات علم النفس أن تبني وضعيات جسدية قوية يمكن أن يؤثر فعليا على كيمياء الدماغ، مما يعزز شعورك بالثقة والسيطرة.


مفتاح الثقة بالنفس


لنبدأ بهذه التساؤلات: لماذا نخشى المبادرة بالحديث؟ لماذا ننتظر الآخرين ليفتحوا لنا الأبواب؟ هل تعلم أن كل كلمة تبدؤها هي إعلان استقلال، وخطوة تخطوها نحو الأمام، هي شهادة فخرية تثبت بها لنفسك أنك جدير أن تبدأ رحلتك، وأنك لست في حاجة لمن يدفعك؟


في كثير من الأحيان، يكون حاجز التعبير عن الرأي هو اعتقاد أن آراءك لا قيمة لها، أو أنها لن تختلف كثيرا عن آراء الآخرين، وهذا قد لا يكون صحيحا؛ فكل واحد فينا له ذائقته الخاصة.


إن التعبير عن الرأي ليس ترفا، بل هو حق عليك انتزاعه لنفسك.. هو رسالة تؤكد لك أولا أنك تستحق أن تُسمع، وأن صوتك له قيمة، حتى لو كان رأيا يتيما يخوض عباب بحر مختلف.


هل تعلم أن هذا الطريق المتفرد يسمى في علم النفس بـ"أثر الأسبقية"، حيث يميل العقل البشري إلى إعطاء وزن أكبر لأولى المعلومات التي يتلقاها عن شخص ما، مما يجعل مبادرتك ترسخ انطباعا إيجابيا عنك.


كلنا سمعنا قوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}… أتظن أن هذا الخطاب مجرد إرشاد، أم أنه دعوة عميقة لنعمل من الداخل لإحداث الفرق في الخارج؟


عليك أن تعرف أن التغيير يبدأ منك أنت، من قرارك أن تكون الصوت الأول، أن تؤمن بأن فكرتك تستحق أن تسمع. ثقتك بنفسك ليست ترفا، إنما هي مسؤولية تجاه ذاتك وتجاه هذا العالم، وصمتك قد يحرم العالم من فكَرك الفريدة، فربما تحل مشكلة، أو قد تضيء طريق أحدهم.


التحدي مسار القوة


نتعرض جميعنا للتحديات، وقد نشك في مقدرتنا على تجاوزها، إلا أننا نستطيع مواجهة هذه التحديات مع التحلي بالشجاعة… علينا أن نعترف بهذه الصعوبات ثم نقبل التحدي، عليك أن تقول لنفسك: "أنا قادر على تجاوزها".


والآن، تأمل هذه القصة: يحكى أن رجلا أوشك أن يفقد كل شيء، ليس بسبب نقص في قدراته، بل بسبب تردده؛ كان هذا الرجل يخشى المغامرة ويفضل البقاء في منطقة الراحة، حتى أدرك أن ثمن هذه الراحة إضاعة الفرص.


وفي لحظة من لحظات اليأس، قرر أن يخطو خطوة واحدة، خطوة صغيرة ومترددة، لكنها كانت كافية. وعندما واجه التحدي، اكتشف في داخله قوة لم يعهدها! لم ينتصر على كل شكوكه دفعة واحدة، لكنه استطاع أن يتجاوز العقبات في كل مرة، ثم أدرك أنه تحول من شخص يهرب من ظله، إلى شخص يمسك بزمام أموره.


فماذا تستفيد من هذه الحكاية؟ هذا هو بالضبط جوهر الثقة بالنفس، الثقة بالنفس ليست حصانة من الشعور بالتردد، بل هي إيمان بأن لديك القدرة على التغلب على الظروف والتحديات.

إن كل تجربة صغيرة تتغلب فيها على تحدٍ ما هي حجر أساس في بناء ثقتك بنفسك؛ بمعنى أن كل تحدٍ هو رسالة، وكل تعثر هو فرصة، وكل نجاح هو شهادة على قوتك الداخلية.


