الجمعة، 13 سبتمبر 2024

تحرك ولا تكن صفرًا




اليوم الذي يغادرك لا يعود، النباتات والحيوانات تنمو ثم تموت، وأنت -إذا أردت- لست ذرة صغيرة بين هذه الكواكب والمجرات. فكيف يكون لرقمك الصغير قيمة؟ وكيف يكون لمثقالك البسيط وزن؟ البعوضة رغم ضآلتها لها قوة في سرعتها وفي إبرتها وفي تخير مكان افتراسها، فإذا اختارت عين الأسد، فإنها ستحقق الانتصار! وأنت لست أقل منها، فكيف تخلق لنفسك الاعتبار؟

على كل واحد فينا أن يبحث عن مكمن قوته، فما هي الإبرة التي تستطيع القتال بها؟ القلم للكاتب، والسيف للمحارب، والمنشار للنجار.. ولكل صانع أداة، فما هي أداتك التي تبرع بها؟ إذا عرفتها فعض عليها بالنواجذ؛ فهي سلاحك ومكمن قوتك، فماذا تنتظر؟ عليك أن تفوز في معركة الحياة، عليك أن تنتصر.. الجولة بدأت فلا تغفل، فنومك وسكونك ووقف حركتك يعني ذلك الهزيمة.
يحكى أن رجلا يعرف بالكسل اسمه هانز، كان راعيا للأغنام، وفكر بالزواج من ابنة جاره لترعى له أغنامه، وينال بذلك قسطا من الراحة في الفراش، وبالفعل نجحت الخطة؛ تزوج هانز من إليزا التي كانت أكسل منه، كما وافق شن طبقة، كان طنجرة وكانت هي الغطاء، كما يقال!

ظل هانز في السرير، وزوجته ترعى الأغنام، حتى قالت له: ما رأيك أن نبيع الغنم ونشتري خلية نحل؟ صرخ هانز: يا لك من زوجة ذكية!، فالنحل لا يحتاج إلى من يرعاه. وأضافت: والعسل أكثر قيمة من الحليب، ثم إنه لا يفسد كالحليب!

ابتاعا خلية نحل من جارهما مقايضة بالماعز، ووضعا جرة تحت الخلية، ولزم كلاهما الفراش. ولتسهيل مهمة تناول العسل، استخدم هانز عصا رعيه، ليقرب بها الجرة وهو في سريره.

قالت إليزا: لماذا لا نشتري عنزة ونبتاع بحليبها بقرة؟ فرد عليها: لا أوافقك الرأي، فمن سيرعى البقرة؟ أطرقت ثم أجابته: ننجب ولدا يرعاها، فصرخ هانز: يا لك من زوجة عظيمة! لكن إليزا استدركت: ولكن ماذا لو كان ابنك عاقا ورفض الفكرة؟ هنا تناول هانز العصا، وقال: وما دور هذه العصا؟ حينها سأضربه بهذه هكذا.. ورفع العصا وضرب بها الجرة، فتحطمت وذهب كامل العسل، فما كان منهما إلا معاودة النوم ليتجنبا هول الصدمة!
أحيانا نتقمص بعض أدوار هانز وإليزا، فيمر علينا النهار دون أي فائدة تذكر، نوم في الفراش، وكسل دون قيمة، فلماذا لا نضع الخطط؟ لماذا لا نتابع المنجزات؟ البعض يقول من فرط كسله: لا داعي لوضع خطة، والبعض يقول: لا داعي لمتابعتها، فأنا أتابع المنجزات بعقلي!! نقول لهذا الكسول: احذر من عصا رعيك حتى لا تكسر الجرة!! احذر من كسلك حتى لا تحل بك الندامة.
قال أحدهم:

تزوجت البطالة بالتواني .. فأولدها غلاما مع غلامة

فأما الابن سموه بفقر .. وأما البنت سموها ندامة

ويقول محمد بن يحيى اليماني الصعدي، المعروف باسم "بهران":
الجد بالجد، والحرمان في الكسل .. فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

ويقول آخر:

العلم نور فلا تهمل مجالسه .. واعمل جميلا يرى فالفضل في العمل

لا ترقد الليل ما في النوم فائدة .. لا تكسلن ترى الحرمان في الكسل

يضيع اليوم بدون منجزات، أو قد يثبط الكسول نفسه وبواعث همته، فيقول: "أنا لست نشيطا"، ليركن للراحة والدعة، وليتجرد من الأعباء، وهكذا يضيع العمر دون فائدة.
في هذا الصدد يقول الإمام علي أبياتا جميلة، فيها:

إذا هبت رياحك فاغتنمها .. فعقبى كل خافقة سكون

ولا تغفل عن الإحسان فيها .. فما تدري السكون متى يكون

وإن درت نياقك فاحتلبها .. فما تدري الفصيل لمن يكون

إذا ظفرت يداك فلا تقصر .. فإن الدهر عادته يخون
فبادر في شبابك وقوتك، بادر قبل العجز، المبادرة تبدأ الآن، فلا تسوف بالقول غدا، بيدك أنت فقط أن تكون رقما، فلا تختر الصفر، وإذا كان نصيبك المحتوم صفرا فلتكن في جهة اليمين.

