السبت، 11 أكتوبر 2025

نصوصٌ تمشي على نور

 



"نصوصٌ تمشي على نور"
إصدارات آل زايد الجديدة

في مشهد ثقافي عربي يزدحم بالإصدارات العابرة، تبرز بعض الأعمال كـ «مرافئ روحية» تهب القارئ لحظات من الصفاء والدلالة. ومن هذا المنطلق، يطل الكاتب السعودي عبدالعزيز آل زايد بأربعة عناوين جديدة تشكل لوحة متكاملة من الرحلة، والتربية، والسيرة، والتأمل، صدرت عن دار صاد للنشر والتوزيع – الجزائر.

هذه الإصدارات ليست مجرد كتب، بل تجارب وجدانية متقنة الصياغة، تسعى إلى أن تلمس القلب قبل العقل، وتعيد للأدب وظيفته الأولى: أن يُنصت الإنسان إلى ذاته.

الحنين إلى مكة
رحلة تأخذك للحج قبل أن تحج
في زمنٍ تسارعت فيه الوتيرة حتى كادت الروح تضيع في الزحام، يقف هذا الكتاب كأيقونة روحانية تعيد ترتيب الصمت في داخل الإنسان. ليس الحنين إلى مكة يوميات حجٍ عابرة، بل خلاصة إحدى عشرة حجة، جمعها الكاتب في مصحف وجداني يقطر خشوعًا، وينسج من تفاصيلها رحلة تفيض بالسكينة.

يرافق المؤلف القارئ من لحظة التهيؤ للسفر حتى لحظة الانكسار أمام الكعبة، يصف الرجفة الأولى، والدمعة الخاشعة، والسكون الذي لا يُترجم بكلمات. السرد هنا لا يكتفي بالوصف، بل يلتقط النبض الروحي للحظة، ويمنح القارئ إحساس الحضور وكأنه يقف هناك بنفسه. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «لم يكن هذا الكتاب توثيق عام واحد من الحج، بل مجموعة قطفات، من كل عام نخلة، ومن كل موسم ثمرة… فإذا اجتمعت أثمرت حديقة من الذكريات». هذا الكتاب ليس دليلًا للحج، بل مرآة يُرى فيها الحج كما يُعاش، لا كما يُقال.

أبي لا تضربني
نداء تربوي لإعادة بناء جسور الأسرة، صرخة صغيرة، لكنها تهز جدارًا سميكًا من الصمت. في هذا العمل يضع الكاتب القارئ أمام واحدة من أكثر القضايا التربوية إيلامًا وصدقًا: كيف يسمع الأب ما لا يُقال؟ وكيف يقرأ ملامح الاستغاثة الصامتة في عيون طفله؟ الكتاب موزّع على خمس باقات تربوية، تحتوي على خمسٍ وعشرين قضية عائلية محورية، كُتبت بلغة أدبية وتربوية رقيقة لا تهاجم بل توقظ. يعرض أثر القسوة وغياب الحوار لا بلغة التوبيخ، بل بلسان الطفل نفسه، ذلك الذي يُحب ولا يُفهم. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «هل ستكون ذلك العملاق المُهشِّم للأقداح والقوارير؟ أم ستكون صاحب الإبريق الحاني الودود الذي يسكب في الفناجين أرق نسمات ما لذ وطاب؟». هذا الكتاب ليس تنظيرًا تربويًا جافًا، بل جسر بين جيلين، ودعوة رصينة إلى أن تكون التربية احتواءً لا خوفًا.