في ختام المطاف نقول لك: دع صوتك يرى النور. بناء الثقة ليس نهاية الحكاية، بل هو مسار مستمر من الوعي والممارسة والتحدي! كل خطوة صغيرة، وكل كلمة تقال بثبات، هي شهادة على قدرتك على امتلاك حياتك، وإعادة رسم حدودك، ومنح صوتك حقه في الوجود.


في نهاية هذه الرحلة التأملية، نصدع بالسؤال الأعمق: هل أنت مستعد لأن تكون صاحب هذا الصوت؟ هل ستقرر أن هذا اليوم هو نقطة التحول، وأن وجودك يستحق أن يُرى ويسمع؟


تذكر دائما أن القوة بداخلك، والقدرة على التغيير حقيقية، وأن الثقة تبدأ بخطوة واحدة، وبصوت واحد، وبإيمان عميق بذاتك. ومهما كانت العواصف من حولك، ومهما كانت الشكوك في داخلك، تذكر هذه الآية المباركة التي تقول: {ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.. هذا ليس مجرد وعد، بل هو إقرار بأن القوة فيك، وأنك ستحقق غاياتك وأحلامك إذا آمنت بنفسك.


السبت، 11 أكتوبر 2025

نصوصٌ تمشي على نور

 



"نصوصٌ تمشي على نور"
إصدارات آل زايد الجديدة

في مشهد ثقافي عربي يزدحم بالإصدارات العابرة، تبرز بعض الأعمال كـ «مرافئ روحية» تهب القارئ لحظات من الصفاء والدلالة. ومن هذا المنطلق، يطل الكاتب السعودي عبدالعزيز آل زايد بأربعة عناوين جديدة تشكل لوحة متكاملة من الرحلة، والتربية، والسيرة، والتأمل، صدرت عن دار صاد للنشر والتوزيع – الجزائر.

هذه الإصدارات ليست مجرد كتب، بل تجارب وجدانية متقنة الصياغة، تسعى إلى أن تلمس القلب قبل العقل، وتعيد للأدب وظيفته الأولى: أن يُنصت الإنسان إلى ذاته.

الحنين إلى مكة
رحلة تأخذك للحج قبل أن تحج
في زمنٍ تسارعت فيه الوتيرة حتى كادت الروح تضيع في الزحام، يقف هذا الكتاب كأيقونة روحانية تعيد ترتيب الصمت في داخل الإنسان. ليس الحنين إلى مكة يوميات حجٍ عابرة، بل خلاصة إحدى عشرة حجة، جمعها الكاتب في مصحف وجداني يقطر خشوعًا، وينسج من تفاصيلها رحلة تفيض بالسكينة.

يرافق المؤلف القارئ من لحظة التهيؤ للسفر حتى لحظة الانكسار أمام الكعبة، يصف الرجفة الأولى، والدمعة الخاشعة، والسكون الذي لا يُترجم بكلمات. السرد هنا لا يكتفي بالوصف، بل يلتقط النبض الروحي للحظة، ويمنح القارئ إحساس الحضور وكأنه يقف هناك بنفسه. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «لم يكن هذا الكتاب توثيق عام واحد من الحج، بل مجموعة قطفات، من كل عام نخلة، ومن كل موسم ثمرة… فإذا اجتمعت أثمرت حديقة من الذكريات». هذا الكتاب ليس دليلًا للحج، بل مرآة يُرى فيها الحج كما يُعاش، لا كما يُقال.