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

أخلاق معشر السائقين!!

 


في القديم كان الناس يمتطون الدواب، واليوم يركبون السيارات، وفي المستقبل قد يستقلون وسائلَ نقلٍ مختلفة.. ما نريد التحدث عنه هو طريقة تعامل الناس بعضهم مع بعض، أهي طريقة محترمة، أم هي قضية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر؟


طفح الكيل، وأصبح الناس في معاناة مما يتكبدون في الطريق، ازدادت الحوادث، وتراكمت المضايقات وكأنّ الناس منحشرون بين الركن والمقام، أضحت شوارعنا مواسم حج، لا سيما في أوقات الذروة، فأن تذهب بعيدًا خير لك من الوقوع في مخنق الورطة، البعض لا يحرّك سيارته إلا نادرًا ليتفادى الزوبعة، وإذا أراد الخروج تخير الوقت الذي يكون فيه الناس نيامًا؛ ليفر بجلده من منغّصات الطريق، ويتجنب تراشق المشاحنات.

الشعار البارز للسياقة "فن وذوق وأخلاق"، ومن خلال مرآة الطريق، ومشاهدة مواقف الناس، تنعكس لنا طبائع البشر.. أهي راقية كرقي الملاك، أم منحطة كانحطاط البهائم؟ قد ينسلخ البعض من هويته الدينية، ولكن ماذا عن الأخلاق الأصيلة التي يتوارثها الكرام أبًا عن جَد؟

تقدمت سيدة بسيارتها على سيارة رجل حين وجدت مجالًا، فثارت ثائرة الرجل، وفي أول فرصة صرخت عجلاته وأفزعتها بتهور جنونيّ ليلقنها درسًا.. ما وزن هذا الموقف في نظر الفضلاء؟ أهذا بحق موقف بطولي ورجولي، أم يحتاج لنقد في المجالس؟.

شاب آخر سبقته سيدة بسيارتها ولم تحسب حسابًا لتغير لون الإشارة إلى الأخضر، فصنع بأصبعه حركة قذرة قبل أن ينصرف، هل تقبل رجولته هذا الصنيع؟ هل تقبل كرامته أن يصنع بمحارمه ما صنعه بمحارم الناس؟ هناك أخطاء من الطرفين، ولكنّ الحديث عن إنسانيتنا وأخلاقياتنا.. إنّ المواقف الهابطة، والأخلاق الذميمة، ورد الحجر بالحجر، تحتاج لإعادة نظر.

أصبحنا في غابة، يكفي قلق الازدحام في الطرقات، فلماذا نزاحم حياتنا بمزيد توتر؟ الجميع كقدر على نار ينتظر الانفجار، بارود وعود ثقاب، قنابل تنتظر الشرر، هل الحالة السبعيّة رجولة؟ لا نزال نحمل إرثَ البداوة، وجينات العصبيّة، مع تمكين المرأة هناك ثورة وعدم قبول من بعض الرجال، البعض يتندر على سياقة المرأة، وينتظر منها الزلل، الزلل يصدر من الجميع، والمهم هو كم نملك من مثاقيل في موازين الأخلاق؟.

معظمنا يستخدم الطريق، ومعظم الطرقات مزدحمة، والسيارات في ازدياد غير منضبط، وارتفاع وتيرة التوتر يضعنا على حافّة الكارثة، إننا نحتاج لإحلال الأخلاق والتعامل الحسن، ليس من أجل رصيد الحسنات، بل لنتمكن من أن نعيش بسلام.

لانزال بخير، فهناك أشخاص لطفاء مع بني جنسهم، يفسح لك شخص مجالًا رغم أنّه لا يعرفك، أو يقودك لوجهتك إذا غُمّ عليك الطريق، وأفعال الخير كثيرة، هناك نماذج مشرقة تبشر بجيل حضاري.. لا تقل لي ما جنسك، ما اسمك، ما قبيلتك.. ما يهم هو كيف تتعامل؟

للأسف، بعض الناس لا تسير إلا بالقوانين، قد لا يحترم بعض السائقين المشاة والمارّة، وكأنّ مَن أمامه حشرات، فتراه لا يتريث ولا يعير السائرين أيّ بال أو أيّة قيمة، فسيادته وزير أو أمير إذا أصبح خلف المقود! وبعض النساء لا يراعين الانضباط في السير، لهذا تتولد المنازعات كلّ يوم، وعليه من المتوقع تشديد قوانين السير، ورغم إفلاس الجيوب فإنّ مبالغ المخالفات ستزداد.

إننا نحتاج أن نتدارك ما تبقى من إنسانيتنا وأخلاقنا، وإذا ضبط شرطي المرور التصرفات بفرض القانون الصّارم، فمن يضبط تصرفاتنا في سائر مجالات الحياة؟ قل لي كيف سياقتك، أقل لك من أنت!.