الأربعاء، 28 أغسطس 2024

الكتاب أم بساط الريح؟

 




‎توقفت ذات مرة أمام بائع خضار متجول وكان مهمومًا حزينًا، رغبت بالتفريج عنه وسألته عن حاله، فقال: أنتم أحسن منا حالًا، تخرجتم من المدرسة، ونجحتم وتجيدون القراءة. فقلت له مواسيًا: وما هو الفرق؟ أجاب: أنا لا أعرف القراءة، لو كنت أعرف القراءة لقرأت القرآن.

‎هذه القصة أعيدها كل عام على طلابي، ليعرفوا قيمة القراءة، فما الفرق بين من يقرأ، ومن لا يجيد القراءة؟ هل نحتاج لإرجاع الزمن للوراء حتى نعرف قيمة الكتاب؟

‎يحكى أن طفلًا سأل أباه: هل بساط الريح حقيقة؟ وهل نستطيع الحصول عليه؟ أجابه والده: إنّ لدينا ما هو خير من بساط الريح، ثم غاب عنه لحظة وعاد فمدّ إليه الكتاب، وقال لابنه: هذا يا ولدي يطير بك في الماضي والحاضر والمستقبل، دون أن تتحرّك من مكانك!


‎رغم قصر هذه الحكاية فإن مضمونها صحيح، الكتاب يختزل لنا العوالم والأزمان والحيوات، فإذا لم يتسع وقتك للقراءة فأجبر وقتك على القراءة.. اقرأ في وسائل النقل العام، اقرأ عند الإشارة الحمراء إذا كنت سائقًا، اقرأ في أوقات الانتظار، اقرأ في أثناء تناول وجبة الطعام، اقرأ قبل النوم، ابتكر لك وقتًا وكن قارئًا. هناك كتاب لذيذ كأنه حلم جميل في انتظارك فابحث عنه، هناك كتاب رائع بمذاق السكاكر الخرافية سيدهشك فتوصل إليه، هناك كنز ما في كتاب ما، فابدأ رحلة كنزك لتصل إلى صندوق سعادتك.

‎هل تتعجب لو منحك الكتاب نقودًا؟ حكاية وقعت لصاحبي وشاهدتها بأمّ العين.. استعار أحد الأصدقاء من صاحبه كتابًا، وبعد يوم مدّ إليه مبلغ 500 ريال، وقال له: وجدتها بين طيات الكتاب! ربما نسي هذا الصديق أنه وضع مبلغًا في الكتاب.. ربما.. ربما، ولكن الحقيقة أنّ الكتاب يمنحك أكثر، ربّ ثروة حصلت عليها من سطر في كتاب، فلماذا لا تفتّش عن ذلك السطر؟


‎بعض الناس يفضل اقتلاع سن من أسنانه على أن يقرأ كتابًا واحدًا، لدرجة أنّ أحد الأصدقاء يستخدم الكتاب حصالة نقود يحتفظ فيها بالمال، ويبتسم لي وهو يقول: هنا لن يصل إلى المال أحد!. إنه لمن المؤسف أن نهجر الكتاب إلى هذا الحدّ. أتساءل: ماذا لو تحولت القيم المعرفية في الكتب إلى مبالغ مالية؟ هل سنعزف عن القراءة؟ المعارف قيم معنوية مجردة لا تدرك بالحواس، ولكنها موجودة في العقول؛ فكل كتاب يمتلك روحًا تغذيك، كل كتاب يمتلك جواهر لا تثمّن.


‎بلغني سؤال: كيف نجعل من لا يقرأ يقرأ؟ ابتسمت على الفور، لكون الفكرة تحمل في طياتها أسلوب الهيمنة والجبر مع من لا يريد أن يقرأ، والقرآن يقول: "لا إكراه".. أتذكر المروية التي فيها "عجبتُ لأقوامٍ يُقادونَ إلى الجنةِ في السلاسلِ وهم كارهونَ"! لنحاول الإجابة عن السؤال، في البداية علينا معرفة السبب ليبطل العجب، فكيف سيقرأ الضحية المستهدف كتابًا مملًا، أو كتابًا بترجمة رديئة غير مشوقة!

‎العيب في الكاتب والمترجم لا في القارئ، فكم من كتاب ذائع الصيت والشهرة، حرم الناس من القراءة وخلق لديهم العزوف والإحباط! بعض دور النشر تبالغ في أهمية إصداراتها لتربح الصفقات، فيقع القارئ فريسة كتاب أقل مما تصور، إنّه الغبن الذي يولد العزوف، فكم من قارئ توقف بسبب كتاب! الحقيقة تقول: ربحنا قيمة كتاب، وخسرنا قارئًا سيشتري العديد من الكتب لو أنصفناه، فلا تجبر أحدًا.. فقط رغّب الآخرين.