أبي لا تضربني
نداء تربوي لإعادة بناء جسور الأسرة، صرخة صغيرة، لكنها تهز جدارًا سميكًا من الصمت. في هذا العمل يضع الكاتب القارئ أمام واحدة من أكثر القضايا التربوية إيلامًا وصدقًا: كيف يسمع الأب ما لا يُقال؟ وكيف يقرأ ملامح الاستغاثة الصامتة في عيون طفله؟ الكتاب موزّع على خمس باقات تربوية، تحتوي على خمسٍ وعشرين قضية عائلية محورية، كُتبت بلغة أدبية وتربوية رقيقة لا تهاجم بل توقظ. يعرض أثر القسوة وغياب الحوار لا بلغة التوبيخ، بل بلسان الطفل نفسه، ذلك الذي يُحب ولا يُفهم. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «هل ستكون ذلك العملاق المُهشِّم للأقداح والقوارير؟ أم ستكون صاحب الإبريق الحاني الودود الذي يسكب في الفناجين أرق نسمات ما لذ وطاب؟». هذا الكتاب ليس تنظيرًا تربويًا جافًا، بل جسر بين جيلين، ودعوة رصينة إلى أن تكون التربية احتواءً لا خوفًا.

مرايا البدر
سيرة وجدانية تعكس جمال النبوة. حين تُروى السيرة النبوية بلسان المؤرخين، تبقى معلقة بين السطور، أما حين تُروى بلسان من عايشها قلبًا وقالبًا، فإنها تصبح نورًا حيًّا. في مرايا البدر لا يروي الكاتب سيرة النبي ﷺ بالأسلوب التقليدي، بل يعكس نوره في مرايا القلوب التي أحبته. كل لوحة من هذا الكتاب هي صدى لضياء النبوة كما ظهر في مواقف الصحابة، وارتسم في الوجدان الإنساني. هذا العمل الأدبي والروحي يربط الماضي بالحاضر، فيعيد القارئ إلى تلك اللحظات التي لم يكن فيها محمدٌ ﷺ مجرد نبي، بل معلمًا للحب، وملجأً للقلوب. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «يكفي المرآة أن تقف قبالة البدر لينعكس منها ضوء النبي؛ فيشع شهاب قبس يصطلي منه التائه الحيران، ويسترفد منه المكلوم الظمآن». كتاب يوقظ الحنين إلى الأصل، ويعيد السيرة إلى الحياة، كما لو كنت تراها لأول مرة.

لا تذبحوا الإوزة
كبسولات فكرية خفيفة، عميقة الأثر. ليس كل ما يُقال يُقال كثيرًا. أحيانًا، كلمة واحدة توقظ شجرة من المعاني. بهذه الروح جاء كتاب لا تذبحوا الإوزة، وهو مجموعة من المقالات القصيرة التي كُتبت في لحظات صفاء نادرة، تلتقط فيها الروح شيئًا من المعنى الهارب من ضجيج الحياة. الإوزة في عنوان الكتاب استعارة عن الأفكار الخصبة التي تمنح الحياة معناها، والتي علينا رعايتها لا خنقها. لذلك، جاءت هذه النصوص مكثفة كالكبسولات، لكنها تُحدث أثرًا ممتدًا في ذهن القارئ. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «تمر على الواحد فينا حالات من الصفاء، ولحظات من الأنس، وقبسات من نور الحكمة… في تلك الحالات النوادر يكون لجرّة الحبر مذاقها الخاصّ، ونكهتها الفريدة». كتاب يليق بالقارئ الذي يطلب الكلمة الصافية لا الضجيج.

نبذة عن المؤلف
عبدالعزيز آل زايد كاتب وروائي سعودي من مواليد الدمام (1979)، يعمل في التعليم، وله أكثر من خمسة عشر إصدارًا أدبيًا تنوّعت بين السرد الروحي، التربية الواعية، المقالة الفكرية، والرواية الرمزية.

نال جائزة الإبداع من مؤسسة ناجي نعمان للثقافة عام 2020، ولقب «سفير الثقافة بالمجان» عام 2022.

يُعرف بأسلوبه الأدبي المتفرّد الذي يجمع بين العذوبة اللغوية والعمق الإنساني، وبقدرته على تحويل الفكرة إلى تجربة وجدانية حقيقية.

«هذه الإصدارات الأربعة ليست كتبًا للقراءة وحسب، بل نوافذ صغيرة تفتح على عوالم أوسع، فيها عبق الروح، ولمسة الأب، ونور البدر، وهمسة الحكمة».

