من المعروف أنّ الحجاج بن يوسف كان سفاكًا مبيرًا لا يرحم من ظفر به، وغير واحد لقبه بـ (الطاغية)، حتى أنّ عمر بن عبدالعزيز وصفه بـ (عدو الله)، وقيل في لقب تسميته بالحجاج أنّه كان يفرط في تحطيم العظام، ويكفي التاريخ ما رواه عنه في قتله لسعيد بن جبير (التقي الصالح)، رغم كل التراجيديا التي رافقت ذكر الحجاج الثقفي إلا أنّ هناك من يبرئ ساحته، حتى في قذفه الكعبة بالمنجنيق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والحجاج بن يوسف لم يكن عدوًا لها ولا أراد هدمها ولا أذاها بوجه من الوجوه ولا رماها بمنجنيق أصلًا، ولكن كان محاصرًا لابن الزبير وكان ابن الزبير وأصحابه في المسجد وكانوا يرمون بالمنجنيق له ولأصحابه لا لقصد الكعبة وإن يهدموا الكعبة"، فهل كان الحجاج بالفعل مبيرًا طاغية؟!، أم أنّ للحجاج وجه آخر يرفض الكثير إيراد فضائله؟!
اعترض أحدهم على شيخه وأستاذه (علي بن محمد عوده) حين روى الأستاذ قصة زواج أبي الحجاج الثقفي من أم الحجاج، نقل هذا الشيخ: رواية عن محمد بن إدريس الشافعي، تشير أنّ أم الحجاج كانت تحت المغيرة بن شعبة فلما رآها تخلل أسنانها من أول النهار طلقها، حيث ظن أنها أنانية استفردت بالطعام قبله، أو أنها قذرة لم تخلل ما علق في فمها من البارحة، فردت عليه بعد طلاقها قائلة: "والله ما كان شيء مما ذكرت، ولكني باكرت ما تباركه الحرة من السواك فبقيت شظية في فيّ"، فأشار بها المغيرة ليوسف الثقفي، فلما بنى بها وواقع، سمع هاتفًا يهاتفه في المنام يقول له: "ما أسرع ما ألقحت بالمبير!!".
قال المعترض على الأستاذ الشيخ: "رحم الله أم الحجاج وأبوه كانا من القرون المفضلة، ولا تز وازرة وزر أخرى وهذه القصة ظاهرها الكذب"، ثم عتب المعترض أنه ما كان يليق بالأستاذ نشر هذه الحادثة على الأشهاد، فرد عليه الأستاذ برواية في صحيح مسلم بشرح النووي بعد أن قال له: "الحجاج مبير سفاك للدماء بلا جدال . وهذا في صحيح مسلم"، نقل الشيخ الأستاذ حادثة مقابلة الحجاج بن يوسف مع أسماء بنت أبي بكر المعروفة بذات النطاقين بعد مقتل ابنها عبدالله بن الزبير، حيث قال لها الحجاج فيما قال: "أرأيت ما فعلت بعدو الله (يقصد قتله ابنها عبدالله)، قالت: لقد أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك, أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يظهر في ثقيف كذاب ومبير", أما الكذاب فقد رأيناه (وتقصد بالكذاب المختار الثقفي الذي إدعى النبوة)، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت .
عثرنا على آراء متضاربة في تقييم شخصيّة الحجاج، فهل بالفعل كان طاغية زمانه؟، أم له وجه غير الوجه الذي ضخمته الأقلام والسينما، قال بعضهم: إن الحجاج كان يعظم القرآن، حافظًا له كعادة أهل الطائف الذين أثنى عليهم عثمان بن عفان، وقال آخر: كان تقيًّا ورعًا يعظم القرآن، وكان بداية نشأته معلمًا للصبية القرآن الكريم. ينقل بعضهم أنّ للحجاج صفات نبيلة إلا أنّ السر في تغيره حادثة صفعه على وجهه بالسياط من قبل أحد رجالات الشرطة إثر وقيعة وقعت بينه وبين صبية من ذهل، يقول صاحب هذا الرأي فعزت على الحجاج كرامته أن يهان وهو بريء، فلتحق بفريق عبدالملك بن مروان في الشام، حتى ثبت وعلى ذكره لدى الخليفة، ومن طريف استشهادات هذا الفريق أنّ للحجاج أبياتًا شعرية يدافع بها عمن يرى أنه خالد مخلد في النار، يقول الحجاج في ذلك:
يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا
بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ
أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ
ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ؟
البعض اتخذ موجة الاعتدال سعيًا للتسديد والمقاربة حيث قال بعضهم أنّ للحجاج فضائل وعليه مثالب، وهناك من رأى أنّ الأوفق التوقف عن الخوض في مثل هذه الأحداث الشائكة، والأولى لديه إغلاق كل ما وقع في التاريخ من فتن لامست حياة الصحابة والتابعين، وأن نكل حكمها إلى الله وحده، فبيده الثواب والعقاب والجنّة والنار، إلا أنّ البعض رفض هذا السكوت ولم يعثر للحجاج فضيلة، حتى أنّ هناك من أخرجه من ملة الإسلام ونعته بالكفر الصراح، حيث ذكر ابن كثير رواية تشير إلى أنهم قد اختلفوا في أمر الحجاج فسألوا مجاهدًا فقال تسألون عن الشيخ الكافر!، وروى ابن عساكر عن الشعبي أنه قال: "الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم"، فمع أيّ فريق أنت؟