‎هل سمعتم بسلوى، عاشقة الكتب التي قررت المبيت في المكتبة؟ إنها بطلة رواية دودة الكتب، التي ترغب في جعل من لا يقرأ يقرأ، فماذا فعلت؟، فقط أطرح سؤالًا فإنّ لطرحه أثرًا. بالأمس طالعت كتابًا لمؤلف باعث تأليفه إجابة عن سؤال طرحته عليه ابنة أخيه، اقرأ كتاب "كيف تقنع الآخرين؟" لتصدق، وهذا المقال أصلًا إجابة عن سؤال بلغني عن مقال يتحدث عن القراءة، نصه: كيف نصل إلى من لا يقرأ؟ بمعنى: هل يصح أن نعالج العزوف عن القراءة بوسائل قرائية؟ باختصار.. الرسالة لن تصل، هذا هو المتوقع والمتبادر، لهذا لزم التفتيش عن قناة جديدة، نشجع بها على مزاولة القراءة. فما هي تلك القناة؟


‎إننا نحتاج لاستخدام قنوات مختلفة، فالبعض يفضل القناة المسموعة، والبعض الآخر يفضل المشاهدة على القراءة، هل الحل في إيجاد الكتاب المسموع؟ هل الحل في حملات التبشير للقراءة؟ بحمد الله قلّت نسبة الأمية، والناس تجيد التهجئة ولكنها تعزف عن مزاولتها، فما الحل؟ بلا شك، لن نستطيع إجبار الناس على التمسك بالكتاب، بيد أنّ معرفة الأسباب بداية الحل.

‎في المقام الأوّل ينبغي التأثير على من تصله الحروف، بمعنى المحافظة على القرّاء من التسريح، وهذا أضعف الإيمان، لو أن كل شخص قارئ أقنع 10 أفراد ستتضاعف نسبة القراء، هل سمعتم قصة مربع القراءة؟!


يحكى أن في إحدى القرى النائية أربع صديقات يعشقن القراءة، ولفرط محبتهن للقراءة، عقدن ناديًا للقراءة خاصًّا بهنّ، أطلقن عليه اسم "مربع القراءة"، يبدأ هذا النادي جلساته كل يوم بعد العودة من المدرسة، وليس فيه إلا الصديقات الأربع، وهنَّ ليلى وسلمى وعفاف وياقوت.. القصة طويلة مفادها، أنّ عادة القراءة أثّرت في مستقبل هذا الرباعي المدهش، فليلى أصبحت معلمة تقرأ لطالباتها وتحثهن على القراءة، وسلمى التحقت بالعمل بإحدى الصحف، فكانت كاتبة تستلهم فِكَرها من الكتب، وعفاف شقت طريق الترجمة وعشقت تعريب الروايات الأدبية، أما ياقوت فأصبحت بائعة كتب تقرأ ما تيسر وتبيع للزبائن.. من هذه القصة نلاحظ أنّ هناك خيطًا مشتركًا تأثيره السحري هو الكتاب، فهل تؤثر القراءة فينا؟


‎سنضع بعض المقترحات لجذب الجمهور للقراءة؟


* انتخاب العنوان الجيد للكتاب.

* العناية بالمحتوى والتشويق.

* اقتباس سطور جميلة ومؤثرة تشوق للبحث عن المقال وقراءته.

* التعريف بالكاتب وذكر نقاط مشرقة عنه وعن أبرز إنتاجاته وكتبه.

* خلق أندية قراءة تسوق لعادة القراءة.

* نشر تصاميم حكمية تروّج لعادة القراءة، وتعرّف ببعض الكتب الجيدة.

* إجراء مسابقات كتابية للاستقاء من الكتب، فلا تأليف بلا قراءة.

* إقامة تحديات القراءة، والترويج لمسابقات القراءة العامة.

* نشر تقييم الكتب، والتحدث عن الكتب الجيدة التي تستحق القراءة.

* تحويل الروايات التي تتحدث عن القراءة إلى فيلم أو كتاب صوتي درامي.

* التركيز على أهمية القراءة لشريحة الأمهات، لتخريج جيل قارئ.

* العناية بمضمون الكتب الممنتجة، والاهتمام بإخراجها وطباعتها في أغلفة جاذبة.