جميع الإصدارات متوفرة عن دار صاد للنشر والتوزيع – الجزائر.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

خطوتك الأولى نحو النجاح

 



كثيرا ما نعيش وهم البحث عن الكمال؛ ننتظر لحظة سحرية تمنحنا الإذن بالتحرك والانطلاق. هذا الوهم يغذي فينا شعورا عميقا بعدم الكفاية والاستحقاق، ويقودنا إلى مقارنات مستدامة. والحقيقة الجوهرية أن الموارد والقدرات التي نملكها موجودة بالفعل، وأن الوفرة لا تبدأ إلا بالاعتراف بما لدينا والبدء به الآن دون تسويف.

يحكى أن فتاة تدعى مريم حلمت منذ سنوات بإطلاق مشروعها الخاص، لكن شعورها بثقل الانتظار جعلها تؤجل البداية بحجة الحاجة إلى المزيد من المال والخامات. وفي النهاية قررت أن تبدأ بما لديها من قماش بسيط؛ لم تكن حقائبها مثالية، لكنها كانت كافية للانطلاق. وبفضل التجربة والإقبال، استطاعت تطوير مشروعها خطوة فخطوة! فماذا لو لم تنطلق؟

شيء مشابه حدث مع شاب اسمه أحمد، واجه التردد ذاته، وتملكه الخوف من الأخطاء والتعثر. غير أنه قرر المضي رغم ذلك، فبدأ بالكتابة على مدونته الشخصية، وبعد عام واحد فقط أصبح لديه جمهور، وعرض عليه عقد نشر كتابه الأول. لقد أثبتت له هذه الانطلاقة أن الخبرة تأتي تدريجيا بالعمل، وأن الأخطاء محطات طبيعية على طريق الإنجاز.

هذه الدروس لا تقتصر على الأفراد وحسب؛ فأعظم الابتكارات نشأت من ظروف صعبة. كان فهد موظفا في شركة تعاني ضائقة مالية، فاستغل القيود كفرصة للتفكير خارج الصندوق، وأطلق حملة تسويقية مبتكرة أعادت النشاط للشركة بتكلفة شبه معدومة. إن الإبداع ليس حكرا على أصحاب الموارد، بل ثمرة تفكير مغاير.

كثيرون ينشغلون بالعمل الخارجي، وينسون أن النجاح الحقيقي ينبع من الداخل، من الصفات الصامتة التي نملكها. خالد كان رساما يواجه رفضا متكررا، لكنه استمر في الرسم بما يتوافر لديه، غير آبه بذلك الرفض. فماذا حدث؟ وصل خالد إلى مرامه بعدما واصل بمرونة وانضباط. إذًا، ندرك أن هذه الطريقة الجادة والمرنة في التعاطي أصل حقيقي يقود إلى النجاح.

صحيح أن الصفات الداخلية مهمة، لكن احترام البداية الصغيرة أساس لكل إنجاز عظيم. بدأت نورة بخياطة فساتين بسيطة لدميتها، غير أن حبها للتفاصيل ومثابرتها ساعداها على تطوير مهاراتها وفتح الطريق لإطلاق مجموعتها الخاصة لاحقا. عليك أن تدرك أن كل خطوة صغيرة اليوم تبنى عليها النجاحات الكبيرة غدا.

ويحكى أن فتاة تدعى ليلى كانت تحلم بتصوير مشاهد من حياتها اليومية، لكنها كانت تخشى ألا يقدر الآخرون أعمالها. قررت أن تنشر صورة واحدة فقط على حسابها الشخصي؛ لم تتوقع تفاعلا كبيرا، لكن الصورة جذبت متابعين وأصدقاء جددا، وشعرت لأول مرة بقوة البدء رغم الخوف العميق. فهل انتابك مثل هذا الشعور؟ ولماذا لا تفكر في الانطلاق؟

إليك نموذجا آخر.. شاب طموح اسمه سامر أراد تحسين بيئة مكتبه الصغير، لكنه لم يكن يملك ميزانية لذلك التغيير. ومع ذلك بدأ بتنظيم الملفات، وزين أحد الأركان بالورود.

