لنبدأ بهذا الشطر من حكاية طالعناها منذ زمن، وهي أنّ بطل القصة شاب متيم بحبّ النبي، انطلق هذا الشاب مع رفاقه لزيارة طيبة الطيبة، وكان يصرّح بعشقه لصوت الإمام في قراءة القرآن، لم يكن هذا الإمام إلا أحد أئمة المسجد النبوي الشريف، وفي لحظة من لحظات رحلته الشائقة للمدينة المنورة، قال لرفاقه قبل أن يقفل راجعًا لبلدته، ليكشف عن أمنيته الدفينة: "أنا أعشق صوت هذا الإمام، وأتمنى أن يقرأ سورة الرحمن"، يقول راوي الحكاية، فلما كبر الإمام وانهى الفاتحة قرأ: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، هنا بكى الراوي من صدق هذا الشاب الذي أخبره بأنّه كان يحلم في مناماته بالصحابة ويحدثهم. نكتفي بهذا القدر، لنتساءل مستفهمين: هل بالفعل هناك من إذا تمنى تحققت له أمنياته؟، هل هناك بحق خيوط سحرية يمتلكها البعض؟، إذا نام رأى من أحبّ؟، وإذا تمنى ظفر بحظوته وأمانيه؟. ما هو ذلك السر؟، وكيف يبلغ الإنسان ذلك الشأو والمقام؟، ورد في الحديث: (رُبَّ أَشْعَثَ أغبرَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أَقسم على الله لَأَبَرَّهُ)، البعض يركض وراء البخلاء من طبقة الأثرياء، ويترك وراءه رجاءَ ربّ كريم يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان)، هل سألت ربك ذات يومٍ فلم يجب دعوتك؟، هل طلبت منه ذات مرّة فلم يبرّ بقسمك؟، لنقل أنّ الله لم يمنحك ما ترجو؛ لحكمة تجهلها في ذلك الحين، فلماذا لا تعاود طرق بابه وتتمتع بخوض التجربة؟، تجربة حقيقية لا تمت لدعك المصباح السحري بصلة، إنّما رفع أكف الضراعة لتحقيق المرادات كلمح البصر، لماذا لا نجرب؟، ولكن ليس على نهج عبادة التجار، (إن أعطي رضي، وإن لم يُعطَ سخط)، بل على سليقة: (وجدتك أهلًا للعبادة؛ فعبدتك)، هناك أنهار وأسرار تجري على أيدي أصحاب المقام، لم يكن لهم هدف أن تتحقق على أيديهم تلكم الكرامات، لكنها هبة وهبها الوهاب فهطلت؛ ونالها من نالها من أهل الصفوة أولى الحظوة، فأيهما أغنى؟، من يملك مفاتيح أموال قارون؟، أم من يملك مفاتيح استجابة الدعوات؟، (لو أقسم على الله لأبره)، هناك من يرى أن الدين أفيون الشعوب، وهناك من لا يؤمن بتحقق المعجزات، لكنها تحققت بالفعل، والشواهد لا تحصر، فكيف تحققت إذا كان هذا محض وهم وإدعاء كما يرى من يرى؟
البعض يطرق باب المشاريع ويخوض تجربة الصفق في الأسواق، ولكن - يا سبحان الله - كل باب يطرقه لا يرى وراءه إلا الفشل، الفشل بامتياز، وكأن على الجبين طبع ختم (الخسران)، بينما التوفيق حليف أقوام آخرين، فتراهم لا يضعون أيديهم على شيء إلا تحول من فوره إلى ذهب وحجر نفيس، وهذا ملاحظ ومشاهد، فما هو سر فشل هؤلاء؟ ونجاح أولئك؟، ألا تدفعنا هذه المعاينات للتساؤل؟، ألا تحتوي هذه الأكوان على أسرار؟، فليتأملها المتأمل، قد يقول القائل: "مصادفة وقعت، كما يقع التماثل لحجري النرد على نقاطها الست في بعض المرات، تمنى المتمني أن يسمع سورة الرحمن فكانت، محظ صدفة أن تتمنى فتحظى، إنها مجرد مصادفات ليس إلا!!"، ولكن ماذا إذا كانت هذه الأمنيات والمصادفات المتحققة مستدامة ومتواترة؟، وكأنها سلسلة الذهب التي لا تنقطع؟، ألا تثير في أعماقنا هذه الوقائع التساؤلات؟، كيف كان ما كان؟، قد يكون الشيء المتمنى صغيرًا وقد يكون غير ذلك، قد يكون المتمنى نافعًا وقد يكون غير ذلك، السؤال: هل بالفعل هناك ما يسمى بقانون الجذب الكوني؟، كثيرون من تحدثوا عن البارسيكلوجيا والطاقات الخارقة، كالتخاطر، والتحذير قبل الوقوع، واستجلاب المشتهيات، ودفع المستكرهات، والتقاط الإشارات الكونية، وغيرها كثير، هل بالإمكان الاعتماد على مثل هذه القطفات وتصديقها؟، البعض اعتبرها مجرد أوهام؟، البعض حرمها ورآها معارضة للأديان، وأنها بداية لطريق الانحراف والانجراف الموصل للشرك بالله، البعض دفعه الفضول للتجريب، وقد عثرنا على عدة طرق يتبناها المعتقد بهذه القوانين الجاذبة، منها على سبيل المثال: أن تتمنى ما تريد الحصول عليه، ثم تغمض جفونك وتصدق بإيمان قاطع بأنك ستحصل حتمًا على ما تريد، فتتحقق لك الأمنيات.
لسنا ممن ينكر الحقائق، ولسنا ممن يميل لتصديق الأوهام، ومن الواضح أنّ هناك خوارق وقدرات، البعض وصل إليها بخوض التمارين والارتياضات والمجاهدات، البعض أخفق، البعض أنكر، البعض له رأي بين الرأيين، ما لا نستطيع نكرانه أمران، الأول أن هذا الكون ملغم بالأسرار التي تستحق أن تسبر لتكتشف، والأمر الثاني أننا لا نزال نغرق في مزيدٍ من الجهل وهذا ما يعاضدده القرآن في قوله تبارك وتعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).