* طباعة الكتب بخطوط مريحة للعين، لتشجع من لديه مشاكل صحيّة على القراءة.

* عمل معارض كتاب بأسعار مخفضة.

* اغتنام المناسبات القرائية كيوم اللغة العربية، واليوم العالمي للكتاب.

* إتاحة بعض الكتب للقراءة المجانية في صالات الانتظار، وعمل أكشاك كتب مجانية.

* تطوير فكرة المكتبة المتنقلة، وهي عبارة عن سيارة تتيح إعارة الكتب لطلاب المدارس.

* إقامة حفلات إشهار وتوقيع للكتب الجديدة التي صدرت مؤخرًا.

* التبرع بالكتب شرط قراءتها، أو إحلال فعالية شراء الكتاب بقراءته.

* إقامة معارض تبادل الكتاب، وشراء الكتاب المستخدم.

* تدشين رحلات إلى معارض الكتاب بأسعار زهيدة، مع تقديم فعاليات تحث على القراءة.

* تفعيل دور المكتبات العامة والأندية الأدبية، والقيام بزيارات شهرية وسنوية مرافقة.

* إتاحة الكتاب الإلكتروني المجاني، أو حتى الورقي إن أمكن.

* تحويل الكتب التي تعنى بالقراءة صوتيًا وإلكترونيًا.

* استضافة المثقفين المهتمين بالقراءة، من أجل الحديث عن أهميتها.

* مدّ جسور التعاون مع المؤسسات المهتمة بالقراءة.

* خلق وتشكيل كوادر فاعلة تهتم بالقراءة وتروّج لها عمليًا.

‎في الختام نقول لمن تعنيه مسؤولية القراءة، لا تستهِن بقدراتك، فقط عليك أن تحرّض، فرُبّ سؤال أنتج مقالًا، ورُبّ تشويق خلق قارئًا.


ما هو السر وراء التوفيق؟




لماذا البعض موفَّقون ومحظوظون في حياتهم والآخرون تعيسون فاشلون؟


أعرفُ شخصًا مغرمًا بفتح المشاريع، ولكن مع شديد الأسف، لا يضع يده في مشروع إلا وأصبح ذلك المشروع فاشلاً، فاشلاً بامتياز، هذه هي الحقيقة، وليس تندُّراً، بينما هناك أناس لا يرفعون حجرًا إلا وجدوا تحته ذهبًا، الناس يقولون عنه: إنّه رجل محظوظ، فماذا نسمي الأول؟!


أنت أجبني عن هذا السؤال الذي يشغل تفكيري: ما هو السر؟، ما هو السر في كلا الرجلين؟، البعض ينتظر طويلًا حتى يحصل على رقم ليحين دوره، والآخر يقطف الأرقام فور وصوله كما يقطف الورد، ما هو تعليقك على هذين الموقفين؟، يفتح أحدهم مشروعًا نظنه فاشلاً، فإذا بحدث يحدث يقلب المعادلة رأسًا على عقب، ويصبح المشروع الذي نظنه فاشلاً أنجح مشروعٍ، ويأتي آخر يصفه الناس (مقروداً) يفتح عملًا ناجحًا، فيحدث حدثًا وتنعكس المعادلة، فيصبح مشروعه فاشلًا وبضاعته بائرة لا قيمة لها.


البعض يقول: هي أرزاق وحظوظ، ولا أحد يستطيع الرجم بالغيب، والسؤال: هل نستطيع شراء الحظ؟، أو أقلًا نبيع الحظ السيء، البعض يقر على نفسه، أنه مقرود سيء الحظ، لا يخطو خطوة، إلا تعثر، فهل الله كتب على جبينه الفأل السيء، أم هو من قاد نفسه لهذا المطب؟، كلمة (كيف) تخرج من الكثيرين، حيث يقول: كيف بلغ ذاك؟، ولم أبلغ؟، يا لحظه السعيد، ليس القول من باب الحسد، بل من باب الغبطة أحيانًا ومن باب التعجب في كيف يدير الله أرزاقه على خلقه؟


البعض إذا أراد السفر أو قضاء حاجة مستعصية انتخب معه شخص ما يرى فيه فأل السعد، وبالفعل تتفتح عليه المغلقات ويتشبث بهذا الرجل النادر، ويعقد معه الصفقات لدرجة وقوع الحرج في بعض الأحيان، فما هو الحل؟


بعض الناس يعتمد على الأبراج، أو أبراج معاونيه، فلا يخطو خطوة حتى يتأكد أنّ الأمور في أنصبتها والأحجار في مواقعها الصحيحة، فهل هذا صحيح؟، البعض لا يتحرك إلا بعربة الخيرة، وتكثر الطرق لتحري الوقت والطريقة والصفقة المناسبة، فبعضهم يُصيب وبعضهم يخطئ.