هذه المبادرة الصغيرة رفعت من معنويات الفريق، وأدت العناية بتلك التفاصيل البسيطة إلى تغيير كبير في بيئة العمل. وبعد أشهر قليلة، تحقق له ما كان يرجوه وزيادة.

في النهاية، ما نريد قوله من خلال هذه النماذج الواقعية هو أن التغيير لا ينتظر، وأن الوفرة ليست شيئا نطارده، بل هي حالة ذهنية نبنيها بقراراتنا اليومية وعملنا المستدام. إنها تكمن في الخطوة الأولى التي نتخذها، في الإبداع الذي نولده من رحم العسر، وفي الإيمان بقدراتنا التي لم يرها العالم بعد.

والآن، الخطوة الأولى بين يديك.. إنها فرصتك لتصنع الفرق، أفتتخذها اليوم أم تنتظر إلى غد قد يبخر من رأسك الأحلام؟

الأحد، 21 سبتمبر 2025

الثقافة السعودية في الميزان

 



في كل مسيرة، يشكّل منتصف الطريق لحظة فارقة: فرصة للتأمل، ومجالًا لإعادة التقييم قبل بلوغ الغايات. وفي مسيرة المشهد الثقافي السعودي، يبرز سؤال جوهري: ما الذي تحقق؟ وما الذي تأخر؟ وأين نقف اليوم؟ وما الذي ينبغي فعله لتكتمل الصورة وفق الطموح الثقافي لجيل اليوم وللأجيال القادمة؟

بين ما تحقق وما لم يتحقق، تأتي هذه القراءة الهادئة لمشهد الثقافة السعودية، في منتصف الطريق إلى رؤية 2030، لا للتهليل، ولا للتقريع، بل لفهم الصورة كاملة: أين نحن؟ وماذا نريد أن نكون؟

أولًا: نصف الطريق ونصف الصورة

قبل سنوات قليلة، لم تكن الثقافة في السعودية تمثل قطاعًا فاعلًا في التنمية. الفنون كانت تُمارس في نطاقات ضيقة، والأنشطة الثقافية تقام غالبًا بمبادرات فردية، وسط غياب للإطار المؤسسي. ومع انطلاق رؤية 2030، بدأت الصورة تتبدل، ودخلت الثقافة دائرة الضوء.

لقد أُنشئت هيئات متخصصة، ونُظّمت مهرجانات نوعية، وظهرت فعاليات جديدة في الفضاء العام. أصبح للصوت الثقافي حضور، وللإبداع موقع على الخارطة، ربما لا يزال في طور التشكل، إلا أنّ بعض المنجزات يُعد لافتًا، وبعضها ما زال في طور النمو.

بدأت المملكة اليوم تحجز موقعًا ثقافيًا على المستوى الإقليمي والدولي، لا من باب التقليد، بل من بوابة التجدد والأصالة. ففي مجال التراث، سُجّلت مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي لليونسكو، مثل: “حمى الثقافي” و“جدة التاريخية”، وهذا يصب في الذاكرة الجماعية، ويعد تسجيل نقطة. كما بدأ الزي السعودي التقليدي يُوثّق ويُحتفى به، لا كتذكار جامد، بل كهوية حقيقية: تُروى وتُلبس وتُحيا.

كل هذا ليس مجرد مظاهر، بل إشارات عميقة على تحوّل جذري قادم. لكنه، برغم هذا التألق، لا يزال السؤال المثير قائمًا: هل وصل الحراك الثقافي إلى بيتك؟ إلى قريتك الصغيرة؟ إلى ابنك الذي يخط أول قصة في دفتره؟ أم أنه ما يزال، في كثير من الأحيان، حبيس الصالات المغلقة والفعاليات الموسمية والأسوار الرسمية؟ هل تجاوز مركز المدينة إلى أطراف الوطن الواسع، أم لا يزال متقوقعًا في مراكز محددة فقط؟

