الجمعة، 28 يونيو 2024

ادعموا كتب الأطفال

 ادعموا كتب الأطفال



هل توجد أبوة اعتباريّة في هذا العالم؟، بلاشك هناك أثرياء خيرين، يحتاجون للنصح وطرح الأفكار النيرة، من جملة تلك الأفكار، دعم كتب الأطفال، فالإنسان تتشكل شخصيته بنسبة كبيرة في طفولته المبكرة، لهذا كان من المهم العناية بشريحة الأطفال، فالكاتب والثري والدولة، وكل فرد منا عليه مسؤولية في تنشأة هذا الطفل وتربيته، والقراءة والكتاب والمكتبة، لهما دور كبير وبارز في صقل شخصيات هذه الفئة..


فلماذا لا يخصص الثري جزء من ماله لدعم كتب الصغار؟، لماذا لا يتكفل بتوزيع بعض الكتب مجانًا للمدارس والمعاهد والمؤسسات التي تهتم بهذه الفئة، فلتكن هذه الحركة لفتة نبيلة وذكرى طيبة منه لكل الأجيال، فهناك كتب أثرت إيجابيًّا في بلورة عقل طفل، وهناك أطفال أبدعوا من خلال التزامهم بدخول المكتبة، فهل فكر الثري ببناء مكتبة للصغار، هل فكر بدعم الكتب التي تبني كفاءة وطن. 


كذلك نقول للمؤلفين والطبقة العلميّة، لماذا لا يهبط الكاتب المرموق عن برجه العاجي، ليؤلف كتابًا للصغار؟، لماذا لا ننظر لأطفال اليوم بما سيكونون غدًا؟، طفل اليوم هو عبقري المستقبل، طفل اليوم هو ذلك المخترع والمبدع الذي يحتاج اليوم لمن يرعاه، وأغلب كتّابنا مع الأسف الشديد لا يفكرون أن يحملوا القلم يومًا ليسطروا كتابًا لطفل!.


أعجبني في الكتّاب المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، فرغم كونه شغوفًا بالكتابة العلمية المعمقة والرصينة إلا أنّ لديه كتب خصصها لفئة الصغار، فهل يعيب الكاتب المرموق والصحفي البارع والشاعر الملهم أن يكتب لشريحة الأطفال؟، هناك عدد كبير من الكتب المترجمة لهذه الفئة، وهذا يعكس شح الكتابة في لغة العرب، ندعو الدول التي تدعم حليب الأطفال أن تدعم الغذاء العقلي والفكري والتربوي، نظن أن أمتنا بدأت تخط طريق وعيها، لهذا كما تدعم منتوجات البطن والثلاجة، ينبغي دعم منتوجات العقل والمكتبة. أليست مدارسنا تعلمنا أن النقش في الصغر أبلغ من النقش في الحجر؟، فلماذا اهمال هذا النقش الذي تحتاجه الطفولة؟


لماذا لا يفكر أصحاب الأمر والثراء في خلق صندوق ثقافي يدعم كتاب الطفل، نشكر المؤسسات الثقافية التي تعنى بهذه الشريحة، إلا أن النفق لايزال مظلمًا ويحتاج للمزيد من المصابيح. فربّ طفل قارئ اليوم ينير العالم كما أنار ضوء الكهرباء.

الخميس، 20 يونيو 2024

ارتقب ما بين كافٍ ونون




ليس دائمًا بيدك تحقيق المعجزات، ليس بيدك دائمًا الوصول إلى الهدف بشكل مستدام، هناك لغز في هذه الحياة، إجابته غيبيّة، خلف سحائب الأمل سيقع أمر وشيك، خلف غمائم ملبدة ستفاجئك السماء، بعد لحظات من الهدوء، ودون سابق إنذار سيكون صيِّبًا غزيرًا يُخْضل الوديان ويُرَوّي الجداول! 


النماذج تتراص من فرط كثرتها، لهذا قيل: "ما بعد الليل إلا النهار"، فإذا اشتدت ظلمة الغسق؛ ولد الفجر من رحم العتمة وأشرق الصباح. ما رأيك في قصة يعقوب النبي وفلذة كبده يوسف؟، ألم تتحقق المعجزات؟، ألم تكتحل عيون يعقوب بالنظر إلى حبيبه وقرّة عينه، بعدما ابيضت عيناه من الحزن؟، الدرس المستفاد من الحكاية أنّ مفتاح الصبر متحقق وإن طال الليل، قال تعالى: (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى‏ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ ما لا تَعْلَمُونَ). 


لنغير اتجاه المعادلة، ولنتحرك على أرض الواقع، الخطاب الآن لك، نعم لك أنت، تأمل للحظة في عرض حياتك المديدة، وتفحصها بعناية: ربما نالك مرّة يأس، وربما توغل فيك حدّ النخاع،  ربما اسودّت الدنيا بأسرها في عينيك، ولكن ماذا حدث؟، هل ظل الموقف على حاله؟، أم تحركت المياه تحت قدميك؟. مجددًا لك الآن السؤال أمام ما يعتريك حاليًا من كودوراتٍ وعوائق:

أتظن أنها "لن تفرج"؟، الجواب ببساطة: بلى ستفرج، فقل معي: بلى.. بلى ستفرج. تيقن أنّ الأمر متحقق، واطمئن، إنّها سنّة الحياة، قال تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا)، الكلمة المفتاح التي نسلط عليها الضوء، كلمة (استيئس)، هناك فرق لغوي في بناء الكلمتين، كلمة "يئس"، و"استيأس"؟، القاعدة اللغوية تقول: "زيادة المباني زيادة في المعاني"، في هذا المورد يقول أبو حيّان الغرناطي في تفسيره (البحر المحيط): "استفعل هنا بمعنى المجرّد، يئس واستيأس بمعنى واحد نحو سخر واستسخر، وعجب واستعجب. وزعم الزمخشري أن زيادة السين والتاء في المبالغة، قال نحو ما مرّ في استعصم".


وبعيدًا عن الجدل الدائر بين الرأيين نضع فائدة في الظروف المدلهمة والمصاعب، وهي أنّ على المؤمن أنْ يتحلى بزينة (الصبر)، بل يفعل صيغة المبالغة منه إن تمكن كـ "صَبُور"، و"صَبَّار". فكما قيل: "ما بعد الشدة إلا الفرج"، و"ما بعد الحزن إلا الفرح"، و "ما بعد الضيق إلا السعة". وقد علمتنا الأيام خلاصّة مفادها أنّ علامة اقتراب الفرج شدة الضيق، فلا تحزن، إذا اشتدت الحلكة، فالنفساء إذا اشتد بها الحمل أمخضت. فقل معي: "الفرج قريب"، وهو وعد وعده الله في كتابه، فكلمة (قريب)، هي الإجابة الإلهيّة القرآنية، لكل من يسأل عن ميعاد النصر والفرج، يقول تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّـهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ)، وفي آية أخرى: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، نعم المخاض بين حرفين لا ثالث لهما، هما "الكاف" و "النون".