بعض الناس دخولهم في المشاريع كالمزلق والدهان، يفتح الأقفال المستعصية ويمهد الطريق للنجاح، فهل لاحظ أحدكم هذه الظاهرة؟، أنا جرّبتها، وقد جربها الكثير من العرب قبلي، بل هي من الأثر النبوي، ففي صحيح الألباني مروية من سنن أبي داود، عن بريدة: أن النبي كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورُئِيَ بشر ذلك في وجهه، وإن كان كَرِه اسمه رُئِيَت كراهية ذلك في وجهه!


أليست التجارب خير برهان؟، فلماذا لا تجرب بنفسك؟، أحد الأسرار هو أن للاسم مغناطيس، يجلب الحظ، ويطرد الشر، فلماذا نجني على أبنائنا بتسمية أُعجِبَتْنا قرعتها، دون أن نتأمل في معانيها؟، فهل ندرك الفرق بين اسم (دُجى) و(ضحى)؟ وهل ندرك أيهما الصالح (هابيل) أم (قابيل)؟ ما كان علي ليسبق النبي في تسمية أبنائه، ولم يكن النبي ليسبق الله في التسمية، هل نفقه لماذا كل هذا الحرص؟، هل هو اسم وكفى كما يقول عامة الناس؟، أم أنّ للأسماء أسرار، فتخير بعناية.


أخطأ مسلم في آية وصحح له أعرابي، فكلُّ لفظة في القرآن لها وزن ومعنى، لهذا يرفض البعض قراءة مناجات غير المعتبرة، أو المؤلفة من تأليف العوام، فقد يخطئ البعض من حيث يظن أنّه الصواب. فينقل السحر على الساحر.


نعود للحظوظ، هل نعلم لماذا التوفيق حليف البعض وخصيم الآخرين؟، هناك سر ما في هذا الشخص المحظوظ، اقترب منه وتودد إليه واسأله، فقد يطلعك على السر، إن لم يكن يجهل سره وسر توفيقه.


ربما كان السر، دعوة أب أو دعاء أم، لربما كان السر في توقيت انعقاد النطفة، لربما كان الأمر في صدقة يدفعها، أو ابتسامة يبثها، ربما كان في دعاء يقرأه أو سلوك حسن يتبعه، ربما كان الأمر في نية طيبة، باختصار هناك سر ما خلف الأكمة. قد لا نستطيع اكتشاف البواطن، إلا أنّ هناك سر ما يجهله الجميع، فقد يبلغ الكسول المرامي ويخفق المُجِدّ، ليس تثبيطًا للمساعي، إنما هو الحظ، الحظ الذي لا يقع دائمًا..


يُحكى أنّ هناك ملكًا حكيمًا حَدّث أحد حراسه: هل تؤمن بالحظ؟ أجابه: بالتأكيد، فقال له الملك: هل تستطيع أن تُثبِتَ لي ذلك؟ قال له: بالتأكيد، وهكذا أسر له سرًا، ثم وضع حقيبة في غرفة حارسين بالجوار، كان الوقت مساءً والظلمة دامسة والحقيبة معلَّقة، فلم يَفطن للحقيبة أحد، وقبل أن ينام أحد الحارسين انتفض وفتح الحقيبة، فهم من خلال حاسة اللمس أنها تحتوي على البازلاء، فعمد لتناول البازلاء، وأكله بمفرده، وبينما هو يتحسس البازلاء، عثر على بعض الأحجار، فابتسم وراقت له الفكرة، وهي أن يلقي بالأحجار على صاحبه النائم الذي فاته تناول البازلاء، فلما أصبح الصباح وجد صاحبه ثريًا، إذ لم تكن تلك الأحجار إلا مجوهرات ثمينة، نظر الحارس صاحب الفكرة، إلى الملك الحكيم، وقال له: هل رأيت كيف يصنع الحظ بصاحبه؟!، أجاب الملك: صدقت، ولكن عليك أن تعرف أن الحظ كالأحجار الكريمة التي لا يعثر عليها إلا نادرًا.

الأربعاء، 21 أغسطس 2024

‎ما هو السر وراء التوفيق؟

 

أعرفُ شخصًا مغرمًا بفتح المشاريع، ولكن مع شديد الأسف، لا يضع يده في مشروع إلا وأصبح ذلك المشروع فاشلاً، فاشلاً بامتياز، هذه هي الحقيقة، وليس تندُّراً، بينما هناك أناس لا يرفعون حجرًا إلا وجدوا تحته ذهبًا، الناس يقولون عنه: إنّه رجل محظوظ، فماذا نسمي الأول؟!