ثانيًا: ثغرات ينبغي أن تُثار

١- الفعاليات الثقافية لمن؟

الملاحظ أن أغلب الفعاليات الثقافية الكبرى تتركّز في مدينتَي الرياض وجدة. ورغم أهمية هاتين المدينتين، إلا أن بقية المناطق تبدو وكأنها خارج الخريطة وبدون حضور ثقافي. لنسأل: ماذا عن نجران، والجوف، وتبوك، والباحة، وجازان؟ أليست هذه المناطق تملك إرثًا ثقافيًا غنيًا، وإمكانات بشرية ومواهب مبدعة هائلة؟ هل نكتفي بأن تبقى متفرّجة على العرس الثقافي دون أن تشارك في الزفاف الكبير؟

٢- هل يصلك التمويل؟

الجميع يعرف أن حجم الدعم المخصص للثقافة مئات الملايين من الريالات سنويًا، لكن هل يصل هذا الدعم فعليًا إلى الفنان الصغير في أبها، أو الشاعر المبتدئ في قرية نائية؟ أم يظل محصورًا في من يعرف الطرق المختصرة إلى المؤسسات الكبرى؟ المنح والدعم ليست رفاهية، بل رافعة أساسية لاكتشاف المواهب الخفية في هذا الوطن العزيز.

٣- بين التراث والمعاصرة

لا يخفى أن الاحتفاء بالتراث جميل ومهم، غير أنّه لا ينبغي أن يكون هو حجر الأساس الوحيد. إنّ ما نخشاه هو أن يتحول هذا التراث من كونه مصدر إلهام إلى سقف يحدنا ويحاصرنا، فلا نستطيع التحليق.

نعم، هناك ما هو أعمق وأشد تأثيرًا في صُلب الثقافة من التراث وحده، لهذا نتساءل: أين إنتاج المعرفة؟ أين صناعة الكتاب وتعميق اللغة؟ أين تحفيز العقول على التساؤل والتفكير؟ الثقافة لا تُبنى بالاحتفال بالماضي فقط، بل بصناعة الوعي الجديد للأجيال.

٤- التعليم وسوق العمل

الخريجون من الجامعات في كل عام بالمئات من أقسام اللغات، الترجمة، الإعلام، التاريخ، الفلسفة، وعلم الاجتماع… تخصصات تُشكّل العمود الفقري لأي حراك ثقافي ناضج. لكن، بعد التخرج، كثير من هؤلاء لا يجد طريقًا واضحًا. لا برامج تؤهله، ولا فرص تستوعبه، وكأن ما تعلموه لا يجد صداه في الواقع.

والسؤال البسيط: إذا لم تحتضن وزارة الثقافة هذه العقول، فمن يفعل؟ هل يُعقل أن نُخرج أجيالًا تعرف كيف تفكر وتكتب وتترجم، ثم نتركها على الهامش؟ المشاريع الثقافية لا تنهض بالمهرجانات وحدها، بل بمن يكتب لها ويخطط ويقيم أثرها. فهل نرى يومًا هؤلاء الخريجين في قلب المشهد، لا خارجه؟

٥- منصة “أبدع” لماذا لا تُبدع؟

عندما أُطلقت منصة “أبدع” لتسهيل التراخيص للمبادرات والفعاليات الثقافية، بدا الأمر كأنه نقلة منتظرة، تُخرج المبدعين من طوابير الانتظار الورقي إلى بوابة رقمية سريعة وواضحة. اسم المنصة وحده يكفي لإشعال الحماسة.

