الأحد، 13 يوليو 2025

حارب الاكتئاب في حياتك

 



هل شعرت بالحزن يومًا؟ هل عشت في دوامة من ألم ذات نهار؟ البعض يرى أن الظروف هي التي تتحكم في أشرعته، غير أن الحزن قرار، وهذا القرار بأيدينا.

يروى أن رجلًا عانى الأمرّين من فرط الكآبة، فقرر أن يصنع ما يحب في يومه.. وضع هذا الرجل لنفسه قائمة أعمال: ساعة للقراءة، وساعة للكتابة، وساعة للتنزه، وهكذا وجد نفسه في سعادة غامرة، وعرف أن السعادة محض قرار واختيار، لا يتطلب منا إلا بضع خطوات صغيرة.

صحيح أننا لسنا بدعًا من بني البشر، فكلنا عرضة لتيارات الحزن الثقيلة التي يصعب علينا انتزاعها والخلاص منها، كلنا عرضة لمغازي الفقد والخسارة والإحباط.. وتطول القائمة. بعضنا يلجأ إلى سجادة الدعاء وقراءة القرآن، بعضنا يتناول عقارًا طبيًّا أو يعقد جلسة علاجية مع أخصائي نفساني طلبًا للاستشفاء، بعضنا يلجأ للتنفيس عبر تناول الطعام أو الاستماع للموسيقى أو الترحال والسفر.

تختلف طرق التنفيس عن هذه المكبوتات والآلام باختلاف الأشخاص والطبائع. وإن بلوغ حالة الموازنة النفسية تختلف مجهوداته من فرد لآخر، كما أن حالة الضيق والكدر لها درجات، بعضها يُحل ذاتيًا وبعضها يحتاج لمساندة علاجية.

في هذه السطور القلائل سنتحدث عن بعض الدروع التي تساهم في إسقاط بعض المنغصات والكوادر، من أجل تسريح بعض هذه الأوجاع ومحاربة هذا الداء، وإليك الحكمة.

1- "إذا ضاقت بك الدنيا، فلا تنسَ أن ربك أرحم بك من نفسك": لماذا الشعور بالوحدة وأنت بعين الله؟ يا صديقي إن عينًا في السماء ترعاك، فلمَ الحزن؟ لو قلّبت حياتك ستدرك أنك محاط بدوائر اللطف فلا تحزن.

2- "لا يُثقِل الله قلبًا بحِمل إلا لأنه يعلم أنه قوي بدرجة تكفي ليحمله": الدنيا ليست مفروشة بالورود، فكل واحد فينا تقف أمامه مجموعة عقبات عليه تخطيها، وكلنا قادر على هذا التخطي بما وهبه الرحمن من قدرات، بعضها يزول بالتجزئة، وبعضها يذوب بمرور الوقت.

3- "الألم طريق للنضوج، فلا تخف من المواجهة": في اللحظة الأولى قد نستصعب المحنة، ونراها أكبر من حجمها وأنه من المحال تحملها، ولكن العبرة بالختام؛ فاقبل التحدي وواجه امتحانك بالصبر، فهذه العقبات ستنتهي يومًا كسواها، وهي حتمًا ستقوّيك وتسرّع من نضوجك، فلا تبتئس.

4- "التغيير يبدأ من الداخل، فابدأ بالإيمان بنفسك": إذا أردت التعافي والنجاح في معترك هذه الحياة، فعليك أن تثق بذاتك وتؤمن بقدراتك، إن أبواب النجاح يلزمها الإيمان بأنك قادر ومستطيع، فلمَ لا تجرّب؟

5- "كل شدة ستمضي، وكل ليل يعقبه فجر": يتشاءم البعض لوجود بعض المنغصات، ويزداد هذا التشاؤم إذا امتد واستطال، ولكن التجارب تفصح أن ما بعد الشدائد فرج، فلنملأ صدورنا بالتفاؤل ولنمنح الأمل بعض وقت.

مرّ فلاح ذات يوم بحجر صخري كبير سدّ الطريق، وبعزم أزاح هذا الصخر، ووجد أسفله كيس الذهب الذي وضعه الملك ليختبر أفراد شعبه!. إنّ هذه الهمة تستحق هذا الذهب، فأين همتك التي ستحقق لك الفوز؟

يقول مارتن لوثر كينغ: "حتى في أحلك اللحظات، هناك شعاع من النور ينتظرك، ابحث عنه".. فكم من معضلة تمّ حلها!. وكم من مشكلة مستعصية كان الحل في خاصرتها!. فلنتحرك باتجاه التفتيش ولنتعقب رأس الخيط، فالحياة تفصح بلسان رطيب أن لكل مجتهد نصيبًا، قد نعيش عتمة الليل دهرًا، ولكن الفجر يلوح في الأفق وسيأتي وإن طال السُّرى.