أنت أجبني عن هذا السؤال الذي يشغل تفكيري: ما هو السر؟، ما هو السر في كلا الرجلين؟، البعض ينتظر طويلًا حتى يحصل على رقم ليحين دوره، والآخر يقطف الأرقام فور وصوله كما يقطف الورد، ما هو تعليقك على هذين الموقفين؟، يفتح أحدهم مشروعًا نظنه فاشلاً، فإذا بحدث يحدث يقلب المعادلة رأسًا على عقب، ويصبح المشروع الذي نظنه فاشلاً أنجح مشروعٍ، ويأتي آخر يصفه الناس (مقروداً) يفتح عملًا ناجحًا، فيحدث حدثًا وتنعكس المعادلة، فيصبح مشروعه فاشلًا وبضاعته بائرة لا قيمة لها.


البعض يقول: هي أرزاق وحظوظ، ولا أحد يستطيع الرجم بالغيب، والسؤال: هل نستطيع شراء الحظ؟، أو أقلًا نبيع الحظ السيء، البعض يقر على نفسه، أنه مقرود سيء الحظ، لا يخطو خطوة، إلا تعثر، فهل الله كتب على جبينه الفأل السيء، أم هو من قاد نفسه لهذا المطب؟، كلمة (كيف) تخرج من الكثيرين، حيث يقول: كيف بلغ ذاك؟، ولم أبلغ؟، يا لحظه السعيد، ليس القول من باب الحسد، بل من باب الغبطة أحيانًا ومن باب التعجب في كيف يدير الله أرزاقه على خلقه؟


البعض إذا أراد السفر أو قضاء حاجة مستعصية انتخب معه شخص ما يرى فيه فأل السعد، وبالفعل تتفتح عليه المغلقات ويتشبث بهذا الرجل النادر، ويعقد معه الصفقات لدرجة وقوع الحرج في بعض الأحيان، فما هو الحل؟


بعض الناس يعتمد على الأبراج، أو أبراج معاونيه، فلا يخطو خطوة حتى يتأكد أنّ الأمور في أنصبتها والأحجار في مواقعها الصحيحة، فهل هذا صحيح؟، البعض لا يتحرك إلا بعربة الخيرة، وتكثر الطرق لتحري الوقت والطريقة والصفقة المناسبة، فبعضهم يُصيب وبعضهم يخطئ.


بعض الناس دخولهم في المشاريع كالمزلق والدهان، يفتح الأقفال المستعصية ويمهد الطريق للنجاح، فهل لاحظ أحدكم هذه الظاهرة؟، أنا جرّبتها، وقد جربها الكثير من العرب قبلي، بل هي من الأثر النبوي، ففي صحيح الألباني مروية من سنن أبي داود، عن بريدة: أن النبي كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورُئِيَ بشر ذلك في وجهه، وإن كان كَرِه اسمه رُئِيَت كراهية ذلك في وجهه!


أليست التجارب خير برهان؟، فلماذا لا تجرب بنفسك؟، أحد الأسرار هو أن للاسم مغناطيس، يجلب الحظ، ويطرد الشر، فلماذا نجني على أبنائنا بتسمية أُعجِبَتْنا قرعتها، دون أن نتأمل في معانيها؟، فهل ندرك الفرق بين اسم (دُجى) و(ضحى)؟ وهل ندرك أيهما الصالح (هابيل) أم (قابيل)؟ ما كان علي ليسبق النبي في تسمية أبنائه، ولم يكن النبي ليسبق الله في التسمية، هل نفقه لماذا كل هذا الحرص؟، هل هو اسم وكفى كما يقول عامة الناس؟، أم أنّ للأسماء أسرار، فتخير بعناية.


أخطأ مسلم في آية وصحح له أعرابي، فكلُّ لفظة في القرآن لها وزن ومعنى، لهذا يرفض البعض قراءة مناجات غير المعتبرة، أو المؤلفة من تأليف العوام، فقد يخطئ البعض من حيث يظن أنّه الصواب. فينقل السحر على الساحر.


نعود للحظوظ، هل نعلم لماذا التوفيق حليف البعض وخصيم الآخرين؟، هناك سر ما في هذا الشخص المحظوظ، اقترب منه وتودد إليه واسأله، فقد يطلعك على السر، إن لم يكن يجهل سره وسر توفيقه.


