الجمعة، 25 ديسمبر 2020

مصر علمتني

 




 


أنا لست مصريًا ولا من سكان ديار أرض الكنانة؛ لكني سكنت في صفحات كتاب أدبائها وكتابها وتنقلت بين أزقة السطور وأغلفة الكتب التي نسجها عبقري مصري أو دوّنها أديب يشار له بالبنان والصيت، الصيت الذي لا يعني شيئًا في قبالة الموهبة التي تتحرك بين الأنامل.


لم أشرب من نهر نيلها ولم أرتشف من عذب مياهها لكنني أرتوي من مداد المبدعين فيها وأقتفي خطو المهرة من سدنة كاتبيها، وإنه ليحلو لي أن أكتب كتابًا عن كتّاب مصر، أدوّن في غلافه (مصر علمتني)، لم أتعلم في مدارس مصر ولا في جامعاتها، إنما أتعلم من عمالقة المفكرين المصريين كيف أمتشق القلم؟، وأرشق بوابل الكلمات سطور الصفحات.


مصر علمتني أن أغدو أديبًا كأدبائها وأن أشق طريقًا بين جبال الكتب وأطنان المسودات، مصر علمتني أن أشق بأنهار الحبر الصفحات البيضاء لتنبت الأزاهير والأشجار والبلح على الضفاف، مصر علمتني أن أقف أمام الريح والشلال، أن أثبت كالأهرام وأربض كأبي الهول على مرور الأزمان، أن أبني مجدًا كأمجاد الفراعنة الذي لا يمكن أن ينسى أو يجحف.


تعلمت من مصر عبر أقلام أبنائها العقاد والمازني ومحفوظ وطه حسين وأحمد شوقي وتطول قائمة الأسماء والأبناء، تعلمت من مصر  عبر صفحات المؤلفين والمحررين والكتّاب أن أحمل المسؤولية والأمانة وأن أخلق السعادة والمتعة للجيل الجديد.


لن أقول تعلمت فأنا لا أزال أتعلم من مصر ، وكل المتعلمين تنتهي فصول دراستهم إلا المتعلمين من مصر، فإن أبناءها يكبرون ويصبحوا أساتذة وعباقرة ومع كل ذلك يظلون متتلمذين على أيدي مصر كل شروق شمس وكل لحظة غروب.


تعلمت من مصر أن أشق الطريق رغم المعاناة، تعلمت منها أن أستمر وأن لا أكل ولا أسأم حتى الرمق الأخير، فأنا إن لم أكن مصريًا فأنا من عشاقها وأبنائها الذين لم يخرجو من بطنها إنما تربيت على يدها التي تمتد للبعيد، أليس من البر أن يبر الواحد بأم أنجبته؟، وأم سعت في تربيته حتى أشتد العود وبزغ منه الثمر؟، مصر التي عشقت ستبقى خالدة تتغنى بها الأجيال والأحقاب، مصر التي عشقت ستظل ملهمة لكل المبدعين.