الجمعة، 11 أكتوبر 2024

ابتكر لك تحديًا وحقق الفوز

 


من بين الناس شريحة خاصة يوصفون بالتميز، فهم خير من أنجبتهم الحياة، فلماذا لا نفكر في التميز؟ أليس المضمار مفتوح للجميع؟. يثبط البعض نفسه ويقتلع أشجار تطلعاته من الجذور بقول كلمة: (مستحيل)، غير أنّه "لا مستحيل على الشمس"، فلماذا لا نتقمص دور الشمس لنذيب شموع المستحيلات؟، أضحكتني عبارة قرأتها تقول:"كل شيء يصير، حتى الفيل يطير"، وأنا بدوري أضيف وأقول: "حتى الغراب يستطيع الغناء!!". والسؤال الحقيقي: هل بالفعل يستطيع الغراب أن يحقق النجاح في الغناء؟، قد يضحك البعض لمجرد طرح السؤال، لنفترض أننا غرابيب، هل بإمكاننا التألق في الغناء؟، هناك فيلم اسمه (أغنية الغراب)، فهل للغراب أن يتميز في أغانيه؟، من يدري؟، ربما حقق الغراب تميزًا وأصبح نجم الفرقة ليدهش الجميع، لاسيما إذا علمنا أنّ بعض الغربان تمتلك الإصرار، والإصرار يصنع المعجزات. فإذا كان ذلك ممكنًا، فلماذا لا نكن ذلك الغراب الافتراضي الفريد؟


هل سمعت بوجود غراب أبيض؟، لا تندهش فهناك غراب أبيض، ولقد شاهدت صورته بنفسي، ولك أن تتحقق. تقول المعلومة التي قرأتها أن هناك غرابًا أبيضًا في أنكوراج، في ألاسكا، وهو مشهد نادر للغاية. وإحصائيًا، يولد 1 من كل 30 ألف غراب. فإذا كان الغراب قد يكون أبيضًا أو يتقن الغناء، فلماذا لا نكسر القاعدة ونفوز في التحديات؟، إذًا ابتكر لك تحديًا وحقق الفوز، اضرب جسور تطلعك إلى مدينة الأحلام، علق خيوط إرادتك لتسلق قمم الجبال، أليس في كل عام يولد فائز؟، لماذا لا تحرك بيادقك لتكون أنت!. إذا لم تنجح يكفيك شرف المحاولة، فعباس بن فرناس ساهم في تحقيق معجزة الطيران، يقول الشاعر:

على المرء أن يسعى بمقدار جهده
وليس عليه أن يكون موفقا

لماذا لا نسعى؟، لماذا الاستسلام في بداية الطريق؟، أليس من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له؟، إن ما ننصح به هو صناعة صندوق ادخار، اصنع لك صندوقًا من خشب أو من ورق أو من علبة حلويات فارغة، ليمدك هذا الصندوق بالوقود لحظة الانطلاق، وإليك الحكاية، يحكى أن كريم كان لديه صندوق خشبي يجمع فيه مدخراته ليتزوج ويبني له بيت العمر، بالفعل تزوج وبنى له بيتًا وأنجب أربعة أبناء، غير أنه خسر بيته في أحد المشاريع حين أراد التوسعة على عائلته، مما اضطره للعيش مع والديه، وهكذا بدأ من الصفر، استمر في فكرة الادخار حتى تمكن من شراء شركة دفع نصف قيمتها من صندوقه الخشبي وربع القيمة تسلم لاحقًا بالأقساط، والربع الرابع أسقطه عنه التاجر في مفاصلة موفقة، وهكذا حقق كريم الثراء الذي ينشده. قد تقع في محيطات الأزمات يومًا أو تغرق في زوابع العقبات، مع ذلك سترى في الأفق نورسًا يلوح لك بوجود جزيرة نجاة، فلا تبتئس فما خلف العتمة إلا فلق صبح!