ربما كان السر، دعوة أب أو دعاء أم، لربما كان السر في توقيت انعقاد النطفة، لربما كان الأمر في صدقة يدفعها، أو ابتسامة يبثها، ربما كان في دعاء يقرأه أو سلوك حسن يتبعه، ربما كان الأمر في نية طيبة، باختصار هناك سر ما خلف الأكمة. قد لا نستطيع اكتشاف البواطن، إلا أنّ هناك سر ما يجهله الجميع، فقد يبلغ الكسول المرامي ويخفق المُجِدّ، ليس تثبيطًا للمساعي، إنما هو الحظ، الحظ الذي لا يقع دائمًا..


يُحكى أنّ هناك ملكًا حكيمًا حَدّث أحد حراسه: هل تؤمن بالحظ؟ أجابه: بالتأكيد، فقال له الملك: هل تستطيع أن تُثبِتَ لي ذلك؟ قال له: بالتأكيد، وهكذا أسر له سرًا، ثم وضع حقيبة في غرفة حارسين بالجوار، كان الوقت مساءً والظلمة دامسة والحقيبة معلَّقة، فلم يَفطن للحقيبة أحد، وقبل أن ينام أحد الحارسين انتفض وفتح الحقيبة، فهم من خلال حاسة اللمس أنها تحتوي على البازلاء، فعمد لتناول البازلاء، وأكله بمفرده، وبينما هو يتحسس البازلاء، عثر على بعض الأحجار، فابتسم وراقت له الفكرة، وهي أن يلقي بالأحجار على صاحبه النائم الذي فاته تناول البازلاء، فلما أصبح الصباح وجد صاحبه ثريًا، إذ لم تكن تلك الأحجار إلا مجوهرات ثمينة، نظر الحارس صاحب الفكرة، إلى الملك الحكيم، وقال له: هل رأيت كيف يصنع الحظ بصاحبه؟!، أجاب الملك: صدقت، ولكن عليك أن تعرف أن الحظ كالأحجار الكريمة التي لا يعثر عليها إلا نادرًا.




الاثنين، 12 أغسطس 2024

قَدِّم نسختكَ المثلى

 




لكل فرد شخصيته الخاصّة به، ليس على مستوى بصمات العين والأصابع فحسب، بل على مستوى ذاته وكيانه كله، لكل واحد فينا منجمه الخاصّ وسحرٌ يُفَرده عن غيره، فإذا أردت خلق شخصيتك المؤثرة، لا تتصنع وكن على سجيتك، واجتهد لتقدم نسختك المثلى. 


أنت لا تحتاج لتقمص شخصيات الغير، تأكد أن لك سحرًا خاصًا، فلماذا الشعور بالدونية؟، كن واثقًا من نفسك، واحذر أن تكون الغراب الذي أضاع مشيته. لا تضع لنفسك أهدافًا غير واقعية، 

ثم اجتهد في تحقيق خارطة الطريق. لا تعاتب نفسك ولا تلمها على ما لا تستطيع. فأنت إنسان محدود الطاقة، تحتاج لرعاية نفسك ورعاية من هم حولك. لا يعني هذا الحديث الكسل قطعًا، بمعنى ضع لنفسك خيطًا وسطيًا بين الكسل والسقف العالي، وسر بتوازن ومرونة.


١-القوة البدنية:

ضع لنفسك خطة وبرنامجًا غذائيًّا وصحيًّا، ومارس رياضتك بانتظام؛ استخدم بعض الأوزان إذا أمكن، واهتم ببنيتك العضلية، فالبدن القوي هام ومؤثر في تألق سحر الشخصيّة، احرص على أخذ حصتك الكافية من ساعات نومك، فقلة النوم لها آثار خطيرة يجهلها الكثير، استخدم لغة الجسد Body language، وتعود على البراعة في استخدام حركات الجسد.


٢-القوة الذهنية:

نشط عقلك بتمارين الذكاء، خصص لك وقتًا يوميًا لألعاب الذكاء والذاكرة، هذه الألعاب ليست ترفًا، مثل: ألعاب بطاقات الذاكرة، وحل الكلمات الضائعة، والكلمات المتقاطعة، ولعبة السودوكو، وغيرها، خصص لنفسك بعض الدقائق للتأمل وليكن في الصباح مثلًا، فهو يبطئ شيخوخة الدماغ. حافظ على ذاكرتك مع تقدمك في العمر، ثم تحلى بالتركيز والذهن الصافي، وابتعد عن الضوضاء والمشتتات، وتعود على استراتيجية التفكير قبل تقديم الإجابة. 