مرايا البدر
سيرة وجدانية تعكس جمال النبوة. حين تُروى السيرة النبوية بلسان المؤرخين، تبقى معلقة بين السطور، أما حين تُروى بلسان من عايشها قلبًا وقالبًا، فإنها تصبح نورًا حيًّا. في مرايا البدر لا يروي الكاتب سيرة النبي ﷺ بالأسلوب التقليدي، بل يعكس نوره في مرايا القلوب التي أحبته. كل لوحة من هذا الكتاب هي صدى لضياء النبوة كما ظهر في مواقف الصحابة، وارتسم في الوجدان الإنساني. هذا العمل الأدبي والروحي يربط الماضي بالحاضر، فيعيد القارئ إلى تلك اللحظات التي لم يكن فيها محمدٌ ﷺ مجرد نبي، بل معلمًا للحب، وملجأً للقلوب. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «يكفي المرآة أن تقف قبالة البدر لينعكس منها ضوء النبي؛ فيشع شهاب قبس يصطلي منه التائه الحيران، ويسترفد منه المكلوم الظمآن». كتاب يوقظ الحنين إلى الأصل، ويعيد السيرة إلى الحياة، كما لو كنت تراها لأول مرة.

لا تذبحوا الإوزة
كبسولات فكرية خفيفة، عميقة الأثر. ليس كل ما يُقال يُقال كثيرًا. أحيانًا، كلمة واحدة توقظ شجرة من المعاني. بهذه الروح جاء كتاب لا تذبحوا الإوزة، وهو مجموعة من المقالات القصيرة التي كُتبت في لحظات صفاء نادرة، تلتقط فيها الروح شيئًا من المعنى الهارب من ضجيج الحياة. الإوزة في عنوان الكتاب استعارة عن الأفكار الخصبة التي تمنح الحياة معناها، والتي علينا رعايتها لا خنقها. لذلك، جاءت هذه النصوص مكثفة كالكبسولات، لكنها تُحدث أثرًا ممتدًا في ذهن القارئ. يقول المؤلف في بعض صفحاته: «تمر على الواحد فينا حالات من الصفاء، ولحظات من الأنس، وقبسات من نور الحكمة… في تلك الحالات النوادر يكون لجرّة الحبر مذاقها الخاصّ، ونكهتها الفريدة». كتاب يليق بالقارئ الذي يطلب الكلمة الصافية لا الضجيج.

نبذة عن المؤلف
عبدالعزيز آل زايد كاتب وروائي سعودي من مواليد الدمام (1979)، يعمل في التعليم، وله أكثر من خمسة عشر إصدارًا أدبيًا تنوّعت بين السرد الروحي، التربية الواعية، المقالة الفكرية، والرواية الرمزية.

نال جائزة الإبداع من مؤسسة ناجي نعمان للثقافة عام 2020، ولقب «سفير الثقافة بالمجان» عام 2022.

يُعرف بأسلوبه الأدبي المتفرّد الذي يجمع بين العذوبة اللغوية والعمق الإنساني، وبقدرته على تحويل الفكرة إلى تجربة وجدانية حقيقية.

«هذه الإصدارات الأربعة ليست كتبًا للقراءة وحسب، بل نوافذ صغيرة تفتح على عوالم أوسع، فيها عبق الروح، ولمسة الأب، ونور البدر، وهمسة الحكمة».

جميع الإصدارات متوفرة عن دار صاد للنشر والتوزيع – الجزائر.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

خطوتك الأولى نحو النجاح

 



كثيرا ما نعيش وهم البحث عن الكمال؛ ننتظر لحظة سحرية تمنحنا الإذن بالتحرك والانطلاق. هذا الوهم يغذي فينا شعورا عميقا بعدم الكفاية والاستحقاق، ويقودنا إلى مقارنات مستدامة. والحقيقة الجوهرية أن الموارد والقدرات التي نملكها موجودة بالفعل، وأن الوفرة لا تبدأ إلا بالاعتراف بما لدينا والبدء به الآن دون تسويف.