يروى أن ابن الملك رمى سهمًا في مسابقة فطاشت رميته بعيدًا عن الهدف، مما جعله في موقف حرج أمام الجمهور، لم يحتمل ابن الملك هذا الفشل، وهرب الى الغابة ليتوارى عما حققه من فشل مريع!، وبينما هو في عزلته إذ رأى طائرًا صغيرًا يحاول الطيران، دون أن يستطيع، أمسك ابن الملك بالعصفور الصغير؛ ليساعده لكن الطير سعى للطيران بمفرده، غط ابن الملك في النوم ليستيقظ على جلبة طيران العصفور الصغير، هنا تعلم درسًا مهمًا أنّ الفشل لا يعني الهزيمة، لهذا رجع لأبيه وأخذ يتمرس على رمي السهام، حتى أثلج صدر والده برميات محكمة. 

الحكمة تقول حتى إذا تحطمت بك سفينة الآمال، وأصبحت في وسط بحر اليأس، هناك يد ما ستساعدك وتمد  إليك أناملها من وراء حجاب، هناك لوح خشب يطفو على السطح، هناك طوق نجاة!

هل شاهدت برنامج المسابقات البريطاني الشهير the crystal maze ؟، كنا نستمتع بمشاهدته أيام الطفولة، فكرته الحصول على الجوهرة في دقيقتين أو الخروج قبل إغلاق الباب، هذه المسابقة كنائية لما عليها الحياة، فأعمارنا أوقات، والحياة تخبأ لنا الجواهر، وأمامنا التحديات، فهل سنفوز في اللعبة ونخطف الجواهر؟ أم نخفق ونتعثر؟، فإذا كنت رياضيًا لماذا لا تنضم لتحدي المشي؟، وإذا كنت كاتبًا لماذا لا تنضم لجائزة الكتّاب؟، التحديات معروضة للجميع، ليس لك وحدك، بل لأبنائك أيضًا، فلماذا لا تغرس التحدي في قلوب أبنائك؟، فقد يتألق أحدهم، كما تألقت الطفلة السورية شام بكور في تحدي القراءة العربي، قد لا يتطلب منك الأمر سوى تعليق ورقة مكتوب عليها: "أنا أحب القراءة"، إن قبول التحديات يجعل الحياة ممتعة، فلماذا لا تفتح صندوق اللعبة وتجرب أحجار النرد؟، فقد تكسب الرهان. 

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

اتخذ لك جناحَ قراءة






أتذكر من أيام طفولتي، مشهدًا لمسلسل كرتوني لا يزال يعلق بالذاكرة، وهو أنّ رجلًا كان يعدو للحاق بالسفيّة، وبعد جهد مضني تمكن الأخير، من الصعود فيها، وألقى بجسده من فرط الإعياء، صفق له عقلي حينها، واعقبت ببراءة الأطفال: "لولا محاولاته الجادة لما تمكن من الصعود". تلك السفينة تذكرني بسفينة أخرى هي سفينة القراءة، هناك من ركبها، وهناك من تركها، وهناك من يعدو ويكافح ليبلغها، فأي الثلاثة أنت؟!، في كل عام تولد كتب جديدة، والناس حيال هذه الكتب على أنواع، البعض ينظر للكتاب الجديد، كذبابة مرت من أنفه، وآخر  يرى أنّه وقع على كنز من الكنز، فأيّ الأفراد أنت؟!. وهل برأيك فعلًا يمثل الكتاب الجيد صندوق كنز؟




الكتاب غير المناسب كقاطع طريق، يلزمك تجنبه لكونه يحرمك من مواصلة الرحلة ويقطع عليك مطالعة الكتب أخرى. إذا كنت تتقاطع مع رأي العقاد، في أنّ (حياة واحدة لا تكفي)؟، فستكون لك القراءة حلًا. في دراسة احصائية تقارن متوسط قراءات الأفراد في كلًا من أمريكا وأوروبا والدول العربية، يحتل متوسط قراءة الفرد الأمريكي الصدارة بقراءة أكثر  من ٢٠٠ ساعة في السنة، وفي أوروبا أكثر من ١٥٠ ساعة في السنة، بينما متوسط القراءة لدى الفرد العربي لا يتعدى  ١٥ دقيقة في السنة!!، فماذا يعني هذا؟!