٣-القوة اللفظية:

تمرن على الحديث بشكل يومي، واغتنم الفرص لتتمرس على المناقشة والحوار، استخدم أسلوب سوق الأمثلة للتوضيح، وطرح الأسئلة لجذب الانتباه، ثم ضع ملخص محدثك لتشعره بالاهتمام، تحدث بصوت واضح وقوي، تكلم بثقة، علمًا أنّ هناك فرق بين الغرور والثقة، تحدث بصدق وصراحة دون أن تحرج الآخرين، وابتعد عن استخدام الكلمات الجارحة، ثم لا تنس تقديم كلمات الشكر والامتنان. 


٤-القوة السيكولوجية:

حالتك النفسية وانفعالاتك لهما الأثر الجوهري في بناء سحر شخصيتك، لذا عليك أن تتخلص من أي علة نفسية تنتابك، كحالات الاكتئاب، والرهاب، والاضطراب المزاجي، والانطوائية. تخلص من مخاوفك، وأبلغ طبيبك عن نقاط ضعفك. ثقف نفسك واقرأ في علم النفس، وتحلى بالمرونة وأدر عواطفك بعناية. مارس القيادة، فكل فرد قائد في مجاله. طور من ذاتك، لتكسب الثقة وتشعر بالطمئنينة والسلام الداخلي.


٥-القوة الشخصية:

لا تأتي قوتك الشخصية بكبسة زر، إنما هي مجموعة تراكمات، عليك في البداية تقمص دور قويّ الشخصيّة، بتحمل المسؤوليات وخطف المبادرات، وإدارة المواقف بعقل وحكمة، تحكم في الانفعالات وتنبه لنوبات الغضب التي قد تصيبك في المواقف الحرجة، استخدم ذكائك العاطفي، وقوّم السلوك الخطأ وصحح الاعوجاج، كن حازمًا وتمتع بالمرونة، احذر من تقلبات المزاج، واهتم بسحر شخصيتك، واجعل ابتسامتك علامة فارقة تميزك.


٦-القوة الأخلاقية:

مزاولتك العملية للأخلاق، تجلب لك المزيد من المعجبين، لذا كن متواضعًا متسامحًا، وترفق بمن هم حولك، احترم الآخرين، و ستجبر الجميع على  احترامك. احترس من النقد فقد يقودك  للوقوع في بؤرة الزلل. تجنب اطلاق قنابل الأفعال، وإن كنت مصيبًا، فكم من شخص أهدر دمه نتيجة نقده الحاد؟،  فلكل فعل خاطئ ضريبة، فتجنب دفع الفواتير.


٧-قوة القيم:

ضع لنفسك سلة قواعد وقائمة مبادئ وقيم لا تحيد عنها، مثل: اجتناب السرقة، واجتناب الكذب، واجتناب كل ما يخدش المروءة، كوّن لنفسك سمعة ومصداقية، فالناس يتجنبون من لا يضع لنفسه حدودًا. مفلس القيم مكروه، ومن يتسم بالانضباط القيمي، يكسب الكثير من الجماهير، فالتشبث بالقيم قوة تضاف لرصيدك الشخصي.


٨-قوة الأناقة

تعلم الدرس من بائع الفاكهة، فالتفاحة البراقة تجذب الزبائن إليها، لهذا اهتم ببريقك ومظهرك واناقتك ونظافتك الشخصيّة، الأناقة جزء لا يتجرأ من ثقافتك وسحر شخصيتك، فمثلًا الاستحمام اليومي ضرورة لا غنى عنها، والملبس الجيد يساهم في تكوين الكارزما، دع عنك حديث المثبطين، وكن جيد المظهر، ودع قافلتك تسير، على هذه المبادئ وسترى نفسك يومًا قد بلغت نسختك المثلى.