لكن الملاحظ أن الإجراءات تطول، والموافقات تتأخر حتى تفوت الفرص وتتحطم الآمال. هل المشكلة في التقنية؟ أم في طريقة الإدارة؟ هل نمتلك ثقافة التسهيل أم التعطيل؟ الإبداع لا ينتظر طويلًا، والمبدع إذا طالت به الوقفة، طوى فكرته ومضى. فهل تنطلق المنصة؟ أم تظل منصة “أبدع” لا تُبدع؟

٦- مشاريع تبدأ ثم تُنسى

كثير من المشاريع الثقافية تبدأ باحتفال لافت، وشريط أحمر يُقصّ، وكأن الافتتاح نهاية المطاف، لا بدايته. لكن، أين المتابعة بعد ذلك؟ المتاحف، المراكز، المبادرات المجتمعية بعضها لمع للحظة، ثم خفت. لماذا لا نشاهد خطة استدامة، وجداول متابعة، وقياسًا حقيقيًا للأثر؟

الافتتاح إذا لم يتبعه اكتمال، فهو لم يكتمل أصلًا. وما لم تُزرع الثقافة في الحياة اليومية، ستبقى بعض المشاريع مجرد صور أرشيفية معلقة على جدار الإنجاز… لا أكثر.

٧- الشراكات المجتمعية المغيبة

هل الثقافة مسؤولية جهة محددة؟ أم مسؤولية الجميع؟ لهذا جرى الحديث عن الشراكات، باعتبار أن الثقافة لا تُدار من فوق فقط، بل تنبت من التربة، كحقل الزهور.

كثير من الجهود المجتمعية تُقصى بهدوء، أو تُعامل وكأنها عشوائية، في حين أنها الأقرب للناس، والأصدق تعبيرًا عن نبضهم. إن دور المراكز الثقافية ليس اقتلاع البذور واستبدالها، بل رعايتها حتى تنمو. فإذا لم تتسع الدائرة لتشمل الجميع، ستبقى الثقافة مشهدًا فوقيًّا، بعيدًا عن واقع الحياة.

٨- أين أدوات القياس؟

ما معيار النجاح الثقافي لدينا؟ عدد الفعاليات؟ عدد الحضور؟ قد تبعث الأرقام على الرضا، لكنها لا تكشف الصورة الكاملة. التأثير الثقافي لا يُقاس بالكاميرات وعدد المقاعد المشغولة فقط.

بل بالوعي المتغير، والإقبال على الكتاب، وتأثير الفعاليات في الذائقة والسلوك. نحتاج إلى أدوات تقيس ما لا يُرى بالأرقام فقط، أدوات تكشف العمق لا القشرة. فالثقافة التي لا تغيّر الناس، لا تغيّر شيئًا.

ثالثًا: من “المركز” إلى “العمق”

الحل لا يكون بمزيد من الميزانيات فقط، بل بإرادة طموحة، واستماع فعلي، وقرارات تنطلق من الميدان لا من المكاتب. فماذا لو:
 • خُصص جزء أكبر من الدعم للمحافظات الصغيرة لمشاريع دائمة لا موسمية؟
 • فُتحت بوابات الدعم للمبدعين الأفراد والجمعيات الصغيرة، لا فقط للمؤسسات الكبرى؟
 • سُرّعت التراخيص، وقُلّصت العقبات، لتكون الثقافة فعلًا مساحة حرة للإبداع؟
 • جُدّدت المناهج الثقافية لتشمل الإبداع السعودي المعاصر، لا التراث فقط؟

ختام: الثقافة فعالية أم حياة؟

الثقافة ليست حفلًا صاخبًا، ولا بيانًا صحفيًا، ولا مهرجانًا يُنسى بعد أيام. الثقافة هي الحكاية التي ترويها جدة لأحفادها، هي القصيدة التي تُكتب في زقاق بالهفوف، هي اللوحة التي تُرسم على جدار في أبها، هي جلسة شعر في سكاكا، هي لقاء يجمع جيلين في ديوانية صغيرة.

الثقافة ليست للخواص، بل للجميع. وإن لم تصل إلى الناس ووجدانهم وأبنائهم، فهي لم تبدأ بعد. ولهذا، فالتحول الثقافي الذي نرجوه لا يُقاس بعدد الفعاليات، بل بنوع التأثير. لا بـ “كم المشاريع”، بل بـ “كيف تُغيّر المجتمع”. الثقافة التي لا تُلامس كل بيت، لا تزال في منتصف الطريق. ولحسن الحظ، لا يزال أمامنا وقت لإحداث التغيير.فهل وصلت الثقافة إلى حيث تسكن؟ هل طرقت باب بيتك؟ إن لم تفعل بعد… فهذه فرصتنا لنُغيّر الواقع نحو الأفضل.