إننا نمتلك من الثروات والنعم الكثير، ولكن الأعين لا تركّز الإبصار إلا على المفقودات.. يقول فرويد: "من يملك الصحة النفسية يملك كنزًا لا يُقدّر بثمن"، فهل ندرك قيمة الصحة وراحة البال؟ إنّ الماضي صفحة مطوية، والمستقبل صفحة ستكتبها يراعتك، أفتركب أعجاز الإبل، أم تحتل الصدارة؟

قيل إن رجلًا وقف أمام أبواب مغلقة، وفي لحظة قرار عزم على فتحها، فوجد أحدها مفتوحًا على الدوام، فلمَ لا نحاول؟. ويُنقل أن بحّارة غرقت سفينتهم، فقرر أحدهم أن يصنع من بقاياها زورقًا، فنجا وهلك الجميع.

إننا كثيرًا ما نظن أن الحل صعب مستصعب، ثم نتفاجأ بكونه سهلًا مستسهلًا كسهولة شرب القدح!. ألم يصادفك ضياع مفتاحك وهو في يدك؟ ألم تفتش عن قلمك دهرًا وهو في راحتك؟

يُنقل أن امرأة كانت تعيش الظلام الدائم، ولم تكن تملك إلا مصباحًا مكسورًا، فتغلبت على هذا الظلام بسهولة حينما أصلحت هذا المصباح المكسور، فلماذا ننتظر الغير والحل في جيوبنا؟

يُروى أن قائدًا كان يضيع في جميع رحلاته لكونه يعتمد على آراء الآخرين، فلما اصطحب معه بوصلة ترك الضياع وراءه وكان قائدًا بحق، فلمَ لا نحمل البوصلة؟

كلنا يمتلك عقلًا ناضجًا، فلمَ لا نديره لصالحنا؟ إن حالة الاكتئاب عرض طارئ، فلمَ لا نرمق الحياة بروح مختلفة؟. يقول إيليا أبي ماضي:

أيــهـا الشــاكي ومـا بك داءُ    
كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلا

إن نقطة الارتكاز تقع في دواخلنا، ولعل بيتًا من قريض الشعر يجبر الخواطر. يقول أحمد شوقي:

ولا تيـأسْ إذا ما ضقـتَ يومًـا فقد أضحى الفضاءُ له انفراجُ

ويقول الإمام الشافعي:

دع الأيــام تفــعل ما تشــاءُ وطِب نفسًا إذا حكم القضاءُ
ولا تجــزع لحـادثة الليـالي فمــا لحــوادث الدنــيـا بقاءُ

كل المنغصات إلى زوال، وكل عسر يعقبه يسر، وكل اضطراب نفسي له علاج ودواء، فلتدخل السكينة قلبك، وتوكل على الحي الذي يرعاك طيلة أيامك، فكل الهموم ستنقضي. ولقد صدق الشاعر قولًا:

الله عــوّدك الــجـمـيـل      
فقِسْ على ما قد مضى

الخميس، 3 يوليو 2025

لماذا لا نرفق بالصغار؟

 



في ظاهرة نبوية، كان النبي يطيل سجوده ليحتمل على ظهره الحسن والحسين، حتى إنّ بعض المسلمين ظنّ أنه خبر من السماء جاء أو وحيٌ نزل. بل كان أبو بكر يقول: "نِعْم الجمل جملكما"، ويرد النبي: "ونِعْم الراكبان هما".

بعضنا يقرأ الحادثة مرورًا ويغفل عن لطف النبي بالصغير.. ألم يبلغك مواساته لأبي عمير، حين قال له: "ما فعل النُّغَير؟!"؟ وما أبو عمير هذا إلا طفل هنئ بتدليل رسول الله، فأصبحت قصته حديث المجالس.

في زيارتي الأخيرة للروضة المباركة، اصطحبتُ معي ابني الصغير لأعرِّفه على المعالم الإسلامية، وأعقد أواصر المحبة بينه وبين نبيه، وحين اقتربنا من القبر الشريف للسلام عليه، ازدحمت الجموع فلم يرَ ابني شيئًا. هنا احتملتُ ابني من إبطيه حتى يرى ما لا يراه القصار، فأخذ يكركر ضحكًا وهو يقول: "أنت تضحكني"! كررت المحاولة وأنا أحمله من إبطيه، وهو لا يكف عن الضحك، حتى فشلت محاولاتي، فلجأت إلى التصوير، ليرى ما لم يكن يراه!