المصدر: مدونات الجزيرة نت


https://www.aljazeera.net/blogs/2024/7/24/%D9%82%D8%AF%D9%85-%D9%86%D8%B3%D8%AE%D8%AA%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%89


الخميس، 1 أغسطس 2024

المشي عكس عقارب الساعة



 هل تساءلت يومًا: لماذا تسير عقارب الساعة من اليسار إلى اليمين؟، هذا السؤال استوقفني حين كنت طفلًا، وقلت: لماذا لا يكون العكس؟، الحديث ليس عن الساعة وأشراطها ولا عن عقاربها، الحديث عن فوائد المشي عكس قارب الساعة؟، شرارة القداحة أني أحيانًا أسير مع عقارب الساعة، وأحيانًا أسير عكسها، أحيانًا أسير مع الناس في اتجاه واحد، وأحيانًا أخالف اتجاه الشلال، فتساءلت: أيهما أفضل، السير مع عقارب الساعة، أم خلافها؟


قررت البحث عن هذا الموضوع، فطالعتني قصة صديق على منصة x، اسمه علي القرني (أبو سامي)، يروي  الأخير أن رجلًا مسنًا استوقفه، وقال له: لماذا لا تسير مع الناس؟، أي في اتجاه واحد؟، فأنت تواجه النساء في كل مرّة؟، وكان بطل القصة أبو سامي، يتبنى استراتيجية السير عكس عقارب الساعة، بيّن الأخير له أنّ القلب يقع في اليسار، والسير عكس عقارب الساعة يجعل الدم يتدفق بشكل أفضل، لأنّ دورته الدموية تسير عكس عقارب الساعة. “ما دليلك؟”، قال الرجل المسن، واحتدم النقاش بين الطرفين، فأجابه أبو سامي: الطبيعة تسير عكس عقارب الساعة، وجميع الكواكب تسير بذات النظام، حتى مضامير السباق في العالم تسير عكس عقارب الساعة، فهل كان هذا عبثًا؟

اعترض الرجل المسن، وقال: ما دخلنا ورأي الغرب. ولم يقتنع. قال أبو سامي: إذا ذهبت إلى الكعبة سترى الطواف عكس عقارب الساعة، فهل كان هذا الاتجاه خطأ، أم هو لحكمة وجيهة؟، وقد أثبت العلم الحديث فوائد الطواف حول الكعبة. انصرف الرجلان، وكلاهما مصر على رأيه، لم تنته القصة، عند أبي سامي، حيث وضع القصة على حسابه في منصة x، واشتعل الحساب بالتعليقات. ولأني لا أزال أبحث عن الحقيقة الحقة، وأي الاتجاهين أفضل؟، قررت مطالعة التعليقات، كاستقراء ناقص، فكان رأي معظم الناس متعاطف مع صاحب الحساب، صاحب الأرض والملعب، وبقي الرجل المسن دون ناصر ولا معين، إلا عدد بسيط لا يعد على أصابع اليد، قال مؤيد للرجل المسن: “حتى لو كانت المعلومات صحيحة، السير مع الناس وعدم مخالفتهم أراه هو الصحيح”. وقال آخر: “إن المروّج لهذا هم عبدة الكون فهم يعتقدون أنّ المرء يشحن نفسه بالطاقة الايجابية إذا مشى عكس عقارب الساعة، وهي عقيدة بوذية كفرية، تنص على أنّ الطاقة مصدر الحياة، وأنّ طول عمر الإنسان أو قصره وصحته وسعادته بحسب مخزونه من الطاقة الكونية”.

وإليك خلاصة ما ذكره مناصرو صاحب الأرض والملعب: المشي عكس عقارب الساعة أخف للجسم لكي يتجنب الجسم جزء من الجاذبية الأرضية، أساس المشي الصحيح عكس عقارب الساعة، حتى أنّ اتجاه الممشى في الحدائق العامة بهذا الاتجاه، وتوجد لوحات إرشادية تحدد الاتجاه الصحيح. أول سباق جرى مع عقارب الساعة، ولأنّ أغلب المتسابقين أصابهم التعب والارهاق، أعدو دراسة وغيروا الاتجاه بعكس عقارب الساعة وبالفعل قل الاجهاد والتعب. 

وأضاف آخر: الكواكب والطواف والسعي وحركة المرور كلها تسير عكس عقارب الساعة. وأضاف آخر: المشي عكس عقارب الساعة هو الأفضل حتى يكون القلب باتجاه مركز الدائرة وقريب منه، وهو المفيد للإنسان. وقال آخر: حتى الإلكترونات والبروتونات والنيترونات تدور حول النواة بعكس عقارب الساعة، إذًا حتى طبيعة الذرات وهي أساس الكون تدور بهذه الطريقة لتنتج الطاقة التي تؤدي لانشطارها وانجذابها لذرة أخرى، نعم الأمر فيه طاقة مستفاد منها. وهنا نختم الاستطلاع  بمشاركة امرأة تعمل في مطبخها تقول: حتى حركة تقليب الطعام عكس عقارب الساعة أكثر فائدة، والله أعلم.

المصدر: Arageek
موقع مجلة أراجيك
https://www.arageek.com/blog/walking-counterclockwise