كن لليتيم خادمًا
كثيرًا ما تحزني آية في سورة الماعون، تتحدث عن ظلم اليتيم وعدم إعطائه حقه، إذ تقول: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)، فأبكي بمرارة أن يكون على الأرض يتيمًا لا يجد من يرعاه، فتهيج بي الأمنيات: (هل تقبلني أيها اليتيم أن أكون خادمًا لقدميك؟)، هذه الأمنيات يشاركني فيها كل عظيم، رقيق القلب، درف العيون، طيب المحتد، نبيل المواقف، فكل ذي إخلاص يرق قلبه وتدمع عينه من أجل عين اليتيم الباكية، يكفينا مثالًا شعر أبي الحسن، الذي يقول:
ما إِن تَأَوَّهتَ في شَيءٍ رُزِئتَ بِهِ
كَما تَأَوَّهتَ لِلأَطفالِ في الصِّغَرِ
قَد ماتَ والِدُهُم مِن كانَ يَكفُلُهُم
في النَّائِباتِ وَفي الأَسفارِ وَالحَضَرِ
هذا الألم ظل يساوره طيلة حياته، حتى لحظة رحيله إذ قال: (الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم)، هل يكفي سد جوعة اليتيم؟، وستر عورته؟، أم اللازم أن نهيئ له المكانة المرموقة؟ والحال المرفه؟، الذي سيناله من والديه لو لم يكن يتيمًا، ففي سورة الفجر آية تحثنا على إكرام الأيتام، في قوله تبارك وتعالى: (كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)، وهذا ما جرى في هدي المصطفى في قوله: (مَن عالَ يتيمًا حتى يستغني، أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة)، فليس الهدف اعطاء اليتيم بعض كِسَر الدراهم، إنما الغاية اعزازه بالاستغناء الدائم، فقد ورد في حديث جميل، أن الحبيب الخاتم قال: (إنّ في الجنّة دارًا يُقال لها (دار الفرح)، لا يدخلها إلا مَن فرّح يتامى المؤمنين)، ألا يستحق من فرح قلب يتيم أن يفرحه الله؟، فلنكن من أولئك القلة المحظوظين الذين فازوا بكرامة الدنيا وفرحة الآخرة.