يحكى أن فتاة تدعى مريم حلمت منذ سنوات بإطلاق مشروعها الخاص، لكن شعورها بثقل الانتظار جعلها تؤجل البداية بحجة الحاجة إلى المزيد من المال والخامات. وفي النهاية قررت أن تبدأ بما لديها من قماش بسيط؛ لم تكن حقائبها مثالية، لكنها كانت كافية للانطلاق. وبفضل التجربة والإقبال، استطاعت تطوير مشروعها خطوة فخطوة! فماذا لو لم تنطلق؟

شيء مشابه حدث مع شاب اسمه أحمد، واجه التردد ذاته، وتملكه الخوف من الأخطاء والتعثر. غير أنه قرر المضي رغم ذلك، فبدأ بالكتابة على مدونته الشخصية، وبعد عام واحد فقط أصبح لديه جمهور، وعرض عليه عقد نشر كتابه الأول. لقد أثبتت له هذه الانطلاقة أن الخبرة تأتي تدريجيا بالعمل، وأن الأخطاء محطات طبيعية على طريق الإنجاز.

هذه الدروس لا تقتصر على الأفراد وحسب؛ فأعظم الابتكارات نشأت من ظروف صعبة. كان فهد موظفا في شركة تعاني ضائقة مالية، فاستغل القيود كفرصة للتفكير خارج الصندوق، وأطلق حملة تسويقية مبتكرة أعادت النشاط للشركة بتكلفة شبه معدومة. إن الإبداع ليس حكرا على أصحاب الموارد، بل ثمرة تفكير مغاير.

كثيرون ينشغلون بالعمل الخارجي، وينسون أن النجاح الحقيقي ينبع من الداخل، من الصفات الصامتة التي نملكها. خالد كان رساما يواجه رفضا متكررا، لكنه استمر في الرسم بما يتوافر لديه، غير آبه بذلك الرفض. فماذا حدث؟ وصل خالد إلى مرامه بعدما واصل بمرونة وانضباط. إذًا، ندرك أن هذه الطريقة الجادة والمرنة في التعاطي أصل حقيقي يقود إلى النجاح.

صحيح أن الصفات الداخلية مهمة، لكن احترام البداية الصغيرة أساس لكل إنجاز عظيم. بدأت نورة بخياطة فساتين بسيطة لدميتها، غير أن حبها للتفاصيل ومثابرتها ساعداها على تطوير مهاراتها وفتح الطريق لإطلاق مجموعتها الخاصة لاحقا. عليك أن تدرك أن كل خطوة صغيرة اليوم تبنى عليها النجاحات الكبيرة غدا.

ويحكى أن فتاة تدعى ليلى كانت تحلم بتصوير مشاهد من حياتها اليومية، لكنها كانت تخشى ألا يقدر الآخرون أعمالها. قررت أن تنشر صورة واحدة فقط على حسابها الشخصي؛ لم تتوقع تفاعلا كبيرا، لكن الصورة جذبت متابعين وأصدقاء جددا، وشعرت لأول مرة بقوة البدء رغم الخوف العميق. فهل انتابك مثل هذا الشعور؟ ولماذا لا تفكر في الانطلاق؟

إليك نموذجا آخر.. شاب طموح اسمه سامر أراد تحسين بيئة مكتبه الصغير، لكنه لم يكن يملك ميزانية لذلك التغيير. ومع ذلك بدأ بتنظيم الملفات، وزين أحد الأركان بالورود.

هذه المبادرة الصغيرة رفعت من معنويات الفريق، وأدت العناية بتلك التفاصيل البسيطة إلى تغيير كبير في بيئة العمل. وبعد أشهر قليلة، تحقق له ما كان يرجوه وزيادة.

في النهاية، ما نريد قوله من خلال هذه النماذج الواقعية هو أن التغيير لا ينتظر، وأن الوفرة ليست شيئا نطارده، بل هي حالة ذهنية نبنيها بقراراتنا اليومية وعملنا المستدام. إنها تكمن في الخطوة الأولى التي نتخذها، في الإبداع الذي نولده من رحم العسر، وفي الإيمان بقدراتنا التي لم يرها العالم بعد.

والآن، الخطوة الأولى بين يديك.. إنها فرصتك لتصنع الفرق، أفتتخذها اليوم أم تنتظر إلى غد قد يبخر من رأسك الأحلام؟