بعض الكبار لا ينتبه لرسالة النبي في الوداد مع الصغار، أليس هو الرحمة المهداة؟ أما كان رحمةً للعالمين؟ لماذا لا نتعلم منه فن الرفق والمداراة مع الأطفال؟

في لقطة ذهبية، أهدت طفلة صغيرة ترافق أباها قطعة حلاوة لابني الصغير، هنا انبثقت فكرة أن نوزع الحلاوة لكل طفل نراه أمامنا، وتسلم ابني هذه المهمة، فأخذ يلاحق الصغار ليمنحهم هداياه الصغيرة. رغم بساطة التجربة، فإننا كسبنا الكثير من الابتسامات، حتى من الآباء المرافقين، لهذا عقدتُ في عقلي ألا أنسى كيس الحلاوة حين أزور النبي.

الصغير أبسط معروف يفرحه، وكانت أمي تقول: "من أفرح صبيًّا أفرح نبيًّا"! فهل ندرك فعلًا أهمية إدخال السرور على قلوب الأطفال؟ تعلمتُ من المعلمين القدماء توزيع الحلاوة على الطلاب، وحين نفذت التجربة، كان لها مفعول السحر.. أصبحت المدرسة رحلة تنزه وغرفة بهجة، وما القيمة المالية إلا حفنة ريالات بسيطة.

كم ابتهاجًا ستصنع بكيس حلاوة صغير؟ ليست القيمة في هذا الكيس العجيب، بقدر ما هي في هذا الشعور الذي يسكنك باللطف على الصغار وخلق المودة معهم، ومن نبينا محمد نتعلم بوادر اللطف. كم منا من سمع أو قرأ المأثورة النبوية:"يا أبا عمير ما فعل النغير؟"، دون أن يفهم المغزى أو يلمح المعنى!

أنا لا أقول لك كن جملًا وبعيرًا لأبنائك، بل أقول لك: تنبّه لتواضع النبي ومودته الصغار.. من أراد طريق الجنة فليسلك الآثار النبوية، وبالفعل سيصل. ألم يصل سراقة بن مالك إلى غار ثور في يوم الهجرة، حين اقتفى الأثر؟ وأنا أقول لك: هناك آثار معنوية لا تزال عالقة وتنتظر الاقتفاء؛ فلِمَ لا تجرب السير خلفها لترى النبي؟

لقد رأيته في عالم الرؤيا، وسترى بنفسك أن ابتسامته، إذا وُضعت في كفة، وكل ما في الدنيا في كفة، لرجحت ابتسامته. فلماذا لا نتعلم منه سر الابتسام، وفن اللطف، وسعادة الحياة؟ لماذا لا تكني صغيرك بأبي عمير أو بأي كنية تليق به؟ لماذا لا تسأل ابنك عن حال حيوانه الصغير كما فعل النبي؟ لماذا لا تطيل السجود إذا ارتحلك أحد أبنائك؟ أليس لنا في النبي خير قدوة؟ فلماذا نقسو على الصغار؟ ونحمل العصا ونمارس الصفع والتقريع؟

إن سلوكياتنا ابتعدت كثيرًا عن نبراس الاقتداء.. نتشدق بالمعلومات، والواقع مُزرٍ! فلماذا لا نفتح صفحة التعلم كما يفعل طفل الابتدائية؟ لنكتب أبجديات الأخلاق في مدرسة الحياة، لا بحمل القلم والتدوين، بل بالفعل والمشاركة. ابدأ بتوزيع كيس الحلاوة لتمرّن قلبك على اللطف.

كنت أرى رجلًا يطعم الحيوانات في الحديقة كل يوم، وكأن إطعامهم فريضة، فماذا استفاد هذا الرجل؟ إننا نتخم الحاويات ببقايا الطعام، وليس للحيوان في زادنا نصيب! لاحظ كيف يعلمنا النبي درس اللطف؛ فحين يأكل تمرًا يعطي النوى لدابته.. فأين تذهب بقايا طعامك؟

اللطف ليس مقالات نقرؤها، بل سلوكًا نخطو به في الحياة.. جرّب الاقتفاء، فقد تصل إلى رفيق الجنة، الذي يسرك إذا نظرت إليه، ويُتحفك بالعطر الطيب.