الجمعة، 15 أغسطس 2025

كتاب لا تذبحوا الإوزة

 



كتاب لا تذبحوا الإوزة، في هذا العمل يجمع الأديب السعودي عبدالعزيز آل زايد طائفة من المقالات القصيرة، المنتقاة بعناية من محبرة أيامه وأزمنة تأملاته. يشير العنوان المغاير إلى رمزية دفينة، كأن الكاتب يناشد القارئ ألّا يعجّل بوأد لحظات الإلهام قبل أن تضع بيضتها الذهبية، ولا يقتل فكرة في مهدها قبل أن تبسط جناحيها.


في مقدمة تحمل عنوان من فيض المخبرة، يصف الكاتب تلك اللحظات الاستثنائية التي ينثال فيها الحبر وكأنّه وحي داخلي، فتولد الكلمات مطرّزة بدهشة صاحبها قبل قارئها. هذه المقالات وُلدت من مساحات صغيرة سُرقت من زحام الأيام، وشيّدت بهدوء على مدار الشهور، حتى استوت على سوقها لتخرج استجابة لصديقٍ صدوق ألحّ أن ترى هذه المدونات النور.


يتقصّد الكاتب أن تكون مقالاته مقتضبة، مراعية لزمن ضاقت فيه أوقات القراءة. لذا جاءت نصوصه كـكبسولات فكرية سريعة، تحمل بين سطورها تنويعات من الحكمة والتأمل، كألوان الزهر المتباينة في بستان واحد. يشبّه الكاتب كل مقالة بزهرة لها رائحتها الخاصة وطعمها المتفرد، تفتح شهية القارئ للمزيد من مسامرات الحبر.


لا تذبحوا الإوزة هو كتاب لمحبي النصوص المكثفة ذات الوقع البليغ، ورسالة من مؤلفه إلى القارئ بأن يحتفي بما تمنحه الكتابة من ومضات نورانية لا تعوض، وألا يعجل بذبح أفكار الأمس قبل أن تمنحه بيضتها الذهبية.

كتاب مرايا البدر

 



كتاب مرايا البدر هو عمل أدبي ووجداني يقتفي أثر أربعين روحًا حفت بالنبي محمد ﷺ، صاغها الأديب عبدالعزيز آل زايد في مقصورات أربع، تضم كل مقصورة عشر حيوات نابضة بالنور. أطلق الكاتب على هؤلاء الصحابة اسم مرايا، إذ كلٌّ منهم كان مرآة صافية تعكس ضياء البدر النبوي، وتقتبس من هديه الطاهر.


يمضي الكتاب في سرد حكايات هؤلاء النفر المبارك، لا كمجرد أحداث تاريخية جامدة، بل كمواقف حية تبث عبق الروح ودفء القلب، يستهل الكتاب بمقدم يروي فيها الكاتب قصة أسيد بن حضير يوم تخلف عن بدر، ثم لقاؤه بالنبي ﷺ، وما دار بينهما من عتاب عذب وعناق حبيب.


ينتمي الكتاب إلى أدب السيرة النبوية بمذاق قصصي إنساني، يضيء الجوانب العاطفية والوجدانية لشخصياته، ويستلهم من سيرهم دروسًا وعبرًا للقلوب المتعطشة إلى السيرة بوجهها الرحيم، الحاني، الذي يستبطن القلب قبل السطر.


مرايا البدر ليس مجرد استذكار لوقائع، بل استحضار لروح جيل شهد النبوة، وتشرّب النور، ليكون هذا الكتاب مرآةً نطل بها على أنوار الصحبة، ونتعلم من انعكاسها على حياتنا.