قطعًا هذا يعني أن القراءة لدى الفرد العربي تقع في الهامش، فهل بالفعل القراءة مهمة؟، أم هي مضيعة للوقت؟، لنقدم نمذجة في هذا السياق على هيئة (هل تعلم؟)، هل تعلم أنّ (بيل غيتس)، صاحب مايكروسوفت يقرأ سنويًا ٥٠ كتابًا، فكم هي حصيلتنا السنوية؟، وأي الكتب هي التي نقرأها؟




لنعود إلى الطفولة والتربية، هل نعلم أنّ الأفعال معدية؟، بمعنى أنّ الطفل يتأثر بما تقع عليه عينيه، فإذا كانت الأسرة تدمن عادة القراءة، أصبح هذا الطفل قارئًا، والعكس صحيح!!. يحكى أنّ شابًا اكتشف ذات مرة أنّ والده يحمل الجريدة بالمقلوب، فلما أبلغ والده، قال الأخير: اعلم يا بني أني لا أعرف القراءة، وأمسكت الجريدة كل تلك السنوات حتى تتعلم القراءة!!




والآن فلنخاطب الأمهات، هل أنتِ تقرأين لطفلك قبل أن ينام؟، تشير دراسة أكاديمية أنّ القراءة للطفل قبل نومه تبني له صلة عاطفية تجاه القراءة طيلة حياته، فلنتبنى شعار (كن قارئًا من المهد إلى اللحد)، وهناك دراسات أخرى تشير أنّ رحلة التطور اللغويّ للطفل تبدأ من كونه جنينًا في رحم أمه، وتحديدًا في الأسابيع العشرة الأخيرة. فهل سنرى في هذا الزمن أمهات يدمن عادة القراءة؟ 




القراءة مهمة للصغار والكبار، فهل يصح لمن بلغ مرتبة علمية كبيرة أن يقول للكتاب: هذا فراق بيني وبينك؟، إنّ عادة القراءة تلعب دورًا هامًا في قلب الموازين المعرفيّة، يقول خطيب روما (شيشرون): "بيت بلا كتب، جسد بلا روح"، فهل تواجد الكتاب مهم في بيوتنا؟، هذا الحديث يقودنا لضرورة تكوين (مكتبة منزليّة)، فهل لديك في منزلك مكتبة؟، قد يدهشك صاحب مكتبة منزلية ضخمة، أنّه لا يقرأ منها شيئًا، بمعنى أنّ المكتبة لديه تمثل دور تحفة وديكور فقط!!، وهذا أمر مؤسف يدعو للشفقة!، يقول شاعر مجيد يصف هذا الحال، بقوله: 


وعند الشيخ كتب من أبيه 


مسطرة ولكن ما قراها 


يعد سطورها سطرًا فسطرًا


ينعنع رأسه ويقول (آها)




وفي ذات المعنى، يخاطب الشيخ حافظ الحكمي ممالحًا تلامذته: 




ببيتِ الشيخ كتبٌ قد شراها


‏وجمّعها ولكن ما قراها




‏وقد رضي منها بسلوى


‏إذا فتح المكانَ بأن يراها




‏وينظر في قطائعها ويمضي


‏وهل تدري القطائع ما وراها




إن أغلب هذا الجيل يجيد القراءة، غير أنّ معظمه لا يقرأ، أو لنقول: نادرًا ما يقرأ، فقط  يقتصر على قراءة الكتب الدراسية وحسب!، وهذا أمر مؤلم بحق. من خلال عادة القراءة ستكتشف أنك لا تزال فقير معرفيًّا، وإذا أردت أن تعرف الفرق، اجلس مع شخص قارئ!!، القراءة غذاء الأرواح والعقول، والمكتبة هي ثلاجتها، فلماذا نفتح ثلاجة البطن كل يوم، ولا نفتح ثلاجة العقول؟!، والسؤال المُلّح: ماذا نقرأ؟، وأي الكتب نختار؟، باختصار: هناك كتاب ليست لك، دعه لغيرك، وابحث عما يضيف، تمسك بما يثريك ودع ما لا يثريك. أصرف بعض الوقت للبحث عن الكتاب الجيد، فإذا عثرت فعضّ عليه بالنواجذ. 




الخلاصّة هناك كتب تستحق الشراء، والقراءة، فعرف كيف تختار؟، ودقق في الهدف، ثم شدّ الوتر واطلق الرميّة. إن أقل ما تخرج به من مطالعة كتاب ثراء لغوي، وثروة لفظية تضاف لقاموسك الشخصي، في الختام ليس مهمًا أن تصور نفسك أمام كتب المكتبة، المهم أن تقرأ هذه الكتب التي تدير لها ظهرك!