كلما مر علينا العيد، كرر الناس ما قاله المتنبي: "عيد بأية حال عدت يا عيدُ"، وكأنّ قصائد العيد اختزلها المتنبي في بيتٍ من القصيد، فأتساءلت: "ما يقول الشعراء في العيد؟"، هنا انبثقت الفكرة أن أبحر بزورقي في بحور الشعر، لعلي أصطاد بشباكي بعض القصائد.
هناك من الشعراء من يُركّز على جماليات (صباح العيد)، هذا الصباح الذي قتله الناس بالنوم، بعد ليلة عيدٍ ساهرة، وكأننا طائر ليلي لا يعشق إلا الكهوف المعتمة، يقول الشاعر العراقي البارز معروف الرصافي:
أطلّ صباح العيد في الشرق يسمعُ
ضجيجًا به الأفراح تَمضي وتَرجعُ
صباح به تبدي المَسرةُ شمسَها
وليس لها إلا التوهمَ مطلعُ
بعد مفارقة الليل بالنهار، يزودنا الرصافي بمفارقةِ عيد الأغنياء وعيد الفقراء، فيقول:
صباح به يختال بالوَشْي ذو الغنى
ويُعوِز ذا الإعدام طِمْرٌ مرقَّعُ
صباح به يكسو الغنيُّ وليده
ثيابًا لها يبكي اليتيم المضيَّعُ
صباح به تغدو الحلائل بالحلى
وتَرفَضُّ من عين الأرامل أدمعُ
من (رائعة) الرصافي، نقفز لرائعة الشاعر اللبناني المخضرم إيليا أبو ماضي الذي يتحدث عن (روعة العيد)، فيقول:
يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ
فَاِستَنجِدِ الوَحي وَاِهتُف بِالأَناشيدِ
هَذا النَعيمُ الَّذي كُنتَ تُنشِدُهُ
لا تَلهُ عَنهُ بِشَئي غَيرِ مَوجودِ
ثم يُغَرّب أبو ماضي بالمقارنة بين الصّيف وحرارته وبرودة مناطق الجبال وتغريد العصافير فيها، فيقول:
مَحاسِنُ الصَيفِ في سَهل وَفي جَبَلٍ
وَنَشوَةُ الصَيفِ حَتّى في الجَلاميدِ
وَلَستَ تُبصِرُ وَجهًا غَيرَ مُؤتَلِقٍ
وَلَستَ تَسمَعُ إِلّا صَوتَ غِرّيدِ
أطوي صفحًا عن شعراء العربية الفصحى، وأتأمل ما يقول عشاق (النبط)، حيث يقول الشاعر:
أجيك مقبـل والفـرح محتوينـي
طويت حزني واكتسيت السعـادةْ
فرحة بوجهي وابتسامـة بعينـي
وثوب جديد وعطر ريحة زيـادةْ
ثم يتحدث الشاعر بعدها عن مفارقة الأحزان التي تكتوي الإنسان، وأفراح العيد المباغتة، فيقول:
أدري الحزن له موقعه في جبيني
وأدري البكا في داخلي وبعنـادهْ
وأدري أنا ما اختار شين يجيني
أقدار مـن ربـي ولا لـي إرادهْ
بستمحك يا حزن تطلق يدينـي
باذوق يوم العيد طعم السعـادةْ
ويقول الشاعر الأمير خالد الفيصل:
يا ساعة الفرحة تشوقت للعيدْ
عيد العيون وعيد قلب الصبابهْ
رد الجمال لشوفتي يا أتلع الجيدْ
واسحب على حرفي لحون الربابهْ
حرفي بصوتك يا أجمل الصوت تغريدْ
يا رمز حبِّي هاك رمز الكتابهْ
يا صبح عمري فيك للعمر تجديدْ
وحبُّك يجدد كل يومٍ شبابهْ
للعيد والقمرا وحسنك مواعيدْ
وليل الهوى شرَّع للأحباب بابهْ
ونختم بأبيات الشاعرة الدكتورة
صباح الوليدي، التي تقول:
العيد صبحك والهدية حضوركْ
يا اللي بشوفك يصبح العيد غايـةْ
يشتاق فجر العيد ريحة بخـوركْ
وأشتاق قولك: عيد وأنتِ معايهْ
البس وأغيـر وأتخيـل شعـوركْ
وأمشط وأطيب ما هجرت المرايهْ
تشرب ثيابي العطر لحظة ظهوركْ
وأسكر بعطرك لا تخلـل هوايـهْ
أتمنى أن أجلس في (أصبوحة) شعرية بين شعراء أفذاذ، يتغنون بالعيد، بشرط أن لا يكرر اللاحقون ما أنتجه السابقون، العيد زهرة جميلة يتغنى بها المبدعون، ولا نقول إلا: كل عيد وأنتم إلى الله أقرب، كل عيد وأنتم بألف خير.